تكتسب العلاقات الاقتصادية بين البلدان الغربية وروسيا في ظل الخلاف الناشب بينهما حول الوضع في أوكرانيا أهمية بالغة. وبدون مبالغة يمكن القول إن النظام الاقتصادي العالمي خلال الفترة القادمة سوف يتأثر بالنتائج التي سوف تترتب على ما يدور الآن بين الدول الغربية وروسيا. فهذا الصراع بين قوى عالمية من الوزن الثقيل. وأعتقد أن موقف الاتحاد الأوروبي والصين من هذا الخلاف يملك أهمية بالغة. فهذان العملاقان الاقتصاديان يتابعان، مثلما نلاحظ، بحذر ما يجري بين واشنطنوموسكو. فالاتحاد الأوروبي وإن كان حليفا للولايات المتحدة فإنه لا يرغب أن يندفع في عملية المقاطعة الاقتصادية لروسيا إلى الحد الذي ترغب فيه أمريكا. فحجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوربي وروسيا يصل إلى 370 مليار دولار في حين لا يتعدى التبادل التجاري بين الولاياتالمتحدةوروسيا 26 مليار دولار. كذلك نرى الصين، التي تربطها بالولاياتالمتحدةوروسيا علاقات اقتصادية قوية، تحاول قدر المستطاع أن تقف على مسافة من الخلاف الدائر بين موسكو و واشنطن. فالاتحاد الأوروبي والصين يدركان أن الخلاف بين الولاياتالمتحدةوروسيا لا يدور حول أوكرانيا بقدر ماهو حول هندسة النظام العالمي وإدارة الصراع فيه. فأمريكا لا تحبذ أن يتصرف أحد في هذا العالم قبل أن يستشيرها في الأمر. فما بالك بالتحركات الروسية التي خلطت كافة الأوراق بضمها لشبه جزيرة القرم ودعمها لتمرد الروس في جنوب شرق أوكرانيا ضد الحكومة المؤقته في كييف التي تساندها الولاياتالمتحدة. فهذا التصرف الروسي تعتبره الولاياتالمتحدة تحد للزعامة التي تدعيها لنفسها على العالم. طبعًا نحن نعلم أن روسيا لا تستطيع أن تنافس الولاياتالمتحدة إلا في المجال العسكري وذلك على أساس أن كلا منهما بإمكانه تدمير الآخر خلال 20 دقيقة. أما في بقية المجالات وأهمها الاقتصاد فإن الولاياتالمتحدة تتقدم ليس فقط على روسيا وإنما على كافة بلدان العالم. والأمر هنا لا يقتصر على الاقتصاد وحده. فالولاياتالمتحدة على رأس بلدان العالم في العديد من المجالات مثل العلوم، التكنولوجيا، الاتصالات، وبراءات الاختراع والثقافة وغيرها. ولذلك فإن الولاياتالمتحدة تريد أن تترجم هذا التفوق باحتلالها موقع القيادة وتبوؤها مكانة الشرطي الذي ينهي ويأمر بقية بلدان العالم. وهذا موضوع محل خلاف. فالاتحاد الاوروبي والصينوروسيا يبدون تحفظهم على ذلك وإن بدرجات متفاوتة. ولذلك تسعى واشنطن إلى اقحام الاتحاد الاوروبي والصين في عملية المقاطعة التي تنادي بها ضد روسيا من أجل اضعاف هذه الاطراف الثلاثة المنافسة لها. وذلك ضمن ما يسمى بالفوضى الخلاقة. وعلى هذا الأساس فإن كل التوقعات تشير إلى أن حملة المقاطعة لروسيا لن تطول ما لم تنظم إليها الصين وترمي القارة العجوز بكل ثقلها في هذه العملية. فالولاياتالمتحدة لا تريد أن تتطاحن اقتصادياً مع روسيا في حين يقاطع الاتحاد الأوروبي روسيا شكلياً وتعزز الصين مواقعها الاقتصادية على حساب الجميع.