وكيل إمارة المنطقة الشرقية يدشن الربط الإلكتروني بين وزارة الداخلية والإمارة    بحضور وزيري الإسكان والتعليم.. NHC تختتم النسخة الخامسة من برنامج واعد بتخريج 500 متدرب ومتدربة    الحكومة اليمنية ترحّب ببيان المملكة بشأن الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة    إتمام الاستحواذ على مستشفى المملكة يعزز حضور دلّه الصحية القوي في الرياض    حقيقة رغبة ريال مدريد ومانشستر يونايتد في ضم روبن نيفيز    مركز الحياة الفطرية يطلق 61 كائناً فطرياً بمحمية الملك خالد الملكية    الشؤون الإسلامية في جازان تُقيم ورشة عمل لتأهيل المراقبات بمساجد محافظة أبو عريش    مدير عام فرع الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد جوامع ومساجد العيدابي ويفتتح مسجد النور    جامعة الملك فيصل تحقق المرتبة ال11 عربيا في التصنيف العربي للجامعات 2025    د. مريم الدغيم تحصل على براءة الاختراع الأمريكية    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 32.3% في أكتوبر 2025    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى فيتنام    "إنفاذ" يشرف على 75 مزادًا عقاريًا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    تكريم الجمعيات المتميزة وقادة العمل التطوعي في جازان خلال حفل مركز التنمية الاجتماعية    جولة ميدانية للوقوف على جاهزية الواجهة البحرية بقوز الجعافرة استعدادًا لانطلاق المهرجان الشتوي    نائب أمير منطقة جازان يلتقي أيتام "إخاء"    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    جامعة أمّ القرى تدعو لزيارة الواجهة الثقافية ضمن فعاليات شتاء مكة.    جامعة أمّ القرى تعلن فتح بوابة القبول في برامج الدراسات العليا للعام الجامعي 1448ه    إطلاق تطبيق المطوف الرقمي في الحرم    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    ارتفاع النفط والذهب    تعزيز المحتوى المحلي في المدينة المنورة    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    «الجوازات» تصدر 17.767 قراراً إدارياً بحق مخالفين    استدعاء 40 شخصاً نشروا «محتوى يثير التأجيج»    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    موسم جازان هوية ثقافية ومنافسة شبابية    درة تعود للدراما ب«علي كلاي»    صندوق الطائرة الأسود قرب أنقرة.. تركيا تعلن العثور على جثة رئيس الأركان الليبي    المملكة في صدارة الدول بالترفيه الرقمي ب34 مليون مستخدم    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    إثارة دوري روشن تعود بانطلاق الجولة ال 11.. النصر والهلال يواجهان الأخدود والخليج    في دوري أبطال آسيا 2.. النصر يدك شباك الزوراء العراقي بخماسية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. تقليد نهيان بن سيف وشاح الملك عبدالعزيز    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    المعركة الحقيقية    11 شكوى يوميا بهيئة السوق المالية    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    الصالحاني يضع أسس البداية عبر «موهبتك لا تكفي»    معرض «وِرث» ينطلق في جاكس    «النسر والعقاب» في ترجمة عربية حديثة    السعودية تشكل المشهد التقني    14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني    الشباب يعلن غياب مهاجمه عبدالرزاق حمد الله لقرابة شهرين    غالتييه: أحترم النجمة.. وهدفنا الفوز    مرحوم لا محروم    الشتاء والمطر    الفتح يكثف تحضيراته للأهلي    سلوت ينتقد «التدخل المتهور» على أيزاك    النيكوتين باوتشز    أمير الشرقية: تلمس الخدمات من أولويات القيادة    مساعدات إنسانيّة سعودية جديدة تعبر منفذ رفح متجهة إلى غزة    الضحك يعزز صحة القلب والمناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هَرِمْنا مِن هذا الخِطاب
نشر في الشرق يوم 19 - 10 - 2013

عندما كُنت في السنة الأخيرة في الجامعة «عام 2001» درّسنا أستاذ من دولة عربية مادة «القانون التجاري» وكلما ضرب لنا مثلاً على معاملات تجارية قال: «كيس من الشعير.. كيس من القمح.. صاعٌ مِن بُرّ.. إذا كان إنتاج الطاحونة كذا وكذا» فكنت ألتفت إلى زملائي وأقول لهم: «يا إلهي! نحن في عصر أمازون وإي بي والرجل يتحدث عن الصّاع والطواحين!» وإذا فتحتَ جريدة عربية اليوم، فستجد كثيراً مِن كُتّابها يستخدمون معاني قديمة شبيهة بأمثلة الأستاذ، لا تمتُّ لثقافة العصر بِصِلة، مثل «إذا ارتفعت الشمس مقدار رُمح» وغيرها من المفاهيم والألفاظ التي تطور الزمن كثيراً فصارت الحاجة إلى استخدامها معدومة.
