بدأت الإثنين في المسرح القومي في دمشق عروض مسرحية “جوليا” للمخرج السوري مانويل جيجي، عن نص الكاتب السويدي الشهير أوغست سترندبيرغ (1849-1912). النص الذي كتب العام 1888 يعتبر نموذجا لمسرح سترندبرغ الذي ينحو إلى اعتبار البيئة العامل الحاسم في تشكيل وعي الإنسان وسلوكه، والتي تكاد تكون قدر الإنسان المعاصر. كما أن المسرحية تعتبر نموذجا للمذهب الطبيعي في المسرح. لكن الأهم من كل ذلك أن المسرحية الشهيرة تعتبر أيضاً أنموذجاً لاقتفاء أثر الحياة التي يعيشها الكاتب في نصوصه، إذ تكشف مسرحية “الآنسة جوليا” عن التخبط الذي عاشه سترندبرغ، لجهة فشل ذريع في علاقاته النسائية، وكذلك افتقاده للألفة العائلية. تحكي المسرحية عن شخصيتين، جوليا ابنة رجل غني، تقع في غرام خادمها جان، الذي يشكل حلما بالنسبة إليها. هي التي تكره الطبقة التي تنتمي إليها، لأنها كبرت وهي تشهد تفسخها وانحطاطها، بدءا من انحطاط الأب “النبيل” الذي يعتاش من أموال عشيق الزوجة، أمها، التي أجبرت بدورها على الزواج منه. شابان، جوليا وجان، يشكلان كل منهما حلم الآخر، الخادم الذي يحلم بمن يرفعه إلى فوق، ينتشله من حياة ليس فيها سوى القفر كما يقول، وهي التي تحلم بالسقوط إلى أسفل، للتخلص من طبقتها، وأملا بذاك الخادم الممتلئ حيوية وشباباً، بل والذي يثيرها كذلك بسبب تعلمه للغات، وأناقته “الأرستقراطية” رغم منبته “الوضيع”. أحداث المسرحية تمر في ليلة واحدة، حيث يقع العشيقان، في المحظور الأكبر، الجنس. يروح العشيقان يفكران بطريقة للخلاص. يفكران بالسفر إلى عالم بعيد، هي هروباً من طبقتها، ومداراة للفضيحة الجديدة، وهو تحقيقاً لحلمه في الثراء، يريد أن يبني فندقاً كبيراً في بلاد أخرى، لذلك عليها أن تكون جسرا لذلك، وهي من سيحصل على المال اللازم. جوليا ستسرق خزينة الأب، وتجهز نفسها للرحيل مع عشيقها الخادم، لكن هذا بمجرد أن يسمع رنين جرس السيد سيتلعثم، ولا يعود قادرا على فعل شيء، سيدفعها إلى التفكير بالانتحار، كنوع من الحل، وسينكب هو على حذاء السيد. سينتهي كل شيء كما لو أنه منام ليلة مضت. لكن لماذا اختار مانويل جيجي هذا النص لتقديمه في هذه الظروف التي تعيشها البلاد؟ يقول جيجي لوكالة فرانس برس “عروضي فيها دائما نفس إنساني، لا تعنى بالظرف الاجتماعي، ولا بالزمان والمكان”. ويضيف “أفكر بصراع الإنسان مع المحيط، وبالصراع الطبقي، والاجتماعي الذي هو دائما موجود، فوحشية الإنسان موجودة منذ قتل الأخ أخاه”. وأوضح جيجي “ما يجري اليوم هو جزء من الكل، وقد يأتي زمنه”. وقال ناقد مسرحي فضل عدم ذكر اسمه “إن العمل بهذه الطريقة هو مفارقة ساخرة، بين ما يعرض على الخشبة وما يجري في حياتنا”. ويتساءل الناقد “هل هكذا عرض هو نوع من التخدير والقول إن نشاطنا الثقافي مستمر؟” كذلك أشار الناقد إلى “إشكالية تعاني منها معظم العروض التي تستخدم اللهجة العامية للنصوص المترجمة، فصحيح أنها تحاول تقريب العمل للمشاهد المحلي، ولكن هذه اللهجة المعاصرة لن تنسجم بالتأكيد مع موضوع وشخصيات قد تنتمي إلى ما قبل مئة عام”. أ ف ب | دمشق