قانون أوروبي يعيق المبتكرين    بمشاركة المملكة.. مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي يختتم أعماله في الجزائر    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء كرواتيا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة    تكريم 180 عضوا من الهيئة التعليمية والإدارية بجامعة الأميرة نورة    سمو محافظ الخرج يتسلم التقرير السنوي للربع الأول لعام 2024 لمكتب إلتزام جنوب الرياض الأول    الجلاجل يشارك في اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب بجنيف    انطلاق الاجتماعات التحضيرية لمجلس وزراء الإعلام العرب في البحرين    ارتفاع عدد شهداء مجزرة الخيام في مدينة رفح إلى 45 شهيداً و 249 جريحاً    شوريًّون يطالبون بدعم البحث العلمي ومد خدمة الأستاذ الجامعي إلى ال70    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي المدير العام لصندوق أوبك للتنمية الدولية    الأندية السعودية تتصدر التصنيف القاري    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أمانة الشرقية تنفذ أكثر من 3700 جولة رقابية على المنشآت الغذائية والتجارية    "سعود بن مشعل" مع السفير الهندي    بحضور وزير الطاقة.. انطلاق أعمال ملتقى "إسكو السعودية 2024" في الرياض    الأمير سعود بن نهار يكرم الطلبة الموهوبين بتعليم المحافظة    مستشفى النعيرية العام يحتفي باليوم العالمي للتمريض    الخريف يلتقي رئيس جمعية تاروت    ندوة لتأمين الأحداث الرياضية    الهيئة العامة للطرق تُعلن عن 3 مراحل لتطبيق كود الطرق السعودي    تعليم الطائف يدعو للتسجيل في خدمة النقل المدرسي للعام    صدور الموافقة الملكية الكريمة.. ماهر المعيقلي خطيباً ليوم عرفة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد قوة أمن المنشآت في المنطقة    إدانة عربية ودولية واسعة لمجزرة الخيام برفح    جوازات ميناء جدة الإسلامي تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من السودان    عشرة آلاف زائر للمعرض الوطني القصيم    السند: الرئاسة العامة وظفت التوعية الرقمية والوسائل التوعوية الذكية بمختلف اللغات    طريق وحيد للرياض وأبها للبقاء في "روشن"    أنشيلوتي: نستمتع بالأيام التي تسبق نهائي دوري أبطال أوروبا    المملكة تدين وتستنكر استهداف خيام النازحين الفلسطينيين في رفح    «الأرصاد»: السبت القادم أول أيام الصيف على مناطق المملكة    صالات خاصة لحجاج "طريق مكة" بمطاري جدة والمدينة    تواصل تسهيل دخول ضيوف الرحمن إلى المملكة    استمرار هطول أمطار على جازان وعسير والباحة    مشاريع تنموية ب14.7 مليار ريال في مكة    أكتوبر الأكثر إصدارا للتراخيص الاستثمارية    كلاسيكو التحدي بين «الأصفرين».. والبطل على أعتاب «التاريخية»    المجفل سفيراً لخادم الحرمين لدى سورية    آل الشيخ يعزز التعاون مع البرلمانات العربية    5 من أمراض المخ ترتبط بتغير المناخ    وزارة الإعلام تحتفي بطلاب وطالبات أكاديمية طويق ومدارس مسك الفائزين في معرض آيتكس 2024    فريق طبي بمستشفى عسير يُنقذ حياة أربعيني تعرّض لطلق ناري في الرقبة    الزهراني يحتفل بزواج إبنيه محمد و معاذ    وجهة الابتكار    رمز للابتكار وثراء التراث الثقافي السعودي.. "المكعب".. أيقونة عالمية في قلب الرياض    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    ضريح في جزيرة يابانية لتكريم القطط    وصول أولى رحلات مبادرة طريق مكة من المغرب    رابطة اللاعبين تزور نادي العروبة    ولادة ثلاثة وعول في منطقة مشروع قمم السودة    12 ألف حاج تلقوا خدمات صحية في المدينة المنورة    عليهم مراجعة الطبيب المشرف على حالتهم.. «روشتة» لحماية المسنين من المشاكل الصحية في الحج    اكتشاف دبابير تحول الفيروسات إلى أسلحة بيولوجية    بيت الاتحاد يحتاج «ناظر»    أتعمية أم خجل.. يا «متنبي» ؟    أفكار للتدوين في دفتر (اتحاد الإعلام الرياضي)    تعيين أول سفير سعودي لدى سوريا منذ 2012    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التدوين في اللغة
