الظروف القاسية تفعل فعلتها في النفس البشرية، وتتكون مجموعة من الأخاديد التي تحتاج للردم.. الفرق بين الناجحين والبائسين هو أن الناجحين تساموا على آلامهم، وبقيت محاولاتهم مستمرة لمعالجة الجراح التي خلَّفتها تجاربهم السابقة!. إن أولئك الذين يختلقون لأنفسهم الأعذار وتضخيم الظروف القاسية التي عاشوها لابد أن يدركوا حقيقة حياتية واقعية، وهي: أن سنن الحياة لن تتبدل بسبب تبرُّمهم.. أشياء كثيرة في المحسوسات نتفطَّن لها ونستطيع تغييرها وتبديلها، لكن في دواخلنا أفكار ومشاعر نعجز أحياناً في تغييرها، بسبب ضعفنا أو عجزنا في ذلك. برغم أن ما يستقر في دواخلنا هو ما يصنع خطواتنا وآثارها.. الطفولة ومرحلتها تعد الأساس في تشكل نفسياتنا، وذلك وارد في حديث الفطرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة…»، لذلك كانت مهمة الرسل والأنبياء عظيمة في تغيير ما عُقدت عليه النفوس.. هنا أقف أمام نقطتين: كيف تتعامل نظمنا التعليمية مع الطفل وما تأثير نسيجنا الاجتماعي الذي نعيشه عليه؟! ثم.. الذين تجاوزوا هذه المرحلة وقد عاشوا فيها ظلماً وقهراً وتهميشاً، كيف لهم أن يردموا حفرهم والأخاديد التي استقرت في نفوسهم؟!. سؤالان كثيراً ما أحاول أن أتأمل فيهما، وكثيراً ما تثيرهما مشاهد الحياة!. إن النفوس التي حَمَلت عُقَد التشاؤم والسوداوية تعد حجر عثرة أمام صلاحها وإصلاحها، وتظل عديمة التأثير في مجتمعها.. وإننا عندما نحاول جاهدين أن نحارب الفقر كظاهرة تحول الفرد إلى معول هدم وسلاح للجريمة يجب أن نهتم بالجانب النفسي الذي تشكَّل ليحوِّل هذا الإنسان ويوصله إلى هذه المنطقة.. وإن الأسر التي تريد أن تعيد ترتيب أوراقها وتحاول استرجاع «السعادة» التي فرَّت منها يجب أن تولي الجانب النفسي اهتماماً بالغاً. إن المكابرة عن حل مثل هذه الإشكاليات أو التظاهر بالقوة الجوفاء، أو استعابة أن نناقشها يبقينا ضعيفي التأثير..! لماذا نتوارى ونحن نتحدث عن علم النفس؟!.. لماذا نخجل ونحن نتكلم عن الاكتئاب والقلق والوسواس؟! لماذا يدفن كثير منا تجاربهم القاسية ويغذُّونها بمشاعر سلبية تنبت لهم التشاؤم والسوداوية وبعضها يولِّد الانتقام؟!. في الحياة حلول لأزماتنا، وفيها فرص، ولكن لن نستطيع أن نتعامل معها بنفسيات مأزومة.. مهما سردت من حلول لمشكلة زوجية أو أسرية إن لم تتهيأ النفوس فيها لتقبل الحل والتفاؤل بأن هناك حلاً، فلن تحل هذه المشكلة.. محروم ذلك الذي يعيش عمراً واحداً.. لا يجد فيه للابتسامة طعماً.