اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    %69 من مساكن المملكة بلا طفايات للحريق و87% بلا أجهزة إنذار    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    محمد إمام يحسم جدل الأجور    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    منصور بن محمد يشهد انطلاق أعمال "القمة العالمية للرياضة" في دبي    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    التعاون يكسب النجمة بهدف في دوري روشن للمحترفين    رهانات وقف النار على غزة بين اختبار المرحلة الثانية وسيناريو التعثر    انطلاق الجولة ال 14 من دوري يلو الثلاثاء    خطة سلام تحت الاختبار ضمانات أمريكية لأوكرانيا لمدة 15 عاما    أسهم أوروبا تغلق عند ذروة قياسية    "الأونروا": 235 ألف شخص في غزة تضرروا من المنخفض الجوي    جنوب أفريقيا تهزم زيمبابوي وتبلغ دور الستة عشر بأمم أفريقيا    الهلال والنصر يسيطران على الريشة    النصر يحصن مهاجمه الموهوب    أمير القصيم يشدد على تكامل الأدوار لتعزيز الاستدامة البيئية    السعودية وإدارة التحولات الإقليمية    مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يستعرض أبرز مؤشرات الاقتصاد الوطني    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    رفع إيقاف بيع وشراء الأراضي والعقارات وسط وجنوب العُلا    رئاسة أمن الدولة تستضيف التمرين التعبوي السادس لقطاعات قوى الأمن الداخلي "وطن 95"    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 10489.65 نقطة    استمرار فعاليات «الممر الثقافي» في مهرجان جازان 2026 وجذب لافت للزوار    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة مهرجان ربيع النعيرية    الداخلية: غرامات وسجن ومنع من الاستقدام بحق المنشآت المخالِفة لأنظمة الإقامة والعمل    تأجيل الدوام في مدارس منطقة تبوك إلى الساعة التاسعة صباحًا    جمعية الزهايمر تستضيف المرضى وأسرهم في رحلات الخير    الإنهاك العاطفي الصامت حين يستنزفك الضغط دون أن يراك أحد    والد الفريق محمد البسامي في ذمة الله    مناورات عسكرية كبيرة حول تايوان    227 صقرًا تشارك في 7 أشواط للهواة المحليين بمهرجان الملك عبدالعزيز للصقور 2025 في يومه الرابع    د. باهمام يحصل على جائزة «الطبيب العربي» 2025    الشؤون الدينية تطلق مبادرة "عليكم بسنتي"    "الشؤون الإسلامية" تقيم مسابقة القرآن في الجبل الأسود    فهد بن محمد يكرم مدير «جوازات الخرج»    حتى لا تُختطف القضية الجنوبية.. المملكة ترسم خطوطًا فاصلة في حضرموت والمهرة    اختبارات اليوم الدراسي.. تعزيز الانضباط    وكيل إمارة الرياض يستقبل مدير فرع وزارة البيئة    مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية بالسودان ولبنان.. وصول الطائرة السعودية ال77 لإغاثة الشعب الفلسطيني    الإجرام الجميل    بزشكيان: إيران تواجه حرباً شاملة    اجتماع اللجنة المشتركة في الرياض.. السعودية وتونس تطوران الشراكة الاقتصادية والاستثمار    الزواج بفارق العمر بين الفشل والناجح    البيت الحرام.. مثابةٌ وأمنٌ    موجز    صراع شرس بين كبار أوروبا لضم «نيفيز»    بين التانغو والتنظيم الأوروبي.. البحث عن هوية فنية جديدة للأخضر    السجن 1335 عاماً لعضو في عصابة بالسلفادور    اختبار دم يتنبأ بمخاطر الوفاة ب«مرض القلب»    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    بيش تُضيء مهرجان شتاء جازان 2026 بهويتها الزراعية ورسالتها التنموية    وزير الداخلية تابع حالته الصحية.. تفاصيل إصابة الجندي ريان آل أحمد في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توظيف المفردة الدارجة في الشعر العربي.. أحمد قنديل نموذجاً
أحاديث في الأدب الشعبي
نشر في الرياض يوم 04 - 09 - 2014

الفصاحة تعني الإبانة عن المعنى أو المضمون الذي يعبّر عنه بالكلمات. والفصحى مصطلح جامع للنص الملتزم بقواعد اللغة من نحو وصرف، ولو سعيت إلى التفصيل في ذلك لجئت بما ينشد أصحاب التنظير، ولكن المجال يضيق، ويدعو إلى اختزال المساحة لطرح فكرة فصاحة الكلام الدارج أو الشعبي، وهي فصاحة محدودة بنطاق بيئة العبارة الشعبية مدنية متشعبة تشعب السكان، وقروية قريبة التجانس، وبدوية تقترب من الفصحى لأنها - في الأصل - امتداد ومحاكاة لها وبخاصة في الشعر.