نشر في الشرق يوم 01 - 01 - 2014

إن من أخطر الأمور التي تظهر على السطح عند مناقشة اللغة بشكل عام واللهجات بشكل خاص هو نفحة التعصب والتحيز التي تظهر في كل مرة يتم التطرق لهذا الأمر. يصعب على الكثيرين تقبل فكرة تطور اللغة وتغيرها وانتشارها، فيبقى المرء يُجهد نفسه في البحث عن الأصول. السؤال الذي نسمعه دائما هو ما أصل العربية؟ وكأنها وجدت كاملة بجميع صفاتها ونظامها النحوي والصرفي والصوتي محفوظة في علبة مزخرفة في مكان ما وفي زمن ما. يصعب على الكثيرين تخيل أن اللغة العربية كسائر اللغات نشأت وتطورت وارتحلت من مكان إلى آخر. تبدلت كثيرٌ من صفاتها واكتسبت الكثير بسبب اختلاط متحدثيها وتواصلهم طواعية لمطالب الحياة. إنها اللغة، نحملها وهي تحمل فكرنا ومشاعرنا وتعاملنا في الحياة، هي أداة ووسيلة للتواصل والوصول. تاريخ زحف اللغة من الجنوب والتقائها بلغات الشمال ثم نموها وتطورها في الحجاز عبر الأزمان وعودتها للجنوب يطرح عدة أسئلة تبقى هماً للباحثين لحلها. ويبقى التحليل المنطقي أنها لغة تسير وتعود وتتفرع وتتنوع. إن كانت العربية اكتسبت اسمها من جزيرة العرب فهذا لا يجعلها قاصرة على أهل جزيرة العرب بل هي لغة كل من يتحدثها، مثلها مثل الإنجليزية التي هي لغة الإنجليز بإنجلترا وانتشرت إلى باقي أطراف بريطانيا، ووصلت إلى أمريكا الشمالية وكندا وغيرها. عندما تلاقت اللغة العربية بغيرها من اللغات خارج الجزيرة العربية ظهرت نماذج ثرية هي ما نطلق عليها لهجات حملت كثيراً من هذه وتلك، كلها لهجات مفهومة، فقد أثبتت الدراسات الميدانية أن معظم اللهجات العربية مفهومة للأغلبية. يعد اللغويون المهتمون هذا التنوع بمنزلة غنى وثراء لغوي، وهناك كثيرون ممن يسخِّر طاقاته البشرية والمادية لدراسة هذا التنوع اللغوي وتحليله ورسم نظامه. أعلم أن هناك من يعتقد بأن اللهجات ليس لها نظام لغوي، وأن المتحدثين يستخدمونها بشكل عشوائي، وهذا غير صحيح؛ فاللهجات تسير بنظام نحوي وصرفي وصوتي دقيق ومقنن. يمكن لأي متخصص أن يكتب قواعد أي لهجة ويرسم نظامها النحوي الصرفي والصوتي كما وضع علماء المدرسة البصرية والكوفية قواعدهم اعتماداً على الشواهد البشرية في ذلك الزمان. إن عجلة التدوين تصلح في كل زمان ومكان. كنت أتساءل لماذا لا نجد تفسيراً لاختلاف الكوفيين والبصريين. عندما كنا على مقاعد الدراسة، لم يكن أستاذنا القدير متحمساً للخوض في هذا الأمر، بل على العكس كان يحاول تجنب مناقشة أسباب اختلافهما، وكأنه جرم. الاختلاف كان بسبب الشواهد، فعندما تتغير شواهدك تتغير بياناتك وبالتالي تحليلاتك، إنها حقيقة. لا يمكن رسم قواعد ضيقة وحشر الشواهد بها، فهذا لا يتفق مع نظريات اللغة. القواعد ترسم حسبما نسمعه من الشواهد. بل عمد إخواننا النحويون على نعت ما لم يوافق قواعدهم بالشاذ أو الرديء. ربما كانوا يصنفون شواهدهم الحية بأصلي وغير أصلي، ونعود لغير الأصلي فنراه أصليا في ما يليه من عصر وهكذا. إنه العصر الذهبي الذي يبحث عنه الجميع كما ذكرت في مقالي السابق وذكر د. حمزة المزيني في مقاله ب «الشرق» 2013/12/12 عندما قعّد الإنجليز لغتهم وجمعوا مفرداتها.
