95 % من العاملين بالمملكة لديهم تأمين صحي    الكشف عن الكرة الرسمية للموسم الجديد من دوري يلو    السعودية تسهم في إحباط تهريب كمية مخدرات في لبنان    بوتين يعرب عن إمكانية إيجاد توافق بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا    التجارة تتيح إصدار تراخيص تخفيضات اليوم الوطني 95    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    أمير منطقة جازان يرعى تنفيذ لقاء الحرفيين والحرفيات بمناسبة عام الحرف اليدوية    الكلية التقنية التطبيقية بالرياض تنظم حملة للتبرع بالدم    أمير القصيم يستقبل نائب وزير الموارد البشرية وسفير جمهورية النيبال    فهد بن سعد يستقبل مدير جوازات القصيم    مستشار وزير البلديات والإسكان يزور مركز عمليات التشوه البصري بأمانة الشرقية    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    روحانية العمرة وخدمات مكة المكرمة    أمير المدينة يرعى الحفل الختامي لبرنامج حفظ ومراجعة القرآن الكريم    سماء المملكة على موعد مع خسوف كلي للقمر يوم 7 سبتمبر    المؤتمر الدولي للسكري والسمنة يستعرض العلاجات الحديثة بالذكاء الاصطناعي    سيرة من ذاكرة جازان: الدكتور حسن مشبري    وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة عن «حقوق كبار السن»    الأهلي يتفق مع نيس من أجل ضم دومبويا    رجال الإنقاذ في أفغانستان يسابقون الزمن    الدولار يصعد وسط تحليق الذهب    "فن المملكة".. إشراقات سعودية تسطع في بكين    شاعر الراية يعود في موسمه الرابع.. ليالٍ من الشعر والجمال عبر شاشة السعودية    بالشراكة مع مؤسسة علي بن حسين بن حمران الأهلية؛ جمعية التنمية الأهلية بأبها تدشّن مشروع "أُلْفَة" في نسخته الأولى لتمكين التواصل الأسري.    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على غزة    موجز    قرار السماح بوقوف سيارات الغير أمام المنازل.. صائب أم خاطئ ؟    العدل    بمشاركة النجم كريستيانو رونالدو.. وزير السياحة: إطلاق حملة عالمية لإبراز تنوع الفعاليات العالمية في السعودية    غوتيريش يدين اعتقالات الموظفين الأمميين.. ومليشيا الحوثي: 11 وزيراً قتلوا في الغارة الإسرائيلية على صنعاء    عراقجي يدعو إلى الحلول الدبلوماسية.. إيران تحذر من عواقب سياسية لإعادة العقوبات    مع استمرار الخلافات الداخلية والحزبية.. لبنان يواجه تحديات تطبيق قرار حصر السلاح    الفتور النفسي    "أسد".. في دور العرض يونيو 2026    1.5 مليار ريال إجمالي الاسترداد.. إعادة 10 رسوم للمنشآت الناشئة    «الحياة الفطرية»: الصيد في السعودية تحكمه القوانين    أَنا خيرٌ منه    نزاهة تحقق مع 416 موظفاً حكومياً وتوقف 138 بتهم فساد    المملكة تشارك في معرض موسكو الدولي للكتاب 2025    "القايد" راعيًا لقدم الخليج للموسم الثالث على التوالي    انطلاق مهرجان الرمان بسراة عبيدة بنسخته الخامسة    ولي العهد يستعرض مع الشيخ التطورات في فلسطين    الهلال يوقع رسميًا مع المدافع التركي يوسف أكتشيشيك    ارتفاع أسعار الغاز في التعاملات الأوروبية    93.7 مليار ريال قيمة مدفوعات سداد خلال يوليو 2025    هيئة المتاحف تطلق معرض «روايتنا السعودية» من القصيم    الأخضر السعودي يدشّن تدريباته في معسكر التشيك    غسل البيض يحمي من السالمونيلا    دواء للتصلب اللويحي يشافي العظام    إبادة غزة مكتملة الأركان    الحياة الفطرية تطلق موسم الصيد    زلزال أفغانستان: أكثر من 800 قتيل و2700 جريح    أمير منطقة جازان يعزي أسرة جابر الفيفي    سمو نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير فرع وزارة الإعلام بمناسبة تكليفه    «الشؤون الإسلامية» تواصل برامجها التوعوية للمعتمرين    غلاء المهور    كبسولة سعودية ذكية في عالم الطب الشخصي    انتشار «الفيب» بين الشباب.. خطر صحي يتطلب وقفة جادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الاستشراق الغربي والاستعراب الصّيني
نشر في الوكاد يوم 02 - 09 - 2025

ا ذا كانَ مصطلح «الاستشراق» يشير إلى الدراسات الغربية حول الشرقِ العربي الإسلامي، فإنَّ الدراساتِ العربيةَ في الصّين تُعرف ب«الاستعراب». ويفضّلُ الباحثونَ الصّينيونَ هذا المصطلحَ؛ لا لأنَّه أكثرُ دقةً فحسب، بل لأنَّه يعبّر عن وعي ذاتي بضرورة اختلاف هذه الدراسات عن الاستشراق الغربي في بعض الجوانب.