وإليكم هذا النص الذي ورد في مقال أحدهم في صحيفة خليجية: «وبخاصة أنّهُ قد قُدّر عليَّ الكتابة في صحيفة لم يدع فيها المتألقُ يوميّاً: «فلان الفلاني» موضع بياضٍ إلا وقد دلق فيه قنينة حبرهِ مُطنباً في الثناءِ على معشوقته: «المدينة الفلانية» وليسَ ثمّة تثريب فيما يجترحهُ ذلك أنّه يعيشُ سكْرة هيامٍ مِن شأنها -بداهةً- أن تضطرهُ وَلَهاً إلى…». تساءلتُ بعد قراءة المقال: ما الضرر لو أنه استخدم «إلا وقد خط فيه بقلمه مُبالِغا في الثناء» بدل استخدام كلمات مثل (دلق، قنينة حبر، مطنباً!) وما ضره لو استخدم كلمة مَلامة بدل تثريب!
افتح صحيفة باللغة الإنجليزية «ولست هنا في صدد الثناء على الغرب، ولكنني أقارن الحقائق» وحاول أن تجد في صفحات الرأي من يكتب مثل شكسبير أو تشارلز ديكنز أو جورج برنارد شو، ولن تجد! والسبب هو أن كاتب اليوم يتحدث مع أناس مختلفين عن الذين تحدث معهم ديكنز، فلقد تطورت اللغة، أو قُل تغيرت، وتبدلت الأفكار، ولا يصلح أن نجترّ الماضي غصباً حتى نقول للآخرين إننا أهل فصاحة وبلاغة.
ناهيك عن إسهاب كثير من الكُتاب العرب في ذكر الشرح والتفاصيل وإطالة الجُمَل في الوصف وفي استخدام المحسنات البديعية، في محاولات فاشلة لتقليد طه حسين أو ميخائيل نعيمة أو المنفلوطي والرافعي. ولو ظهر أحد أولئك الأدباء اليوم لربما ما قرأ له أحد. افتح كتابا لميخائيل نعيمة، وحاول أن تكمل عشر صفحات، وأراهنك بأنك ستتعب كثيراً. هذا لا يقلل من إبداعه، ولكن أسلوب عصره كان يتطلب منه رصّ المُرادفات خلف بعضها والإسهاب في السجع والإطناب لإعطاء النص روحا موسيقية. لكن قارئ اليوم لا يكترث بهذه الأساليب، ويحتاج إلى فهم الجملة باختصار. هذا ليس خطأً، ولكن «شخصية» العصر تفرض نفسها بقوة على الذوق الأدبي، وعلى الكاتب أن يحاول الموازنة بين قراءاته الكلاسيكية، وبين ذهنية القارئ العصرية. كَتَب أديب رسالة لصديقه، وبعد أن انتهى كتب في نهايتها: «وددتُ لو كانت رسالتي أقصر، ولكنني لم أجد الوقت الكافي لذلك».
علينا أن نعترف بأن الجيل الجميل الممتد من رفاعة الطهطاوي وحتى نجيب محفوظ قد انتهى. يبقى ما أنتجه ذا قيمة أدبية عالية ومن الضروري قراءته، ولكن لا يمكن أن يكون مقياساً لما نكتب أو نقرأ اليوم.
ذهبتُ لصلاة الجمعة مع ابنيّ سعيد وعمر، اعتلى الإمام المنبر وأخذ يصرخ، رغم وجود مكبرات الصوت، ويحدثنا عن بر الوالدين. فذكر قصصاً عن رجل كان يحمل أمه على بغلته من مدينة إلى أخرى، وآخر كان لا يشرب من «كوز» الماء قبلها، وآخر كان يرش أرضية غرفتها بالماء حتى تبرد. حاولتُ أن أتخيل كيف سيفكر أطفالي الآن؟ هل سيرشون غرفتي بالماء كل صباح؟ وتساءلتُ: لماذا لم يحدثنا كيف نبر والدينا بمفهوم العصر؟ شعرتُ حينها بأنني سأخرج من المسجد وسأجد بغلتي مربوطة إلى أحد الأعمدة!
ألا يدرك هؤلاء أننا لا نعيش في بساتين بغداد العباسية ولا في أزقة قرطبة الأموية! أرجوكم استفيقوا، فخلف منازلكم ناطحات سحاب، وفوق أسقفكم تحلق الطائرات، وفي هواتفكم تختبئ علوم الإنسانية كلها. أنتم في القرن الحادي والعشرين ولستم في الحادي عشر.
يحتاج الخطاب العربي اليوم إلى إعادة هيكلة من أساساته. قارن بين مسؤول عربي وآخر غربي، عندما يقفان لإلقاء كلمة ما، وستجد الأول يبدأ خطابه بديباجة رسمية قاتمة، يستخدم الجمل «والكليشيهات» نفسها التي تستخدمها وسائل الإعلام، والثاني يبدأ كلمته بطُرفة ثم يقول ما يريد قوله باختصار، وبمباشرة ووضوح.
يقول ويل ديورانت في قصة الفلسفة: «بعض الكتب تُذاق، بعضها تُبلع، وبعضها تُمضغ» ولكن يبدو أن كثيرا من الكتابات العربية اليوم لا يمكن حتى تذوقها. ثم يُكمل بعد أن يتحدث عن آفة الإسراف في استخدام اللغة في العصور القديمة «فالاستعارات والتشبيهات والتوريات التي لا نهاية لها تنصب على أعصابنا كالسياط فتلهبها وترهقها في النهاية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.