أمير تبوك: المملكة أصبحت محط أنظار العالم بفضل رؤية 2030    "تعليم جازان" يحقق المركز الأول في برنامج الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    تعاون "سعودي – موريتاني" بالطاقة المتجدِّدة    تراجع طفيف بأسعار النفط عالمياً    تحويل الدراسة عن بُعد بوادي الدواسر ونجران    97 % رضا المستفيدين من الخدمات العدلية    أمطار الطائف.. عروق الأودية تنبض بالحياة    "هورايزن" يحصد جائزة "هيرميز" الدولية    استمرار التوقعات بهطول الأمطار على كافة مناطق السعودية    افتتاح معرض عسير للعقار والبناء والمنتجات التمويلية    العميد والزعيم.. «انتفاضة أم سابعة؟»    الخريف: نطور رأس المال البشري ونستفيد من التكنولوجيا في تمكين الشباب    أخفوا 200 مليون ريال.. «التستر» وغسل الأموال يُطيحان بمقيم و3 مواطنين    بطولة عايض تبرهن «الخوف غير موجود في قاموس السعودي»    حرب غزة تهيمن على حوارات منتدى الرياض    للمرة الثانية على التوالي.. سيدات النصر يتوجن بلقب الدوري السعودي    (ينتظرون سقوطك يازعيم)    في الجولة 30 من دوري" يلو".. القادسية يستقبل القيصومة.. والبكيرية يلتقي الجبلين    بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي.. إنشاء" مركز مستقبل الفضاء" في المملكة    أمير الشرقية يدشن فعاليات منتدى التكامل اللوجستي    برؤية 2030 .. الإنجازات متسارعة    دعوة عربية لفتح تحقيق دولي في جرائم إسرائيل في المستشفيات    «ماسنجر» تتيح إرسال الصور بجودة عالية    أمير منطقة المدينة المنورة يستقبل سفير جمهورية إندونيسيا    «الكنّة».. الحد الفاصل بين الربيع والصيف    توعية للوقاية من المخدرات    العربي يتغلب على أحد بثلاثية في دوري يلو    لوحة فنية بصرية    وهَم التفرُّد    عصر الحداثة والتغيير    مسابقة لمربى البرتقال في بريطانيا    اختلاف فصيلة الدم بين الزوجين (2)    قمة مبكرة تجمع الهلال والأهلي .. في بطولة النخبة    تمت تجربته على 1,100 مريض.. لقاح نوعي ضد سرطان الجلد    إنقاص وزن شاب ينتهي بمأساة    العشق بين جميل الحجيلان والمايكروفون!    الفراشات تكتشف تغيّر المناخ    اجتماع تنسيقي لدعم جهود تنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين    بقايا بشرية ملفوفة بأوراق تغليف    وسائل التواصل تؤثر على التخلص من الاكتئاب    أعراض التسمم السجقي    زرقاء اليمامة.. مارد المسرح السعودي    «عقبال» المساجد !    السابعة اتحادية..    دوري السيدات.. نجاحات واقتراحات    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (37) من طلبة كلية الملك فهد البحرية    ولي العهد يستقبل وزير الخارجية البريطاني    دافوس الرياض وكسر معادلة القوة مقابل الحق        اليوم.. آخر يوم لتسجيل المتطوعين لخدمات الحجيج الصحية    أمير المدينة يدشن مهرجان الثقافات والشعوب    إنقاذ معتمرة عراقية توقف قلبها عن النبض    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشاريع التي تنفذها أمانة المنطقة    دولة ملهمة    سعود بن بندر يستقبل أعضاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى من جرّحوني أقول: أجمل ما في الكون غزالٌ جريح
سعاد الصباح.. امرأة الموج التي تجيب عن سؤال «السر»:
نشر في الرياض يوم 28 - 12 - 2013