يمكن إرجاعُ بداية الاستعراب الصيني إلى منتصف القرن السادس عشر، حيث خاضَ بعضُ العلماء المسلمينَ الصينيين، حملةً فكرية لشرح المعتقدات الإسلامية بمفاهيمَ كونفوشيوسيةٍ صينية، من أجل تعليم هذه المعتقداتِ لأبنائِهم الذين لم يعودوا يجيدون اللغةَ العربية، كمَا كان يجيدُها أجدادُهم الذين قدموا إلى الصّين عبر طريق الحرير، وأقاموا فيها، ومن أجل التَّوفيق بينها وبين الفكر الكونفوشيوسي السائدِ في الصين، بغيةَ إكسابها مزيداً من الشرعية في المجتمع المحلي. استمرت هذه الحملة أكثرَ من مائتي عام، وأنتجت نحوَ مائةِ كتاب بين تأليف وترجمة، ممَّا أسَّس قاعدة فكرية رصينة للفكر الإسلامي في الصين.
وفي أوائل القرن العشرين، ظهر مدٌّ جديد لحركة الاستعراب في الصين، إذ قام بعض المسلمين الصينيين بالتأليف والترجمة في الفكر الإسلامي من أجل مواكبة حركة الثقافة الجديدة التي كانت تجتاح الصين بعد تعرضها لسلسلةٍ من الغزوات الغربية، ومن بين الثمار العلمية المهمة لهذه الفترة ترجماتٌ صينيةٌ عديدةٌ للقرآن الكريم. والجديرُ بالذّكر أنَّ اللغةَ العربية دخلت إلى التعليم الجامعي الصيني في منتصف أربعينات القرن العشرين، على أيدي بعض العلماء المسلمين مثل محمد مكين وعبد الرحمن ناتشونغ، بعد أن كانت تنحصر في المساجد والمدارس التابعة لها لأكثر من ألف سنة في الصين.
بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وتزامناً مع إقامة العلاقات الصينية - العربية وتطورها تدريجياً، انتشر تعليم اللغة العربية في العديد من الجامعات الصينية، وظهرت حركة الاستعراب الصيني لغايات سياسية وثقافية واقتصادية، ولكن سرعان ما توقفت هذه الحركة في فترة ما يسمى «الثورة الثقافية» التي أوقعت الصينَ في فوضى عارمةٍ بجميع المجالات تقريباً.
وبعد انطلاق مسيرة الإصلاح والانفتاح التي أعقبت «الثورة الثقافية»، شهد الاستعرابُ الصيني تطوراً حقيقياً، وظهرت في بداية القرن الحادي والعشرين، طفرةٌ ملحوظة في الاستعراب الصيني، نتيجة لتطور العلاقات الصينية - العربية، ووصولها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. فدخل تعليمُ اللغة العربية إلى أكثرَ من 50 جامعة صينية، وتُرجمت مئاتُ الكتب العربية، ومنها كتبٌ تراثيةٌ ثقافيةٌ وأعمالٌ أدبيةٌ حديثةٌ، كما تنوَّعت مواضيعُ المؤلفات الأكاديمية. وشهدتِ السنواتُ الأخيرةُ اهتماماً مزداداً بدراسة القضايا العربية المعاصرةِ ضمنَ اهتمام الأوساط الأكاديمية الصينية بدراسات المناطق والبلدان، في ظلّ صعود الصّين إلى المسرح العالمي كقوة كبرى.
