تبوأ فن كتابة الرسائل مكانة مرموقة كأحد الأجناس الأدبية، وقد تفرد أحد أنواعه في القيمة والهدف والشعور والأثر ألا وهو: رسائل الآباء للأبناء؛ ففيها توثيق لانصهار تجربة وتثبيت خبرة حيث لا أصدق من والد في معركة الحياة جمع خيله ورجله من الحب لمحاربة الفشل من أجل ولده وليس أشد منه رغبة في أن ينال ابنه الخير أكثر منه. إن الولد على ما كان عليه أبوه من ثوابت وأخلاق وإن اختلف عن طريقته وميوله وأهدافه كما قال الشاعر أما تدري أبانا كل فرع يجاري بالخطى من أدبوه وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه وبالرغب من تقادم العصور التي كتبت فيها الرسائل للأبناء إلا أنها حافظت على ذاك الشعور الباهظ الثمن الذي يكاد لا يسكن سوى قلوب الوالدين فلا أجمل ولا أكمل من عصارة تجارب أب مذابة وسقايتها لفلذات أكباده في شكل رسالة متواترة من أيسرها إلى أصعبها تباعا بما يتناسب مع قدرات الابن الفكرية ومرحلته العمرية واحتياجاته الإنسانية. أحبتي: عودوا لأرشيفكم، تذكروا رسائل أحبتكم ألم يكن لها بالغ الأثر في نفوسكم؟! من أجل ذاك لا تبخلوا بكتابة رسائل لأبنائكم فهم مشروعكم الحضاري الذي يمتد منكم ويسركم نجاحه ونماؤه وهذا ليس ترفا بل ضرورة فمثلما يحتاجون للعناية الصحية والمجتمعية هم بحاجة خطاب تربوي فكري موجه في شكل رسالة أو قصيدة مستديمة النفع كما دون لنا التاريخ و الكتب أجملها و أشهرها بعرض مبسط ساهم في إبراز سمو هدف الآباء في إقناع أبنائهم بأجل المعاني والمفاهيم مثل: يا بني أنا ماض وأنت حاضر وابنك مستقبل فلا تعترف بأبوتي ولا ببنوة ابنك وعش لنفسك فقط. يا بني لا تدع الخلب يسلب منك بسمة الجدول الرقراق. يا بني إذا أحببت فلا تفرط وإذا كرهت فلا تفرط. يا بني كن معقلا للحلم واصفح عن الأذى فإنك راء ما حييت وسامع وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت نازع يا بني إياك و كثرة المزاح ومصاحبة الأشرار فإنها لعمر أبيكم عار. اعتبر الناس بألفاظهم واصحب أخا يرغب في صحبتك. أما وصايا لقمان الحكيم فتسيدت مقومات الخلق الإنساني المسلم والرفعة والاستقامة. «يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم». «يا بني أقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك». «ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور». «واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير». رسائل الآباء والأمهات للأبناء عرفت «بأدب البنوة» لا تخلو من حشد العاطفة لهم وهي إرث تليد لا يفنى مهما تطورت أساليب التربية والتهذيب تبقى معتمدة على فكر الوالد وتوجهه وهي توثق العلاقة بينهم وتقوي روابطهم ببعضهم، فإن قال قائل دعهم يتعلمون الصواب بالوقوع في الخطأ فإننا نقول: إن نصح الأبناء وكتابة الوصايا تمكنهم من أعلى مراتب الأخلاق والفضيلة وتقيهم مغبة ومرارة التجارب.