الأهلي المصري يتوج بدوري أبطال إفريقيا    فرصة لتكون السحب الممطرة على الشرقية والرياض وأمطار بمكة والجنوب    عادات غذائية تسرع من الشيخوخة    الحرارة في 4 أسابيع ترتفع إلى 48 مئوية في المناطق    د.الربيعة المملكة ملتزمة بإنقاذ الأرواح وحماية المستقبل    «التعليم» تحدد ضوابط تقييم أداء المديرين والمعلمين    التعديلات الأخيرة على تنظيم العمل المرن    «تعليم عسير» و«منشآت» تُطلقان سوق رواد الأعمال بمشاركة 30 طالباً وطالبة    ارتفاع الصادرات غير البترولية    أكد حرص القيادة على راحة الحجاج.. أمير الشمالية يتفقّد الخدمات في« جديدة عرعر»    المملكة ترحب بقرار «العدل الدولية»    واتساب يختبر ميزة لإنشاء صور «بAI»    فلسطين والعالم.. لحظة اختبار تأريخية    إسرائيل.. استعمارية حاقدة    المخاطرة والإبداع    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج دورة الضباط الجامعيين    عزى هاتفياً رئيس السلطة بالإنابة في إيران.. ولي العهد وماكرون يبحثان تطوير التعاون ومستجدات غزة    الهلال يتوج بكأس الدوري الأقوى في ليلة احتفالية مميزة    صراع الهبوط يشعل الجولة الأخيرة    «كاسترو» والموسم القادم    هاتفياً.. ولي العهد يعزي رئيس إيران المؤقت في وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومرافقيهم    توثيق النجاح    مدير عام تعليم جازان يعتمد حركة توزيع المعلّمين والمعلّمات الجدد    عفوا.. «ميكروفون الحارس يزعجنا» !    «مجرم» يتقمص شخصية عامل نظافة ل20 عاماً    الماء (3)    رمز الضيافة العربية    عرض فيلم " نورة " في مهرجان كان    حلقة نقاش عن استعدادات "رئاسة الهيئة" لموسم الحج    يطلق عروسه بسبب لون عينيها    "جامعة الحدود الشمالية" في خدمة الحجيج    «مبادرة طريق مكة».. تأصيل مفهوم خدمة ضيوف الرحمن    مستقبل الطيران.. موقع السعودية !    مبدأ لا حياد عنه    مختصون ينصحون بتجنّب القهوة والشاي قبله ب 3 ساعات.. «النوم الصحي» يعزز الطاقة والتوازن في الحج    تحمي من الأمراض المختلفة.. استشاري: لهذه الأسباب تكمن أهمية «تطعيمات الحج»    كأس الملك.. هلالي أم نصراوي؟!    أجانب الشباب تكملة عدد    «سكوبس» العالمية تصنف مجلة «الهندسة» بجامعة الملك خالد ضمن قواعدها العلمية    ولي العهد يعزي محمد مخبر هاتفياً في وفاة رئيسي وعبداللهيان ومرافقيهما    الجدعان يشارك في "اجتماع وزراء المالية" لمجموعة السبع    حماية السلاحف    السفير الألماني يزور «الرياض»    أولى رحلات "مبادرة طريق مكة" من المغرب تصل المملكة    برازيلي يقتل والديه ويحرق جثتيهما    باريس سان جيرمان يهزم ليون ويتوج بكأس فرنسا في ليلة وداع مبابي    الدفاع المدني: تمديد التراخيص متاح عبر «أبشر أعمال»    ضبط مبتز سوري    عملية قلب مفتوح تنقذ حياة حاج بنغلاديشي    حضور سعودي في اختتام "كان السينمائي"    نجوم يتنافسون على «جائزة الدانة» في البحرين    أمير تبوك يرعى حفل تكريم مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية    عبدالعزيز بن سعد يزف خريجي جامعة حائل    العمير تزور مديرة الثانوية الخامسة في جازان للإطمئنان على صحتها        المجالس الأدبية والفنية في القرن ال19    ولي العهد يعزي رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران بوفاة الرئيس ووزير الخارجية ومرافقيهما    خريجو «خالد العسكرية»: جاهزون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داء السكري..أن ينزلنا القاتل بوفاء إلى قبورنا
نشر في الشرق يوم 28 - 03 - 2013

