بعد عشرة أشهر من الثورة السورية وسقوط سبعة آلاف ضحية بينهم مئات الأطفال والنساء، وعشرات الآلاف من المعتقلين والفارين والنازحين والمروعين، مازال الفيتو الروسي يراوح محلله للحفاظ على نظام انتهت صلاحيته، مثل المعلبات الفاسدة، أو الدم الفاسد الذي انتهت تاريخ صلاحيته؛ فهو دم ولكن إعطاؤه للشعب السوري النازف يعني قتله على يد طبيب جاهل، وهو مايفعله الطبيب الروسي الذي ليس جاهلا بل قاتلا محترفا عن سبق إصرار وتصميم. ولكن السؤال لماذا يرتكب مثل هذه الحماقة وهو يرى منظر تهاوي النظام السوري الأخلاقي والميداني؟ أم أننا واهمون؟ أم أن هناك حسابات مختلفة وخلفية نفسية تحول بينه وبين رؤية الواقع فيقصر عن اتخاذ القرار السليم؟ بعد أن سهرت وجفت عيناي وأنا متسمر على الشاشة أتابع رحلة خلاص الشعب السوري في جلسة مجلس الأمن في 1 فبراير 2012م على أيدي شركاء متشاكسين بين روسي وأمريكي، وفرنساوي وصيني، وبرتغالي وهندي، وعربي وعربي. هنا أدركت عمق المسألة في نزاع العرب الداخلي قبل الموقف الروسي. فقد عجزت الجامعة عن ردع الوحش البعثي عن شرب الدم السوري فلم تر بُدّا من الاستعانة بالخارج بعد أن عجز العرب عن تقرير المصير. لقد تحدث المندوب السوري فكان منافقا عليم اللسان يلبس الحق بالباطل ويكتم الحق وهو يعلم، وحاول العربي بنبالة أن يقول جملة عسى أن تصل إلى ضمير العالم لاتخذلوا الشعب السوري.لماذا يقف الروس هذا الموقف وبإصرار على مساندة النظام الأسدي في وقت انتهى فيه عصر السنوريات وانقرضت فصيلتهم مثل الديناصورات؟ روسيا هي من تقتل السوريين. ربما لم يستوعبوا بعد أن الربيع العربي أزهر. أو لعلهم يقفون مثل أي قوة رجعية ضد حركة التاريخ لإخماد الثورة، فكل ثورة لها ثورة مضادة، والروس الآن هم وقود الثورة المضادة. ربما خوفا من انتقال فيروس الثورة السورية إلى الكرملين أو قلب التنين الصيني فقد جدد الشعب السوري أسطورة المعجزة فقتل داوود جالوت بحجر ومرقاع وهو المدرع الجبار بسيف هائل فهوى تحت ثقل جسمه. هذه هي أهمية الأساطير أنها تكسر المسلمات وتظهر المفاجآت وتحول الأحداث إلى أناشيد وقصص ترويها الجدات للأحفاد. في قناعتي العميقة أن الروس ينطلقون من موقف نفسي هو مزيج مختلف من المشاعر بين كراهية الإسلام وأهله، وصولا إلى الخوف من تجدد كفاح الشيشان ضدهم، وعشقهم اللامنتهي للامتداد الإمبراطوري إلى المياه الدافئة، وتحولهم إلى مافيا تبيع السلاح، يضاف له غباء للفقه التاريخي وسنن التحول، ومقت لما يجري في أرض العروبة والشرق الأوسط المتخم بالبترول. من هذا المزيج التفجيري لعناصر الكراهية والخوف والجشع والغباء يصل الروس إلى حافة الكسوف الكامل لفهم المستقبل في أرض العرب. «ولتعلمن نبأه بعد حين».