والعبارة الشعبية تحمل سماة المكان من حيث مفرداتها وثقافة مبدعها، كما أنها تحمل حساً شعبيا يصل في تأثيره إلى تأثير الفصحى في المتلقي المتذوق لها. ولذا نجد كثيراً من الأدباء الذين يخشون خطورة العامية على الفصحى نجدهم يستحضرون حكماً وأمثالاً وشعراً من الأدب الشعبي لدعم وجهات نظرهم أو إزاحة السأم عن نفوسهم، وذلك لثقل الفصحى وصعوبة تذوقها لدى السواد الأعظم من الناس أمام خفة استقبال اللغة الدارجة حكما وأمثالاً وغناء.
وتوظيف المفردة الدارجة في الشعر العربي ومعارضة ذلك أودعها بعض الشعراء مثل البهاء زهير بقوله:
بروحي من أسميها بستّي
فتنظرني النحاة بعين مقت
يرون بأنني قد قلت لحنا
فكيف وإنني لزهير وقتي
ولكن غادة ملكت جهاتي
فلا لحن اذا ما قلت ستّي
والشاعر أحمد الغزاوي يقول:
بأبي من رأيتها فاسترابت
نظرتي نحوها فقالت: علامك؟
ومفردتا: «ستي» (سيدتي) و«علامك» (ماذا بك) أو (ما بك) مفردتان دارجتان لهما إيحاءاتهما وخفتهما بخلاف لو أتتا فصيحتين.
الأعمال الكاملة للقنديل
وقد استحب الجاحظ المجئ بشيء من الدارج موظفا بالمناسبة. فلهذا التطعيم جماله وفق موقعه من العبارة دون إسراف في استخدامه مثلما فعل القنديل. وأيضاً يستحب في الرواية والقصة بل يجب تطعيمها بعبارات دارجة للاستيعاب والتأثير وربط الحدث بالواقع.
نعود إلى الشاعر أحمد قنديل (1330 – 1399ه) فهو من رواد الأدب في المملكة ومن شعرائها المبدعين، وكان مولعاً بالعبارة الشعبية وله مقطوعات شعرية تغلب عليها العامية، كانت تنشر في الصحف وبخاصة صحيفة «عكاظ» التي أفردت زاوية خاصة للشاعر بعنوان «قناديل» وكانت أول ما يقرأ من الصحيفة، ليس لأنها تعالج قضايا اجتماعية وانتقادات لتخاذل بعض المؤسسات عن أداء دورها كما ينبغي فحسب، بل ولأنها تستجيب لحاجة القارئ من حيث شؤونه وفنونه وشجونه ولما تطرح من أفكار وتعليقات لاذعة بأسلوب ساخر يحرض على المتابعة والقراءة.
وقد برر القنديل رحمه الله منهجه هذا بقوله:
وأنظم الشعر شعبياً وأرسله
من وسط قلبي فنيا بلا عقد
وأستبيح لنفسي دونما عقد
أني أقول لها ما دار في خلدي
يقول الأستاذ عبدالمقصود خوجة في مقدمة كتاب «الأعمال الكاملة للقنديل» في ستة مجلدات التي أصدرتها «اثنينية الخوجة» هذه المؤسسة الثقافية التي ترعى المبدعين بالتكريم ونشر ابداعاتهم يقول: «إن ولع الناس بشعر أي مبدع وانكبابهم على تداوله ودراسته يعود - في المقام الأول - إلى ملامسة ذلك النتاج الابداعي لمشاعرهم ومدى توافقه مع خواطرهم وأحاسيسهم.. لقد استطاع الشاعر الكبير أحمد قنديل أن يوظف الكلمة الدارجة لأداء مهمة معينة ضمن رسالته الابداعية، وأبحر في عالم الشعر الحلمنتيشي حين رآه الأقرب إلى ذائقة القراء والأكثر تعبيرا عما يجيشه في نفسه». أعود إلى المزج بين الشعبي والفصيح عند القنديل فإنه يكتب الشعبي بنسق الفصيح محتفظاً بالمفردات الدارجة وذلك في قناديله ومقطوعاته، ويوظف المفردة الدارجة في شعره الفصيح توظيفا فنيا. ونختار نماذج من ديوانه «عروس البحر» ويعني مدينة جدة:
هل شُفْتَ جدة جنب البحر راقصة
على الرمال بأشواق وتعبير
ومفردتا «شفت» و«جنب» دارجتان وبإمكانه ابدالهما «خلت» «قرب» أو غير ذلك من الصياغة الشعرية التي لا تعجز القنديل، ولكنه استعذب هذا الأسلوب، فكأنه يستخلصه من محادثة إعجاب شعبية.
