إذا ما حاولنا تفسير العملية الإبداعية قد تستوقفنا عدة عوامل لعل من أهمها أن هذه العملية تستند على مبدأ التطور والارتقاء بهدف إيجاد عالم مثالي يجده الفنان الإنسان محل بحث يتكيف معه ويحدث هذا التكيف بين هذا الفنان والأشياء التى يجدها متميزة فيسعى من خلال ما ينتجه من فن إلى طرح رسالة أو رؤية بهدف تحقيق منهج متوازن يربط بين البحث الاستطيقي والبحث السيكولوجي وهذا ما لمسناه بالمعرض التاسع الشخصي للفنانة التشكيلية غادة بنت مساعد الذي أقيم مؤخرا بقاعة حوار ببرج المملكة بالعاصمة الرياض وحظي برعاية كريمة من قبل سمو الأميرة د. مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود. ان المتابع لأعمال التشكيلية غادة في معارض سابقة سيجد اختلافا فيما طرح في معرضها الأخير "عواطف مدهشة" إذ إن التقنية التي استخدمتها هى تقنية الفن الرقمي مستعينة بصور فوتوغرافية صورتها ومن ثم عالجتها بتقنية "الفوتو شوب" وقامت بتحويلها إلى عدد من اللوحات الفنية بعضها مرتبط ارتباطا مباشرا بالمكون الجمالي ترجمته الفنانة في عدد من الأعمال نستطيع ان نصنفها إلى مجموعات فالمجموعة الأولى تعكس علاقة الإنسان مع الكائنات الأليفة أو تكيف هذا الأخير مع البيئة الخارجية وبحكم أن أجمل هذه الكائنات هو الخيل فقد طرحت الفنانة منهج جمالي مختلف حيث أبرزت العلاقة الإنسانية بين الخيل والإنسان مكتفية بإبراز أغلب اللوحات عن شعر الخيل وطرق الاعتناء بها وقد اكتفت بطرح لوحة واحدة تمثل الخيل باللونين الأبيض ودرجات اللون البنفسجي، قاصدة بذلك أن يتركز الانتباه لدى المشاهد على التميز الوجداني وعلاقة الإنسان بالكائنات الأخرى التي لم تقتصر الفنانة على طرح نوع واحد منها فقط وهو الخيل بل تضمن المعرض لوحات لكائنات مختلفة تعكس قيما جمالية كلوحة "لقطة " تلهم المتذوق من حيث عناصر التعبير والتشكيل في الخطوط والألوان والأشكال المتشابكة التى نسجتها الفنانة إلى الانفعال الوجدانى والعملية الديالكتية بين هذه الكائنات والإنسان. ولعل بهذه المجموعة من اللوحات التي تقدمت المعرض في العرض نستطيع أن ندرك الدافع الحسي الذي ترجمته الفنانة إلى مجموعة أخرى من اللوحات جاءت معبرة عن نقاء الروح بنقل ميولها الذاتية بحافز فطري بطريقة فريدة عن الأطفال وذلك بتأليف عناصر معينة اكتفت في بعضها بإبراز "يد الطفل " أو رأسه قاصدة بذلك اختزال الأشكال من الإدراك الواضح وقدرة التحليل لإيصال الفكرة بوضع جزء من الشكل يستطيع المتذوق من خلاله أن يتصور بصريا ما يمكن أن يكمل الواقع أو يغير منه. ولم يتضمن هذا التعبير المختزل على هذه المجموعة المعبرة عن الأطفال بل إننا نلمسها في أغلب اللوحات التي اهتمت الفنانة بإبراز عامل التصور البصري أو ما يمكن تسميته بعامل التجديد في أغلب اللوحات المعروضة والتى تمثل أفكارا متعددة في مجال التعبير والقدرة على تشكيل هذه الأفكار والرؤى في لوحات بأسلوب يستند على الفلسفة الجمالية بابتكار وسائل تعبيرية مختلفة نلمسها في مجموعة تتكون من ثلاثة أعمال تعكس يد إنسان على مقبض باب مغلق وهنا يأتي الباب ليحتل عامل الرمزية الذي يثري الموضوع الجمالي لما يقصد به الفنان وله دلالة ترتبط ارتباطا مباشرا مع المتلقي وتختلف في التحليل من شخص لآخر باختلاف الذكريات، والأفكار، والمشاعر، والتداعي الحر الذي يتولد ويترك أثرا في نفس المتذوق. كما تكشف التشكيلية غادة المدرك التعبيري من خلال أربعة لوحات مستغلة الفم الذي يحمل بين أسنانه عددا من الرصاصات اختلف مجموعها في كل فم قاصدة بذلك تحقيق الإدراك الحسي المباشر لدى المتذوق باستبدال اللسان بالرصاص فقد يتنوع ويتلون المتحدث بهذا اللسان لتصيب كلماته مشاعر المستمع فإما أن تصيب كلماته مشاعر القلب أو تصيب فكر العقل مما يعكس حالة من الشحنات الوجدانية التى يواجهها المتلقي ويتعاطف معها إذ أنها تلمس الواقع الحقيقي الذي عايشه. ولعل هناك نماذج أخرى من لوحات تضمنها المعرض أغلبها اهتم بطرح المضمون الإنساني الذي أضافت له الفنانة غادة بنت مساعد رؤيتها الذاتية الفلسفية من خلال تجربها الفنية السابقة إذ أن مجمل الأعمال تتجه إلى النظرة التعبيرية وتقوم بمهمة تنظيم أو بناء الأشكال برؤية معاصرة لتضفي عليها قيما جمالية مختلفة نابعة من المكون المعرفي الذي حول الخبرة المتذوقة المتأملة إلى واقع يعكس الحياة السلوكية والنفسية لشتى الكائنات التي تعيش على أرض المعمورة.