يخطئ من يعتقد أن الأحداث الدرامية في نادي المنطقة الشرقية الأدبي، ليلة اجتماع الجمعية العمومية غير القانوني ووصول اللجنة، ابنة ليلتها، أو أنها مجرد محض تلاقٍ للصدف نتج عنها ما نتج، وشهدناه على صفحات الجرائد. كلا، لم تكن تلك الليلة الكثيفة الأحداث إلا امتدادا لسنة قبلها منذ بداية تعيين معالي وزير الإعلام مجلس الإدارة السابق بعد الاستقالة الجماعية للمجلس الذي قبله. من المهم مراجعة هذه المرحلة، ودراسة ما أدت إليه من أمر جلل لا ينبغي الاستهانة به، ومعرفة كيف لم يستطع المجلس المحافظة على ثقة الوزارة، ولو في مدة سنة قصيرة، والقيام بمهمته الرئيسة، ألا وهي تكوين الجمعية العمومية بنزاهة وشفافية، فلم يعد بإمكانه، أي المجلس، الزعم بذلك، بعد أن حلت الجمعية، وما تفتقت عنها من انتخابات. سياق الأحداث والأداء الإداري لذلك المجلس كان يقود إلى ما انتهى إليه الحال من فوضى وإحساس بالتملك الحصري واستفراد بالقرار، لدرجة لم تستطع معها الوزارة استنقاذ النادي الأدبي من يدي الرئيس إلا بمساعدة أمنية!! هل تشعرون معي بفداحة الأمر؟ الذي يجعلنا نسائل المجلس، ولا نسائل المستحوذ فقط هو أن الاستحواذ الفردي يكاد يكون مُحالاً في ظل نظام يحتم أخذ القرارات بدعم الأكثرية، أي ستة أصوات، أو خمسة مع الرئيس على الأقل، كما يفترض بنظام مجلس إدارة النادي الأدبي أن يكون، مما يصعب معه الانفراد في المصلحة الشخصية، والتملك، فكيف حدث ما حدث؟ وإذا كان الأمر يعكس رغبة بعضهم، فكيف استمر هذا البعض في اللعبة إلى النهاية، فلم نسمع هسيساً من احتجاج، ولا رغبة في الكف عن مواصلة اللعبة؟ في هذا الجانب، نقول باختصار: وعي العضو بنفسه وقيمته أولاً، والرسالة التي يحملها، وما يمثله من بعد ثقافي أخلاقي، كفيل بأن يفشل أي حالة لتجاوزه، ويجعل من موقفه حائطاً يصعب اجتيازه. في تلك الليلة الكثيفة بأحداثها، يمكننا قراءة أمر آخر في غاية الأهمية، فقد انقسم أعضاء الجمعية العمومية في تعاملهم مع دعوة الاجتماع إلى قسمين رئيسين؛ قسم تفاعَل، وقسم بكل بساطة لم يكترث للدعوة، واعتبر الرسالة التي طن بها هاتفه كأي دعوة إعلانية تصله عن طريق الخطأ. القسم الذي تفاعل انشطر هو الآخر إلى شطرين؛ الأول سارَع بكل ثقة، بخيله، ورَجِلهِ للحضور! دون أن يتبادر إلى ذهنه مدى مصداقية الدعوة، أو قانونيتها، وحتى دون أن يعرف لماذا الاجتماع.والشطر الآخر لم يكتفِ فقط بالاعتذار خطياً عن تلبية الدعوة، وسرد تحفظاته القانونية عليها، ومبررات عدم الحضور، بل أبدى كل مسؤولية ومهنية ضمن خطابه استعداده للتعاون المشروط في ما لا ينتهك اللوائح، أو كما قال الخطاب: «ونعدكم بالتعاون معكم دائماً في كل ما لا ينتهك الأنظمة والقوانين التي تنص عليها لائحة الأندية الأدبية». بين هذه الأقسام الثلاثة نستطيع أن نرى بوضوح ذلك البون الشاسع بين وعي أعضاء الجمعية العمومية بمهمتهم في ممارسة دورهم الرقابي والحقوقي القادر على إرجاع قاطرة المجلس، كلما انحرفت إلى قضبانها، وبين كونهم مجرد إصبع باصمة. ونقع على حالتين يمكن للجمعية العمومية أن تكونهما؛ رقيباً، وسادناً للوائح، وعوناً فيما صح من إجراءات، أو تابعاً مقوداً فاقداً البصيرة. غني عن القول بأي من هؤلاء الأعضاء يمكن للتجربة الانتخابية بالنادي الأدبي أن تتطور وتثمر. لقد حوّل قرار وزارة الثقافة والإعلام بخصوص أدبي الشرقية ليلة الأربعاء 28 ديسمبر السنة الماضية، وبالأخص ليلة الاجتماع، إلى ما يشبه طاقة من المستقبل تنفتح أمام أعين المثقفين في الشرقية؛ فالذين لم يبادروا بالتسجيل رأوا من تلك الطاقة، ناديهم الأدبي يختطف من بين أيديهم، ويساق بعيداً بعيداً إلى كثبان صحراء قاحلة. والذين لم يروا تلك الخروقات الشاخصة كالجبال من ملبي الدعوة، وأولوا ثقتهم من لا يستحقها، ربما بسبب حداثة التجربة وعدم التمرس، وصوتوا كما رأينا في بيان الاجتماع العمومي المرتجل ضد وظيفتهم المفترضة كأعضاء جمعية عمومية أدبية، ضد حرية التعبير، وضد مهمة وحرية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية في تناول ما يدور في الاجتماعات، وشرّعوا تكميم الأفواه، وسكتوا عن طرد وسائل الإعلام أمام أعينهم كما حصل ليلتها، لعلهم باتوا قادرين الآن على تدارك الخطأ، والتمعن في الأمر، وإعطاء اللوائح بعض الوقت لقراءتها ولعب دور المثقف الحقيقي بعيداً عن التعصب الأعمى لفلان من الناس. أتمنى ألا نعود لنسلك الطريق العاثر نفسها. • نائب رئيس أدبي الشرقية السابق