من بدأ بتقعيد اللغة العربية؟ هل هو أبو الأسود الدؤلي بتوجيه من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين قسّم له الكلام إلى اسم وفعل وحرف ووجهه لكتابة قواعد العربية، أم هو الخليل بن أحمد أو سيبويه. لا يهم من بدأها، بل المهم هل دونوا كل العربية؟ في تويتر، نتبادل مفردات تستخدم بين اللهجات من خلال عدة حسابات من بينها حساب المجمع العربي الافتراضي الذي يشرف عليه د. عبدالرزاق الصاعدي، ونتعجب كثيراً؛ لأن هناك مفردات كثيرة منتشرة في اللهجات في جنوب الجزيرة وشمالها وشرقها وغربها إلى العراق والشام والجزائر والمغرب، معظمها متشابهة في المعنى والاستخدام ولكن لا نجدها في القواميس العربية. نعم، إنها حقيقة، ليست كل العربية مدونة في القواميس. وهذا ما يحتم علينا السعي لتغيير توجهنا في البحث والنزول للبحث الميداني وجمع الشواهد اللغوية التي ما زال يستخدمها الكثيرون في حياتهم اليومية. نحن ندرك أن كثيراً من علمائنا في أقسام اللغة العربية لا يرى هذا النوع من الدراسات مفيداً جداً للغة العربية؛ فاللهجات بالنسبة لهم هي دون المستوى وهي لغة العامة، وكأن العامة ليسوا من فصيلة البشر. اللغة موروث فكري وثقافي طالما يحمله الإنسان. علم اللهجات (Dialectology)، العلم الذي لم تعترف به بعض أقسام اللغة العربية إلى الآن، كما في كليات الدراسات الإنسانية في جامعات العالم. أعلم أن هناك بعض المقررات التي تقدم معلومات بسيطة عن اللهجات القديمة، وهذا ليس المقصود. بل ما أقصده هو البحث الميداني وسبر أغوار اللهجة الحية وليست الميتة فقط. بدأت الجهود في جمع اللهجات في أوروبا منذ عام 1876 حينما أرسل جورج فنكر إلى 50 ألف مدير مدرسة في أطراف ألمانيا وطلب منهم تعبئة استبيانات عن استخداماتهم المحلية للغة. تطلب ذلك العمل حوالي عشر سنوات حتى عادت إليه مستندات تضم لهجات من أطراف ألمانيا بكمية هائلة إلى الحد الذي لم يمكنه من كتابتها، فجمعها ووضعها في مجلدين ضخمين، مزودة بخرائط رسمها بيده توضح الفروق بين اللهجات في ألمانيا. وضع فنكر ما جمعه في متناول من يليه حتى رأى النور بعد أربعة عقود، فكان أول أطلس للغة الألمانية في عام 1926 ومن بعده كانت انطلاقة دراسات اللهجات الجغرافية في أوروبا فبدأ العمل على لهجات الدنمارك وأسكتلندا وفرنسا، وهنا تطورت طرق الجمع والتحليل، وانتقلت الجهود إلى إيطاليا وسويسرا، إلى أن وصلت إلى أمريكا وكندا؛ حيث جمعت لهجاتها ونشرت في مجلدات ضخمة مزودة بالخرائط بين عامي 1939 و1943. وفي عام 1950 بدأ العمل على لهجات بريطانيا إلى أن نشر آخر عمل في عام 1978.
أما في العالم العربي فليس هناك إلا جهود بسيطة نشكر من قام بها، ولكنها لا تعد إلا جمعاً لبعض الأمثال الشعبية أو المفردات النادرة، وإن كنا الآن نستمتع ونستفيد مما يجمعه الأستاذ سليمان بن ناصر الدرسوني، وتسخيره التقنية خطوة رائدة يشكر عليها. لابد أن نذكر أن تأخر هذا في العالم العربي قد يكون ردة فعل للدعوة التي انطلقت في القرن التاسع عشر التي دعت إلى اتخاذ اللهجات كلغات معيارية واستبعاد الفصحى، الذي أثار كثيرين مما زاد في تمسكهم بالفصحى في الكتابة والاستخدام الرسمي. وأنا مثل كثيرين، أحمد الله الذي وفقهم في مواجهة كل من دعا لتجميد الفصحى الذي ربما كان سيؤدي لقتلها. ولكن هذا لا يعني أن نترك لهجاتنا ونهمشها ونعمد على قتلها بالمقابل. صوت الضاد العربي يحتضر منذ أعوام عديدة بسبب هذا التهميش. ولم يتنبه علماء اللغة لدينا أن اللهجات هي التي تحفظ مكنونات الفصحى هنا وهناك. لقد سئم القارئ العربي من استجرار الخلط بين الضاد والظاء في الكتب والمقالات. ما المانع من أن نولي لها بالاً وندرسها ونستمتع بما تحمله من صفات نادرة تتشابه وتختلف فيما بينها؟ من يخوض في علم اللهجات لابد أن يشعر بعمق وجزالة الفكر الإنساني الذي تحمله هذه اللهجات. بقي أن نقول إن الجامعات العالمية مثل أكسفورد وليدز وإيسكس ولندن وهامبورغ وغيرها في أمريكا وآسيا الوسطى تضم أقساماً علمية تعكف على دراسة اللغة العربية ولهجاتها وتدونها ولكنها -مع الأسف- تدونها بلغاتهم وليس بعربيتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.