"لقد بحثنا عن منطقة واسعة وفارغة نسبياً حتى تكون الكارثة محدودة إن تحقق كابوس التسرب الإشعاعي"، هكذا شرح رئيس الكيان الصهيوني (شمعون بيريز) سبب اختيار موقع مفاعل ديمونا النووي في كتابه (الحرب والسلام). مقالة اليوم تناقش مخاطر التسربات الإشعاعية التي تواجهنا بسبب مفاعلي بوشهر الإيراني وديمونا الإسرائيلي. بداية لا بد من التوضيح أن موضوع اليوم لا يناقش الهجمات بالأسلحة النووية بل الأخطار المترتبة على التسربات الإشعاعية من المفاعلات. وفي حين أن القنابل النووية قادرة على إبادة المدن وسكانها في لحظات، فالتسربات الإشعاعية هي ذلك السلاح الخفي الذي يقتل ببطء جيلاً بعد جيل حيث يمكن أن تتسبب في الإصابة بمختلف أمراض السرطان، فقر الدم، العقم والتشوهات الخلقية للمواليد. وقد يتساءل البعض:" لماذا الحديث عن مخاطر المفاعلات النووية لإيران والكيان الصهيوني؟". من أهم الأسباب: (1) إيران لم توقع على اتقافية السلامة النووية منذ عام 1994م وإسرائيل لم تصادق عليها مما يجعل معايير السلامة في مفاعلاتهما مجهولة، (2) يملكان نشاطات نووية معلنة، (3) المخاطر المترتبة على القرب الجغرافي للمفاعلات النووية في كل من إيران وإسرائيل من العالم العربي في حال حصول تسربات إشعاعية. ولتوضيح النقطة الأخيرة بالأرقام فالمسافة بين منطقة ديمونا ومدينة حقل حوالي 200 كلم والمسافة بين منطقة بوشهر ومدينة الخفجي تصل لحوالي 240 كلم. وننطلق إلى مفاعل ديمونا حيث استشهد بتصريح (عوزي إيفان) أحد العلماء الذين عملوا في ديمونا لصحيفة يديعوت أحرونوت (6/2/2000) "بأن المفاعل النووي خطير وغير آمن ويجب إغلاقه خلال فترة قريبة، أو على الأقل البدء بخطوات تؤدي إلى إغلاقه قبل وقوع الكارثة حيث إن المفاعل خطط له في الأصل بأن يعمل 30 عاماً فقط". لاحظ أن المفاعل المتقادم بدأ العمل فيه منذ أكثر من نصف قرن في 1963م. والأدهى ما نقلته صحيفة هارتز (2011/12/15) أن حوالي أربعين من العمال السابقين في مفاعل ديمونا رفعوا قضايا في المحكمة بسبب تعرضهم وعوائلهم لأمراض السرطانات نتيجة التسربات في المفاعل. وتشير دراسات وتقارير إلى ارتفاع نسبة الإصابات بالسرطان والعقم وتشوه الأجنة لدى إخوتنا الفلسطينيين في المناطق الواقعة جنوب الخليل وخاصة قرية الظاهرية التي لا تبعد سوى 20 كلم عن المفاعل الخطير. وننتقل بالحديث إلى مفاعل بوشهر الإيراني حيث تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى أن إيران لا تطبق عدداً من بروتوكولات السلامة المهمة في مفاعلاتها (رويترز 2/6/2011م). واقتبس من البحث المنشور عام 2004م للباحث الإيراني (مرتضى أمين منصور) "بأن هنالك معاناة في مفاعل بوشهر بسبب المعدات ووحدات التحكم التي دون المستوى.. وبالنظر للمعايير الأمريكية فالتحكم بالجودة، التصاميم والمباني قاصرة إلى حد كبير". ويؤكد العالم الإيراني (باهمان ديبا) في مقالة منشورة عام 2011م بأنه ومع العقوبات المفروضة على طهران يضطر العلماء الإيرانيون للبحث عن حلول بديلة بأنفسهم دونما تعاون دولي يتيح لهم معرفة أحدث معايير السلامة والحماية الدولية. وفي عصرنا هذا يمكن القول إن تشغيل برنامج نووي دون تطبيق معايير السلامة العالمية كارثة وجريمة على البلد نفسه ومحيطه الإقليمي!! وما أزمتا تشيرنوبل وفوكوشيما عنا ببعيد. وباختصار، الوضع في قمة الخطورة وهو بمثابة قنبلة موقوتة على شعوب المنطقة ولا بد من اتخاذ إجراءات فورية عبر تصعيد هذه الملفات إعلامياً وفي المحافل الرسمية وطلب فرض معايير السلامة النووية الدولية والشفافية في مفاعلي ديمونا وبوشهر وغيرهما. وأتساءل: هل ترضون رؤية أحفادكم يولدون مشوهين أو مرضى بالسرطان لا قدر الله؟ فلنتحرك لأن مستقبل ذرياتنا والبشرية أمانة في أعناقنا.