تدشين المرحلة الجديدة من مشروع النقل العام بالحافلات بمحافظة جدة    عبر مبادرة "لأثر أخضر يدوم" البيئية الرقمية النوعية.. البنك العربي الوطني anb يغرس 10 آلاف شجرة ذكية دعماً لمبادرة السعودية الخضراء    وزارة الخارجية: المملكة ترحب بالبيان الصادر من سلطنة عُمان بشأن التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن بهدف حماية الملاحة والتجارة الدولية    تعرف على تشكيل النصر المتوقع لمواجهة الاتحاد    نائب وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نائب وزير الخارجية الأمريكي    ضبط مقيم "إندونيسي" نشر إعلانات حج وهمية    100 ألف ريال غرامة نقل الزوار لمكة دون تصريح    إبداعات السينما السعودية ترسو في المكسيك    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    الحوثيون استسلموا    أميركا ضحية حروبها التجارية    الاقتصاد السعودي وتعزيز الثبات    "العميد" يجحفل النصر بهدف عوار    ليس حُلْمَاً.. بل واقعٌ يتحقَّق    الريادة الخضراء    ألم الفقد    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    بين السلاح والضمير السعودي    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    مذكرة تفاهم لتفعيل قطاع التأمين الثقافي    "التراث" تشارك في "أسبوع الحرف بلندن 2025"    الرُّؤى والمتشهُّون    انخفاض معدل المواليد في اليابان    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    نجاح فصل التوءم المصري.. والتوءم الصومالي يصل الرياض    نائب أمير الرياض يطّلع على أنشطة «بصمة تفاؤل»    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    همسة إلى لجنة الاستقطاب    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    أسبوع القلعة مطرز بالذهب    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة في روسيا    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر ابريل 2025    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    الخريف يجتمع بقادة شركة إيرباص    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«وادي إبراهيم» لصلاح القرشي.. إيقاع روائي لاهث يغرق في «الزمكانية» الفضفاضة

في التحام الزمان والمكان يتخلق فضاء السرد، وتتشكل آنية الحكاية، ووفق سلاسة السرد تتخذ الحكاية شكل آنيتها، والتفاصيل تتماهى بمزيج الوقت والمكان، وحين يخفق السرد ولو قليلا في مواءمة التفاصيل وإطار الزمكانية المحايثة تظهر نتوءات الحكاية، وتتخثر في السرد بعض سلاسته.
ورواية «وادي إبراهيم» لصلاح القرشي، الصادرة عام 2012م عن دار أثر، تتخذ من الفضاء المكي خارطة للمكان، بينما يتأطر زمن السرد في الحقبة العثمانية، عهد السلطان عبدالحميد، وبين إحداثيات المكان والزمان هذه، اختار الروائي أن يبتكر حكايته، ويوزع شخوص وأحداث روايته. وتبرز تجليات المكان في الرواية منذ أولى عتباتها؛ إذ العنوان «وادي إبراهيم» يحيل على مكة، مستدعيا معه كل الإرث الديني والتاريخي للمكان، الذي عمد السارد إلى مزيد من تكريس حضوره في عتبات تالية خارج إطار الحكاية حين أورد في مفتتح الرواية آية من سورة إبراهيم، ونقلاً من مزامير داود، ونصاً من سيرة ابن هشام، يلتقي موضوعها جميعا في تجذير الفضاء المكاني عبر التاريخ، والتأكيد على عمقه الروحي، مثلما أن عتبة أخرى في آخر الرواية تضمنت إشارات من تاريخ مكة، وحوادث بارزة في عمر البيت الحرام.
وإذ تنحاز عتبات النص إلى المكان فتسترفد لأجله قداسة النص الديني «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم»، ووثائقية التاريخ «قال ابن هشام: أخبرني أبو عبيدة أن بكة اسم لبطن مكة؛ لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون» سيرة ابن هشام، ففي ذلك إشهار مبدئي ناصع الدلالة للهوية التي يؤسس فوقها السرد بنيته، فهي إذ تستدعي أمس المكان تحاول أن تستشرف غده مروراً فوق وعورة التفاصيل، خلوصا إلى أن كل ما لا ينسجم مع روحانية ذلك التاريخ هو طارئ على الهوية التي تأرز أبداً إلى نقائها الأول المنساب من ميزاب الكعبة، الناهض فوق قواعد إبراهيم. وسوى العتبات، ظلت مظاهر الفضاء المكاني في الرواية تتبدى في ثنايا السرد، انطلاقا من المسجد الحرام ومركزيته في أفق المكان، وما يتفرع عنه من إشارات، وأسماء تحيل بدورها على زمن الرواية، والفترة من التاريخ التي اختارها السارد إطاراً لروايته.