كنا ننتظر في المسرح رقم 1 بكلية إمبريال كوليج موعد محاضرتنا التي سيقدمها البروفيسور الفرنسي فيليب، وهو أحد العلماء المتخصصين في أبحاثهم عن داء السكري، لم يبدأ محاضرته بإدخال الفلاش في قابس الجهاز المحمول حتى يستعرض لنا نحن الطلاب الشرائح عبر البروجيكتر، بل على غير العادة اقترب من المنصة وسألني مبتسماً بصوت منخفض: أنت من السعودية؟! فأجبته بنعم، ثم التفت إلى مدرج المسرح المملوء بالطلبة وأشار إليّ قائلاً بصوت عالٍ: السعودية!! حينما تستذكرون المحاضرة!. أراد البروفيسور فيليب أن يشير إلى أن السعودية تحتلّ موقع الصدارة في تفشي داء السكري من باب ضرب المثل.. وكما لم يعد يخفى على السعوديين أنفسهم أن السعودية تحتلّ الصدارة في الإصابة بلوث السكري «القاتل الصامت»، يأتي ذلك من واقع مرير جداً فلم يعد يخلو جيل من العائلة تقريباً من توفر مصاب به. إلى اللحظة، فالسكري داء لا تقهقره حقن الإنسولين ولا تنال منه لسعات إبر الإنسولين وإلى الآن لم يمكن استئصاله وإلغاؤه من قائمة الأمراض الملازمة حتى الموت، بل كلما تراءى للمريض أن يستفزه بجرعات من:1 – الأكل الثقيل أو 2 – الغضب المتواصل أو 3 -تجاهل ممارسة الرياضة المنتظمة أو 4 – عدم الانتظام على جرعات الدواء، فإنه لا يردي المريض سوى برمح موبوء بأسقام جديدة تنال من الكُلى وشبكية العين ونظام المناعة وتعفن الأطراف وأمراض القلب ما إلى ذلك من الأمراض التي يدرجها السكري تحت مظلته الشهيرة «مضاعفات السكري»، ويظل بها مرافقاً للمريض حتى يرديه للموت.
وحتى نروض أنفسنا أمام سوطه، من الضرورة أن ندرك ماوراء معلومة أن داء السكري يصنف تحت قائمة الأمراض الجينية المعقدة، أي ضمن قائمة على رأسها أمراض: السرطان والربو والسمنة. فتصنيف المرض المنتشر في عينة كبيرة من السكان تحت مسمّى «الجينية المعقدة» لا يعني سوى أن الإصابة به جاءت نتيجة تظافر جهود إشراك العوامل البيئية المحيطة ( أنماط الغذاء غير الصحي وأسلوب الحياة النفسية المضطربة اليومية و التلوث البيئي وغيرها) مع الاستعداد الوراثي (وجود الجينات المسببة للمرض) ليكون سبباً في ظهور المرض، بمعنى أن العائلات التي يصاب أسلافها بالمرض قد يكون من الناجع أن تتجنب سلالتها الحديثة المرض إن وعت بأسباب البيئة المحفزة للمرض ومنعتها حتى لا يتم تنشيط الجينات المسببة للمرض (المشفر مسبقاً داخل الجسم) ك «استعداد وراثي».
وقد لانكون نحن ولا السلالة العائلية القادمون منها مصابين بأي مرض ولكن بسبب مايحيط بنا من ظروف بيئية جديدة سيئة: كالتلوث ونمط الغذاء وأسلوب الحياة اليومية، كل ذلك من شأنه أن يحدث تغييراً مشوهاً «طفرة جينية ممرضة» في مادة الجينوم DNA «شفرة الجسد» داخل الخلية، وهو التغيير المشوّه الذي نشأ تقريباً في الجيل الجديد من مرضى السكري من سعوديين مابعد الطفرة «جيل آبائنا» بسبب التغير المفاجئ بنمط المعيشة كمسؤول أول من العوامل البيئية، ماقد يفسر ظاهرة الصدارة في العالم. إلا أن استعصاء داء السكري على محاولات العلماء في اجتثاثه حتى اللحظة هي ما كشفته الدراسات الحديثة والكشوف النوعية التي تخلقت منذ ظهر للعالم فتح مشروع الجينوم البشري منذ إنشائه في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1988، وماتلاه عام 1990 من إنشاء مشروع الجينوم لحل شفرة الجينوم البشري باشتراك وزارة الطاقة الأمريكية مع المعاهد الوطنية للصحة NIH. من خلاله تم التعرف على الجينات الموجودة على شريط الDNA أو الجينوم، وتم تحديد عدد أساسات الجينوم «القواعد النيتروجينية» والمقدرة بنحو 3.3 مليار زوج، بالإضافة إلى التمكن من تخزين هذه المعلومات على قواعد بيانات ضخمة ساعدت العلماء في الحقول العلمية على تطوير الأدوية بناء على الفهم الحديث للتفاعلات الجزيئية الحيوية.
