قال السفير السعودي في بريطانيا الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز إن بلاده تعتقد أن كثيراً من سياسات الغرب تجاه إيرانوسوريا يهدد الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط. ووصف السفير، في مقال له نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، هذه السياسات بأنها «مقامرة خطرة»، محذراً من أن بلاده «لا يمكن إزاءها أن تبقى صامتة ولا مكتوفة الأيدي». وانتقد السفير اهتمام المجتمع الدولي بتدمير الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام السوري دون أن يرى أن النظام نفسه لا يزال هو أخطر أسلحة الدمار الشامل على الإطلاق. وتحدث السفير عن الدعم الذي يتلقاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد من إيران ووجود قوات إيرانية في سوريا، معتبرا هذا أمراً طبيعياً من إيران التي مولت ودربت ميليشيات في العراق وأفراد حزب الله في لبنان ومسلحين في اليمن والبحرين. وأضاف أنه بدل الوقوف في وجه الحكومتين السورية والإيرانية، فإن بعض شركاء السعودية الغربيين رفضوا اتخاذ التحرك المطلوب بشدة ضدهما. وكتب: «لقد سمح الغرب لأحد النظامين بالنجاة وللآخر بمواصلة برنامجه لتخصيب اليورانيوم مع كل ما لهذا من أخطار مترتبة عليها تتعلق بالتسليح»، وفيما يلي نص المقال: تربطنا صداقة مع شركائنا في الغرب منذ عشرات السنين بعضها منذ قرن تقريباً مثل المملكة المتحدة، وهي تحالفات استراتيجية تفيد كلينا. إننا نقدر هذه العلاقات ولكن في الآونة الأخيرة حدثت ضغوط على هذه العلاقات بسبب الخلافات حول إيرانوسوريا. ونرى أن سياسات الغرب تجاه إيرانوسوريا تشكل خطراً على الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وهي مقامرة خطرة، لا يمكن أن نلتزم الصمت إزاءها، ولن نقف مكتوفي الأيدي. الأزمة في سوريا مستمرة تتصاعد، هناك أكثر من 100 ألف قتيل مدني، والأسوأ ما كشفته تقارير مجموعة أبحاث أكسفورد من أن 11 ألف ضحية تقل أعمارهم عن 17 عاما، وأكثر من 70 % من الضحايا قتلتهم الغارات الجوية والقذائف المدفعية التي تستهدف المناطق المدنية بشكل متعمد. وبينما تزداد الجهود الدولية لإزالة أسلحة الدمار الشامل التي يستخدمها نظام الأسد القاتل، لا يرى الغرب أن نظام الأسد نفسه هو أخطر سلاح للدمار الشامل؟ عندما نسمح للأسد أن يشارك في كل مبادرة دولية لإنهاء النزاع، سيستمر النظام في بذل كل ما يستطيع لإحباط أي حلول جدية. يسمح نظام الأسد بزيادة وجود القوات الايرانية في سوريا، وهي قوات لم تدخل البلاد لحمايتها من احتلال خارجي معادٍ، بل لدعم نظام شرير يلحق الضرر والأذى بالشعب السوري. وهو تصرف معتاد من إيران، التي مولت ودربت الميليشيات في العراق، وإرهابيي حزب الله في لبنان والمتشددين في اليمن والبحرين. وبدلاً من المواجهة الواضحة ضد الحكومتين السورية والإيرانية، رفض بعض شركائنا في الغرب اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهما، ليسمح الغرب لنظام الأسد بالبقاء ولنظام طهران بمواصلة برنامجه لتخصيب اليورانيوم، مع كل ما يترتب على ذلك من مخاطر تسليح نووي. إن الخيارات السياسة الخارجية التي تنتهجها بعض العواصم الغربية تشكل خطراً على استقرار المنطقة، بل والعالم العربي بأسره، وهو ما لا يترك أي خيار أمام المملكة سوى أن تصبح أكثر حزماً في الشؤون الدولية، وأن تزداد تصميماً على الدفاع عن الاستقرار الحقيقي الذي تتعطش له المنطقة. لدى المملكة مسؤوليات كبيرة، كمهد الإسلام وكأحد أكثر القوى السياسية أهمية في العالم العربي، كما توجد لدينا مسؤوليات عالمية اقتصاديا وسياسيا، بحكم كوننا المزود الرئيس للعالم بالطاقة. كما نتحمل مسؤولية إنسانية تلزمنا بوضع حد للمعاناة في سوريا. ومع أو دون دعم شركائنا الغرب سوف نتصدى لهذه المسؤوليات وستكون كل الخيارات متاحة في سعينا لتحقيق السلام الدائم والاستقرار في العالم العربي، كما أظهر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، حفظه الله، مع طرحه لمبادرة السلام العربي عام 2002 لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد اتضح استعدادنا للعمل بشكل مستقل، عندما رفضنا مقعداً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونتساءل ما هي فائدة المشاركة في بازار دولي لتبادل الحديث في حين أن أرواح الناس مهددة، كما أن فرصاً كثيرة للسلام تفشل ويتم إحباطها بسبب عجز الأممالمتحدة عن التحرك. إصرارنا على دعم الجيش السوري الحر والمعارضة السورية مستمر، فمن السهل للبعض في الغرب استخدام عمليات تنظيم (القاعدة) الإرهابية في سوريا كحجة للتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، لكن وجود التنظيم في سوريا هو من أعراض فشل المجتمع الدولي في التحرك ولا يجب أن يصبح مبرراً لعدم التحرك. الطريق الأمثل لوقف صعود التطرف في سوريا أو غيرها هو في دعم المعتدلين ماليا وسياسيا وعسكريا إذا لزم الأمر، وأي أمر خلاف ذلك هو تجاهل الأزمة، ليستمر الفشل في التعامل معها بينما تتفاقم الكارثة الإنسانية في سوريا. سوف تواصل المملكة سعيها في هذا الطريق، وكنا ننتظر أن يقف معنا أصدقاؤنا وشركاؤنا كتفا إلى كتف، فهم تحدثوا سابقاً كثيراً عن أهمية القيم الأخلاقية في السياسة الخارجية، ولكنهم الآن وبعد أحاديث كثيرة عن الخطوط الحمراء، وحين جاءت ساعة الحقيقة، أظهروا استعدادا كاملا للتنازل عن أمننا والمخاطرة باستقرار المنطقة.