ربما تكون القلوب كأعضاء لها شكل واحد، هكذا يعرف الأطباء، فلكل قلب أذينان وبطينان أحيانا يخرج من القلب الشريان الأورطي، وتدخل إليه الأوردة الرئوية، وهو أحمر اللون مغطى بغشاء قوي لكي يحميه من الصدمات ويحفظه داخل تجويف لكي ينبض بكل يسر وسهولة... لكني هنا لا أتحدث عن القلب كعضو يضخ الدم المملوء بالأوكسجين للخلايا لكي تظل على قيد الحياة، بل أتحدث عنه كبوتقة للمشاعر تنبض مع كل انقباضة بالمعاني السامية التي تبث الروح والطمأنينة للعقل والجلد والأعصاب وكافة الأنسجة في الجسم، لتبقى مرتاحة متصلة بالملكوت الأعلى الذي لا يمكن أن تستغني عنه، وكذلك أنزلنا إليك روحا من أمرنا... هذا القلب، هل تريد أن تنظر إليه في المرآة، وتعرف خباياه؟ ليس الأمر عسيرا كما تظن، فلست بحاجة إلى عملية جراحية يفتح فيها صدرك، ولكن الأمر بكل بساطة هو أن تنظر إلى دفتر شيكاتك وبطاقة صرافك، ودعني أخبرك ماذا أعني... راجع حسابك وتأمل أين تصرف أغلب مالك، هل تصرفه في علم تنشره، أو أسرة تعولها، أو بسمة ترسمها على شفاه فقير محتاج؟ أم إن أكثره يصرف في متعتك ورفاهيتك وسفرك وشراء كمالياتك؟ كلنا سمع عن قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تصدقت زوجته عائشة بكامل شاة كانت عندهم وأبقت كتفها، فعندما سألها حين عاد قالت له ذهبت كلها وبقيت كتفها، فقال: بل بقيت كلها إلا كتفها. بهذا المعنى الراقي يخبرنا النبي الكريم أن الذي يبقى لنا هو ما نقدمه لوجه الله لنلقاه عنده، لا ما نصرفه على ذواتنا ومتعتنا لأنه يذهب... والقلب كان من قديم الزمن العضو الوحيد الذي ينبض طوال الحياة، لا يتوقف في نوم ولا يقظة، ولا سفر ولا حضر، ولا في بنج كامل أو موضعي، ينبض باستمرار، ستون حركة في الدقيقة، كل حركة تخرج سبعين مليلترا من الدم، فإذا أردنا لهذا القلب أن يستمر في الانقباض بعد أن نموت فليس هناك سوى طريق واحد، أن نقدم من المال علما ينتفع به أو نربي طفلا يدعو لنا، أو صدقة جارية... مالُك هو المرآة الحقيقية لقلبك، فانظر اليوم إلى تلك المرآة، دون أن يراك أحد، أنت تعرف ما الذي أخذته من الحساب ثم صرفته في مكان ما أو على فعل معين، وحتى الصدقة التي أخفيتها حتى لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك، ومن ثم فأنت الوحيد القادر على تقييم المنظر، إن كان غائصا في أعماق الدنيا، أو كان مقبلا على أوزان الآخرة... مرآة القلب أنت من يراها فقط، لا يراها الآخرون، تماما كما هو الحال لقلبك الحقيقي الذي يسكن في داخل الصدر ويغطيه القفص الصدري والجلد والملابس، ومن هنا فأنت وحدك الحكم فيما تراه، فابذل لنفسك ما يجعل صورته أجمل ما تكون، لأن الذي يعلم ما في الصدور يعلمه، وسوف يُكشف الحجاب لكل الناس في يوم من الأيام...