ومنذ ذلك الحين والتوجه الجيني لفهم سلوكيات داء السكري يسير نحو التقدم في الكشوفات الحديثة، فقد تم تحديد أسباب السكري: أسباب جينية (بنسبة 50%- إلى 90%) و أخرى مرتبطة بالبيئة، وماقادته الدراسات المتتالية من التمييز بين نمطين للسكري: السكري المرتبط بجين ( مثل جين MODY) أو المرتبط بكم من الجينات (المعقدة)، و منذ انطلاق أول دراسة عام 2005 اعتمدت منهج Genome Wide Association Studies (GWAS) يستند إلى مقارنة عينة كبيرة مصابة من السكان بأخرى مماثلة من الأصحاء وفقاً لمقاييس علمية محددة، بدلاً عن دراسة كل مريض على حدة أو كل عائلة، قد قادت إلى مزيد عن كشف كم هائل من المتغيرات المرتبطة بسمة مظهرية أو مرض لذات العينة من ذات السكان.
لعل أبرز مشكلة تواجه العلماء في إيجاد اللغز حول مرض السكري حالياً هي مشكلة عدم إيجاد المتهم البيولوجي الأساسي في ظل اختلاف المعطيات بين الأمم، أي أن المتغيرات الجينية المشتركة في عينة من المصابين بمرض جيني معقد كالسكري في الشعب الأوروبي مثلاً تكون سليمة عند فحصها في عينة من المصابين بذات المرض الجيني المعقد في الشعب السعودي مثلاً، بل إنه العكس قد يشترك عينة المرضى السعوديين في متغيرة جينية تكون ذاتها سليمة عند العينة الأوروبية، مع أن السمات المظهرية للمرض في كلا الشعبين المختلفين هي ذاتها، ومن ثم فإن آلية الاستجابة الدوائية وصناعة الأدوية في الأمم المتقدمة تعتمد دائماًعلى شعوبها في وقت لانزال نستورد فيه الأدوية التي لم تصمم خصيصاً لنا مما قد يجعل المريض غير مستجيب للدواء أو قد يعاني من تأثيراته الجانبية، ومن ثم فإن تصميم أدوية مستقبلاً قد تستهدف المتغيرات الجينية عند شعب معين للتخلص من المرض قد لاتتواءم مع شعب آخر بذات المرض وبمتغيرات مختلفة.من هذه الأهمية العلمية، لعل خبرات كلية إمبريال كوليج في لندن في دراسة داء السكري جعل منها جاذباً مهماً للمهتمين بالصحة في أبوظبي، فقد أنشات أبو ظبي عام 2004 مركز إمبريال كوليج لندن مقره أبو ظبي من خلال شركة «مبادلة»،تم استقبال المراجعين فيه منذ عام 2006 وهو مركز رفيع المستوى، على مستوى المنطقة تقريباً، يهتم بعلاج وأبحاث السكري إلى جانب القيام بنشاطاته الخاصة بتدريب الممارسين والمساهمة في برامج الصحة العامة ويوفر أعلى المستويات من الرعاية الصحية المتخصصة.
http://www.icldc.ae/arabic/index.html
يتكون العمل في المركز من أربع ركائز مترابطة: العلاج والبحث العلمي والتدريب والتثقيف الصحي العام.
بشكل خاص، فإن البحوث العلمية الراهنة حول هذا الداء تحتاج إلى فك اللغز المختبئ وراء الجينات المسببة أو البحث عن الجين المسؤول عن تسيير شبكة عظيمة من الجينات المتفاعلة فيما بينها ما يؤدي لظهور المرض بعدما تتغير وظيفة الجين الأساسية، فضلاً عن حاجة مريض السكري السعودي والأقرباء المرتبطين به بالدرجة الأولى إلى تفهم الفكرة البيولوجية الخاصة بالسكري بدلاً عن مجرد ما تمتلئ به البروشورات التثقيفية المملة بنصائحها القديمة المتلخصة في اقتراحات نمط التغذية وممارسة الرياضة لأنها لاتعني لمريض كسول أو جاهل شيئاً جديراً بالاهتمام. لابد من الإيمان بفهم خطورة و عدم السيطرة على هذا الداء حتى على مستوى الخلية باستئصاله، لابد أن يدرج في فهم المريض غير المتخصص علمياً مستوى الخطورة باللغة البحثية العلمية المتجددة، فلا يزال يعتقد بعض المرضى أن الإنسولين هو علاج السكري وأنه من المسموح التهام كميات من السكريات كالتمر والحلويات بضرب أو مضاعفة جرعة إضافية من الإنسولين (أي أن المريض السعودي أحياناً هو دكتور نفسه!)، دون الإدراك أن هناك فرقاً شاسعاً بين دواء وعلاج، فالأولى تخفف من المسبب ولا تقضي على المرض، أما الثانية فتعني القضاء على المرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.