بعد هذا الاستعراض السريع لتاريخ الاستعراب الصيني قد يسأل سائل: هل هناك ما يميّز الاستعرابُ الصيني عن الاستشراق الغربي؟ وكيف؟ ولماذا؟
لإجابة عن هذه الأسئلةِ ينبغي أن نعرفَ أن هناك تبايناتٍ بين الحضارتين الصينية والعربية اللتين تشكلتا في أزمنة وأماكنَ وظروفٍ مختلفة، ومع ذلك، تجمعهما أيضاً سماتٌ مشتركة تنبع من كونهما من الحضارات الشرقية العريقة، ومن التشابه في المسيرات التاريخية والهموم والمعاناة، إضافة إلى التبادلات الضاربة بجذورها إلى عمق التاريخ. فيمكن القول إنَّ القواسم المشتركة بين الحضارتين تفوق الفوارق، وهذه المشتركات هي التي ترسم خصائص الاستعراب الصيني التي تميّزه عن الاستشراق الغربي. وتتجلّى هذه الخصائص في النواحي التالية:
1. تتمتع الحضارة الصينية بمنظومة قيمية متشابهة للحضارة العربية، ممَّا يجعل المعاييرَ القيمية للباحثين الصينيين في نظرتهم إلى العرب، تمتاز بإيجابية أكثر مقارنة بنظرائهم الغربيين. فمبادئ مثل الاعتدال والوسطية، واحترام الأسلاف والتقاليد، والسعي نحو الانسجام بين الإنسان والكون، والتوفيق بين الوحدة والتنوع، والاهتمام بمكانة الأسرة والمجتمع، وغيرها، تشكل مرتكزات روحية مشتركة للصينيين والعرب، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك في موقف المستعربين الصينيين من الشؤون العربية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يعي الباحثون الصينيون وجود سلبيات في التقاليد الثقافية والسياسية عند العرب، التي تشارك في بعضها الثقافة والسياسة الصينية أيضاً، الأمر الذي حال دون تقدم العرب في العصر الحديث. لذا، يحرص الباحثون الصينيون على الالتزام بالموضوعية والإنصاف في تعاطيهم مع العرب والدراسات العربية، متجنّبين القسوة في الحكم، والرؤية التمجيدية السطحية في آن واحد.2. مرَّتِ الحضارةُ الصينيةُ بمسارٍ تاريخيٍّ متشابهٍ للحضارة العربية: حيث شهدتا التحولَ بين الصعود والانحطاط والمدّ والجزْر، وتعرضتا للعدوان الخارجي، وبذل أبناؤهما جهوداً دؤوبة من أجل تحقيق النهضة المرجوة في العصر الحديث، مما ولّد تفاهماً وتعاطفاً من قبل المستعربين الصينيين للقضايا العربية، على عكس النظرة الاستشراقية الغربية التي غالباً ما تتّسم بالانتقاد والاستعلاء تجاه الشرق العربي. والتعاطف الواضح لمعاناة الشعب الفلسطيني ودعم نضالهم لاسترداد حقوقهم الشرعية، ليسا إلا مثالين على الموقف الأكاديمي الصيني المنسجم مع الموقف الرسمي الداعم للقضية الفلسطينية.
3. ذاقتِ الأمةُ الصينية، مثل العرب، ويلاتِ الصدام العنيفِ مع الغرب في العصر الحديث، واختبرت تفاعلات متوترة معقدة بين الحفاظ على الأصالة والسعي وراء التحديث، ممَّا ترك تأثيرات بالغة الأهمية في التوجه المستقبلي للصينيين، بل حتى في المنهجيات والنظريات والرؤى للدراسات الأكاديمية في الصين، سلباً وإيجاباً. ويتجلَّى ذلك في الاستعراب الصيني أيضاً، حيث يواجهه الآن التحدي المزدوج: كيف يستفيد من الإنجازات الأكاديمية الغربية مع تجنّب تحيزاتها الاستشراقية المعروفة ضد الشرق العربي الإسلامي؟ وكيف يحافظ على الخصوصية والوعي الذاتي مع تفادي الوقوع في متاهة النرجسية والجمود؟
4. لا يهدف الاستعراب الصيني إلى تحصيل المعرفة عن الآخر العربي فحسب؛ بل يتعداه إلى اعتبار هذا «الآخر» مرآةً لمعرفة الذات بشكل أحسن، كما يهدف إلى إقامة منصة معرفية لتعزيز التبادل الحضاري والتقارب الإنساني بين الطرفين الصيني والعربي. وقد قال المعلم الصيني القديم كونفوشيوس عن أهمية التبادل العلمي بين الأصدقاء: «الإنسانُ النبيلُ يتَّخذ من علمه وسيلةً لاكتساب الأصدقاء، ومن خلال أصدقائه ينُمِّي مروءته».
وفي النهاية، إنَّ هذا الآخر العربي الذي ندرسه ونحاوره، ليس آخر مطلقاً، بل نرى فيه ذاتَنا في كثير من الأحيان. ولعلَّ أجملَ ما يختصر هذا المعنى قول الحكيم العربي أبي حيّان التوحيدي: «الصديق آخرٌ هو أنت
نقلا عن الشرق الاوسظ
شوي تشينغ قوه بسام
بروفسور وأكاديمي بجامعة الدراسات الأجنبية في بكين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.