بكلمة أخرى: العرب بين التغريب والتأبيد! ثمة أقوال وسفسطات متضاربة وجدل بيزنطي أزلي بين فريقين: أحدهما يزعم بأن العرب بعيدون عن الحداثة ويدلل بأنهم مغيبون عن الوعي والإدراك المفضي للحاق بركبها بوصفهم لن ينفكوا من التبجيل للماضي التليد والتشبث بتلابيب منجزات وأمجاد تاريخية غابرة. الفريق الند يزعم : لابد أن يفهم العرب أن من أهم أبجديات الحداثة استلهام انتصارات وبطولات العرب وتفوقهم في المجالات العلمية والمعرفية. نقول كلا الفريقين بعيد عن الواقع والموضوعية. فالأول يبشر بالارتماء في أحضان الثقافة الغربية على عواهنها ونسي أو تناسى أن منظومة الحداثة الغربية تعاني إرهاصات خلل أخلاقي. الفريق الآخر يعول على إرث سحيق، وبكلماتٍ أوضح التغريبيون يحلمون بحضارة وثقافة الغرب المتقهقرة أصلا، والتأصيليون متكئون على ماضي حضارة اندثرت بسبب شطط هؤلاء و أولئك. المفارقة المؤلمة أن المتن الأساسي موجود ويحتاج إلى تنشيط وهو القيم الأسلامية، فلو أمعنا النظر في العوامل التي رجحت تفوق وارتقاء العرب وقت ذاك (تمسكهم بقيمهم وأخلاقيات دينهم) استطرادا يمكننا القول: إن الحضارة الغربية شابها ما شابها من تضعضع لسبب تغييب القيم الأخلاقية، إذن فليتفق الفريقان على الارتكاز والتعويل على قيمنا وأخلاقياتنا، فهنا موئل الإلهام ومآل الحضارة الراسخة (المستدامة)، وهذا الدور يجب أن يضطلع بهِ المثقفون العرب، فهو من أولويات مهامهم التي تتجلى أول ما تتجلى بتقويم المفاهيم المغلوطة كالنعرات والعصبيات، فلا الانبهار الواهي والانسياق العدمي للحضارات الأخرى يجدي ولا الغلو والاستعلاء بالتراث (المنزوع من مقوماته) يغني، بل بالمزاوجة ما بين ثقافتنا الإسلامية الأصيلة المثخنة بدعائمها وما يستجد من علوم ومعارف.