عبدالمقصود خوجة
أما السخرية والنقد اللاذع ففي قوله:
أما الكُبُرْ لكَ فالكِنْداسا شربهم
لأنهم بَرْطَلوا بعض المآمير
والكبر لك هنا هم المتنفذون من المسؤولين والاغنياء الذين يستطيعون رشوة المسؤولين عن الكنداسة أداة تحلية مياه البحر، وهذه الفئة تستطيع أن تبرطل المتنفذين في ادارة الكنداسة رشوة تجعلهم يبرطلون أي يختالون ولا يصغون لمن هم دون المآمير من عامة الناس.
ثم يصف جدة في حاضرها يشببها بفتاة تحررت من رتابة الماضي وانطلقت تعبر عن جماله وعطائها وقدراتها:
هذي وتلك بلا عيب و«مصخرة»
«جدا» الجديدة لا «جدا الخناشير»
من قَضّت الأمس «بالجدران» أربعة
كما تقول لنا بعض التعابير
في وصط قنعتها التركي ملفلفة
فيها كراس كرنب أو كبجور
وبين برقعها الكحلي مبلبصة
كالفأر يفزع من رؤيا السنانير
ثم يتمنى الشاعر الحصول على أرض مجاناً وبلا حدود مستخدماً مفردة «جبا» التي تعني دفع الحساب أو القيمة من قبل ذي كرم وعطاء:
يا ليت لي قطعة فيها بلا ثمن
«جباً» تكون بلا سعر وتمتير
وكان «الجبا» كثيرا ما يحدث في المطاعم والمقاهي والنقل حيث يقوم السابق بالدفع عن اللاحق وقد اندثرت هذه العادة.
وعندما تم رصف الكورنيش عمد بعض المخيمين على الشاطىء إلى تكسير البلاط بأوتاد خيامهم وتدمير بعض المقاعد ونحوها يقول القنديل مخاطبا جدة:
هيا اسمعي تم حطي كلمتي أبداً
في خرص وِدْنك ياست الغنادير
من جاءك اليوم أو بُكْرا يريد أذى
بصِرقةٍ أو بهدمٍ أو بتكسير
أيان كنت بكورنيش بأرصفة
بشارع أو زقاق فيك مشهور
لابد أن تعرضي عنه متفلة
عليه شاخطة فيه بتكشير
ومن ولع الشاعر بمدينة جدة يقول:
قالوا باني مجنون بجدته
وأنه متغال دونما سبب
إلى قوله:
فقلت يا ناس سيبوني فلست هنا
مؤرخاً عاش وصط الفرن والحطب
إنى محب ألوف ظل منقطعا
إلى الحبيبة جِدّا بينها أربي
وللقنديل أبيات ذات مغزى انتقادي لبعض التحولات الاجتماعية فيقول:
«ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير»
صاحت: علامك؟ ما تبي منا؟ خميراً أم فطير
قلت ادهني ساقي فقد أزرى بها طول المسير
وتنشّدت مني الحكاية قلت: موضوعي قصير
السندوتش اليوم موضا للصغير وللكبيرِ
شِقْفا من العيش المقمّر بينها النزر اليسير
كالفن في ركن الجرائد سلق بيض أو شعير
أو كالغنا خطفاً من الكلمات في السوق الصغير
حتى الموظف بين أوراق المعاملة الكثير
تكفيه آخر صفحة فيها تآشير المدير
لا يسلك القنديل الأسلوب الشعبي في شعره، وإنما - وكما يرى القارئ - يلتزم منهج القصيدة العربية باستخدام مفردات شعبية ناشداً لفت الانظار لما يقول ويريد، وملتزماً بلهجة أهل جدة التي يجيدها والمصطلحات الشعبية فيها. وربما جاءت عبارة «ماتبي» و«علامك» و«تنشدت» امتداداً لمطلع الأبيات من قصيدة المنخّل المرتبطة بالبيئة البدوية. ولكنه سرعان ما يعود إلى لهجة ومصطلحات عصره في جدة، فقد وجد مناسبتها لنقد عادات مجتمعه الحضري بعيداً عن الغدران والخدور.
وأحمد قنديل رحمه الله شاعر مبدع وظريف ممتع أينما حل وانتجع. وشعره العربي الذي أبحر في عبابه أجمل من هذه التطعيمات التي استدعاها ضميره لغاية ابداعية. وحين نبدي إعجابنا بهذا الشعر المطعم بالشعبي فالاعجاب بالتوظيف والتوفيق في التطعيم والقيمة الدافعة لقراءته وتأمل أغراضه، وليست دعوة للابداع باللغة الدارجة في زمن العلم ورحابة الثقافة وانحسار العامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.