تُجيب مجمل العروض المقدمة في مهرجان الدمام المسرحي للعروض القصيرة، على سؤال: "لماذا ينفر عموم الجمهور من حضور المسرحيات ذات الصبغة الثقافية؟". أي تلك العروض التي تزعم أنها في نقيضٍ مع مسرح التهريج التجاري الموسمي. الإجابة، تبدو جلية في كمية السوداوية و"النكد" والخواء الذي تصر عليه العروض المقدمة حالياً في أيام مهرجان الدمام المسرحي في دورته العاشرة. وإذا كان التجريب في المسرح، يعني الابتكار على مستوى أو أكثر من عناصر العرض المسرحي، فإن الفهم السائد لدى شباب المسرح السعودي، بعيد كل البعد عن الابتكار، إذ إن التجريب كما نشاهد من العروض، هو تقديم وجبة مسرحيات بلغة فصحى تتعمد الجمود حد الملل مع حالة من "الاغتراب" والنزوع نحو النخبوية في الموضوعات التي لا تلامس حياة الناس. مشكلة ندرة وجود عروض مسرحية، خلاقة وحية وجديدة، ليست مشكلة هذا العام مع مهرجان الدمام للعروض المسرحية القصيرة، إذ إن كل سنة، تقريباً يثار مثل هذا النقاش، من حيث، هل يتوقف المهرجان (كان مسابقة مسرحية سابقاً)، في حال لم توجد عروض ذات جودة فنية، أم يستمر ويكون المهرجان بمثابة بوابة دخول وحاضن أول لشباب المسرح السعودي. لا شك أن المشكلة ليست في الدعم والتنظيم، إذ إن جمعيات الثقافة والفنون، مسؤولة عن هكذا دعم واحتضان لشباب الفن ولتطوير المجال المسرحي المحلي، لكن المعضلة المزمنة تكمن في الوعي المتأخر لدى المسرحيين السعوديين على الأغلب. حيث لا تزال الكثير من العروض المطروحة في سوق المسرح الثقافي و"التجريبي" هي عروض خارج الزمن؛ تقدم برؤية اخراجية بليدة، تجتر عروضاً قدمت منذ عقدين أو ثلاثة وتعبر عن مخيلة مستكينة لا تريد الذهاب بالعرض المسرحي إلى أبعد مما هو سائد. من هنا سنرى عرضاً مثل (زوان) للمسرحي ياسر الحسن الذي اجتر أجواء عروض مسرحية ناجحة قدمت سابقاً من تأليفه، بعنوان: "مريم وتعود الحكاية" ولكن بطريقة مترهلة. إذ إن العرض الذي كتبه الحسن في مسرحية (زوان) كان عرضاً تائهاً في فضاء المسرح، فلا إدارة ضابطة لحركة الممثلين ولا استثماراً ناجحاً للإضاءة المجهزة بشكل احترافي في مسرح إثراء المعرفة بأرامكو، وهو الإخفاق الذي تعرضت له (زوان) عندما قدمت ضمن الدورة الأخيرة من مهرجان الفرق الأهلية الخليجية في الشارقة، فكان النقد اللاذع ضد إضاءة منعدمة لم تضعف الاتصال وتشوشه بين الجمهور الملتقي والمسرح وحسب بل ارتكبت العديد من الأخطاء من خلال حالة التخبط التي ظهر فيها العرض، ونحن نرى الممثل يقف في مكان والإضاءة المسلطة نحوه في مكان آخر، فضلاً عن مشهد غرق البطلة في العين، فلا مؤثر صوتياً ولا موسيقياً ولا إضاءة استطاعت أن تسند هذا المشهد الجميل والذي استعان بتشكيل الأجساد المتراصة (سينوغرافياً) وكأنه جدار العين المائية التي ابتلعت الطفلة. مشكلات أخرى لم يكن سببها أن المخرج ترك غرفة التحكم ومراقبة أداء ممثليه على المسرح وانظم إلى التمثيل، ليصبح كاتباً ومخرجاً وممثلاً في عرضه فقط، بل أيضاً لأن المؤلف المسرحي بداخله مارس سلطة على العرض، فكان الترهل في الحكاية والتمديد في الزمن على حساب رشاقة تجسيد الفكرة الأسطورية الجميلة (صراع بين عشيرتين على عين ماء سميت باسم الفتاة التي غرقت فيها، (زوان). «الساعة 12» نموذج لترهل المسرح السعودي الموسيقى في (زوان) جاءت مخيبة أيضاً، ومكررة، على مستوى إحضار موسيقيين يعزفون "كليشيهات" موسيقية على ناصية المسرح، وكأن هذه هي الجدة والفرادة في حضورهم وليس استثمار العنصر الصوتي والموسيقي واستثماره تعبيرياً في جانب من جوانب العرض، لرفع وتيرته أو للتعبير عن حالته. أما أداء الممثلين، فكان مخيباً، وخاصة، ونحن نشاهد المبالغات في الأداء، من خلال الصراخ الزائد، علماً أن الممثلين لا يحتاجون كما هو عادة المسرح، لرفع أصواتهم وهم يحملون لاقطات صوت "واير لس"، غير أن هذا النوع من الدراما الخليجية التراثية المشبع عرضه في المسلسلات التلفزيونية، قد تماهى معه الممثلون وهم يبالغون ويسقطون في حفرة، تقليد المقلد والتمثيل على طريقة هذا أو ذاك وليس العودة للشخصيات الورقية، وبعث روح الممثل فيها، ليشعر الحضور المتلقي أن ثمة شخوصاً جديدة لا تشبه إلا حكايتها الخاصة. وإذا كان العرض المسرحي خافت الإنارة في مسرحية (زوان)، فإننا سنجد النقيض في عرض (الساعة 12 ليلاً) للمخرج عبدالله الجريان، حيث اختار المسرحي السعودي، نصاً كتبه وقدمه مطلع الألفية شيخ مسرح التجريب في الخليج المخرج عبدالله السعداوي الذي حضر العرض السعودي لمسرحيته التي قدمت في البحرين بلغة جسد عالية ذات إيقاع متسارع ومشتعل ألهب الحضور. أما في العرض الظهراني ل"الساعة 12 ليلاً" فكان حوارياً مكرراً بين سجينين في زنزانة بعرض المسرح، يرتديان ملابس نظيفة (أول لبسة) ويشتكيان من أن رائحة الصرف الصحي ستخنقهم. وباستثناء بعض الحركات الموفقة على المسرح، فإن بطء إيقاع العرض وهدر الإضاءة وسوداوية الطرح وتكرار الحوارات، كانت المشكلات الأبرز لمسرحية (الساعة 12 ليلاً)، والتي تمثل عينة عشوائية لما يعانيه المسرح الثقافي السعودي مع مخرجين اعتادوا إعادة إنتاج بعضهم وصبغ المسرح بسوداويتهم.