وحين ننحي عاملي الزمان والمكان يتبقى لنا من الرواية ما يشبه استعارة مطولة، تؤشر إلى قيمة متداولة حد الاستهلاك في السرد الروائي، تتعلق بما درج عليه كتّاب الرواية من إعادة إنتاج جدليات العلاقة بين السلطة المركزية والمنضوين تحتها عبر البنى السردية، وهي جدليات كثيرا ما تتضمن قيم الظلم والاستبداد، وغياب العدالة، وبالتالي فالفكرة في إطارها العام ممكنة الحدوث وقابلة للتناول الروائي خارج الإطار الزماني والمكاني الذي اختاره السارد في رواية «وادي إبراهيم» لروايته؛ إذ لا تفصح حبكة الرواية عن أكثر من تداعيات علاقة مأزومة بين حاكم ومحكوم، وتشظيات نزعات المحكومين تجاه تلك العلاقة حين تتخذ طابع الصراع، وهو ما أراد السارد تكريسه عبر بطل روايته الفتى الذي كابد الظلم والاستبداد غير المبرر، وحاول السارد من خلاله تقديم أنموذج الضحية التي تجد ذاتها في أتون الجلاد للوهلة الأولى بغير سبب، قبل أن يتحول العمر كله إلى استلاب دائم ومعركة غير متكافئة.
ورغم بساطة الفكرة، إلا أن السرد لم يخلُ من انحرافات فنية غير مبررة، أو أن إيقاع الرواية اللاهث لم يسعف السارد أن يقدم لها مهاداً منطقياً منسجماً مع تدفق الأحداث، فالخروج الفجائي للفتى عن صمته بعد سجنه الأول لا يرفده في الرواية مبرر فني، مثلما أنه لا يدخل -وفق البنية اللغوية للرواية- ضمن دائرة الغموض الفني الباعث للأسئلة، الذي من شأنه أن يوسع مدى الحكاية لدى قارئها.. «فاجأهم ذات مساء بانفجار بركان صراخه الهادر، كأنما الجني الذي يقبض على رقبته طوال تلك المدة تخلى عنه وأطلق سراحه، أو أن السحر الأسود الذي تدعي أمه أنه وضع له بطل ولم يعد له تأثير، كأنما تذكر الفتى فجأة الحروف والكلمات، فأخذ يصرخ بغضب وبحنق: سيهدمون بيتنا، سيهدمونه، وسيقيمون قصرا للمجنون علي بو…». كذلك فإن العلاقة بين الحاكم والمجذوب «علي بو» ظلت مواربة البواعث والأسباب، دون أن تبلغ بها المواربة لهفة الاحتمالات التي تتخلق في أفق التلقي، حين تعمد براعة السرد إلى خلق فجوات في لحمة الحكاية تتشكل لاحقا نوافذ حوار بين النص وقارئه.
وفي تشابكات العلائق في النص تنهض السلطة بوصفها مركز الدائرة الذي تبدأ منه وتنتهي إليه خيوط اللعبة السردية عبر أشكال مختلفة من العلاقات، جلية التسلط كما هي العلاقة بين «الخزنوية» والفتى، وغامضة التفاصيل كما هي مع المجذوب «علي بو»، ونفعية في الاتجاهين معاً مثلما تجسد في العلاقة مع الشيخ مقبل أو المسماري.
من هنا يمكن القول إن المكان رغم كل الاحتشاد الروحي والتاريخي قد تخلى عن مركزيته، مقابل نهوض السلطة كمركزية بديلة، تشكلت وفق العلاقة بها مسارات السرد في الرواية، بينما بقي المكان لوحة في الخلفية، لا يرصد لها القارئ أثراً في الشخوص أو الأحداث، وفي الوقت ذاته بدت تفاعلات الأحداث والشخوص تفاصيل ممعنة في الصغر ضمن إطار من الزمكانية الفضفاضة.
والاتكاء على الجانب التاريخي في شرعنة تضاؤل أثر المكان في الرواية -على اعتبار أن العمل ينحو منحى التوثيق- يجيبه أن السرد لا يوثق فحسب، بل لا يكون التوثيق هاجسه الأهم؛ إذ الأبنية السردية حتى في شقها التاريخي لا تتخلى عن شرطها الفني، الذي بموجبه يعاد إنتاج الواقع وفق رؤى إبداعية تحسن المواءمة بين النصوص ومكوناتها، وفي مثل رواية «وادي إبراهيم « فإن إعادة تدوير الحدث ما كانت لتبتعد كثيرا عن جذره التاريخي لو أنها أتاحت للمكان ميدان فاعليةٍ أكثر رحابة، وأجدى حضوراً؛ إذ المفترض أن تكون المركزية كلها للمكان، وهو ما أعلنته الرواية منذ البدء، أو هكذا أوهم عنوانها.
فإن كان المراد تحرير دلالة الرمز عبر تجريده من أفقه المكاني أو الزماني أو على الأقل الحد من فاعليتهما، فإن ذلك يجعل كل إحالات الزمان أو المكان في الرواية ضرباً من الحشو غير المبرر، مثلما أن الحدث هنا لا يملك دهشته الخاصة، أو يحسن سياقه إنتاجها، كونه لا ينفصل عن سياق طويل من السرد الروائي الغارق دوما في رؤى الصراع والمسكون بهواجس البوح، وكان يمكن لإذكاء فعالية المكان، والظرف التاريخي، أن تنجو بالعمل من مأزق التشابه، الذي لا فرق معه أن تكون الرواية «وادي إبراهيم» أو أي وادٍ سواه!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.