عند تلك الضفة العالية المجاورة للأجراس جلست أنسج الخيوط الطويلة التي سأرميها لأصطاد نجوم العام الجديد، في ليلة رأس السنة. كان هناك خيول تعبر من أمامي بعربات محملة بقلوب الناس، وغزلان تحرك ساقيها لتعبر غيوم الثلج الذي كان يتساقط من السماء ليخفي آثار الآلام التي حملها على ظهره العام الراحل، هناك يلوح صاحب اللحية البيضاء مناديا وهو يراقص الشهب بضحكته الشاهقة "هدايا العام الجديد.. جئنا بالأحلام كلها، فماذا تريدون منها". يصيح البرد "هيا.. تعال إلى هنا"... أنظر إليه، أبتسم ثم أمرر الخيط في فمي ثم أجرب أن أدخل الخيط في ثقب إبرة الحلم بعد أن أحرك قدمي إلى الأمام والخلف لتعبث بأمواج الدقائق التي قاربت أن تسلم الأيام للعام الجديد، صوت رخيم ينادي الشتاء.. يختلط همسه بأجراس ليلة رأس السنة، أميل برأسي جانبا، أسند أذني بيدي... صوت قلب يتسلل إلى الأجراس.. من قصر أبيض تدخل الحياة في أوراقها.. ألمحها تكتب (ماذا أريد إذا أتى العام الجديد؟ كم أنت طفل في سؤالك! كيف تجهل ياحبيبي ما أريد.. إني أريدك أنت وحدك، أيها المربوط في حبل الوريد، كل الهدايا لا تثير أنوثتي، لا العطر يدهشني، ولا القمر البعيد)
في ليلة رأس السنة.. أراها تجيء من "الصباح" فتاة تؤثث أحلامها لتتعثر بالشمس، تدور حول شعاعها فيما قمرها الثاني عشر يمنحها النور، أنادي ما هذا.. أأنت كوكب؟ أراها تهرب من فراش الأميرة "تسمع الحكايات، تقطف الورد من الحديقة لتصوغه في لوحة، تعبث بالقلم وتعتلي المقعد لتكتب رسالة حب، أنادي. ما هذا.. أأنت طفلة؟ تقذف لي بامرأة محبوسة في الموج، تصمت لتدع ملامح الحبيب تتحدث، تلتهم كل قطعة في العشق ثم تتعثر بالسؤال، فأمد يدي لها.. "لحظة".. أأنت عاشقة؟ تفتح باب الأوجاع تقترب مني تجلس على الضفة بعد أن تسحب ثوبها الطويل بجانبها تهمس "آراه كل يوم يطل علي، يبتسم لي وأعرفه".. فأقول لها.. أأنت أم؟ تجمع في يديها حبات مطر العام الجديد تمسح على رأسها ووجهها وكتفيها.. تتمتم لي "إنها سعاد الصباح.. أحبها وأخاف عليها وأثق بها"..
الفصل الذي درست فيه في المرحلة الابتدائية في مدرسة الخنساء
قبل ليلة رأس السنة الميلادي الجديد.. تأتي الشاعرة "سعاد الصباح" بكل الصهيل المربوط بأقدام الخيول والغزلان والأجراس.. لتدخل أحلام المكشوف.. وتقول لي "حمامة منذ زمن غادرتني ولم أغادرها، إنها هنا وتشير لقلبها، ثم تقول وفي الحب تصبح الحبيبة نسخة طبق الأصل من حبيبها وعندما تتنبه لذلك تتعثر بالسؤال.. أجلس بجوارها وأقول "نعم وأنا أحب وأثق". تنظر إلى السماء لتقرأ علي "ولكن الثقة المطلقة غباء مطلق.. وربما يجرحنا من أحببناهم ووثقنا بهم بسوء تصرفهم"..
الصمت يعني أن تدع ملامح الحبيب تتحدث وتلاحظ عينيه تلتهمان ملامحك
الشيخة الدكتورة والشاعرة الكويتية "سعاد الصباح".. في هذا الشتاء.. وقبل العام الجديد بأيام تدخل المكشوف "لتبوح، تحب، تحن إلى أوراقها القديمة، وتصف كل ما يمكن أن نشعر به من آلام ومن توق.. وبعد أن تغمض عينيها وتتمنى قبل دخول العام الجديد.. أسألها "ما هو السر الذي تمنيته" تبتسم تقول لي "اقتربي مني يا عبير.. هات أذنك.. لا تقولي لأحد "أقف باعتدال. انفض الدهشة المتطايرة على أكمامي. أبتسم، أعيد ترتيب ربطة عنقي ثم أرمي بالشهب نحو ليلة رأس السنة وأهب لقلبي كل الأحلام المؤجلة.. فيما تغادرني "سعاد" بعد أن تترك لدي مفرقعات وحلوى وهدايا وورد. ودموع وفراق ووجع. وسر خطير أرجو بأن لا يسألني عنه أحد..
سعاد الصباح عام 1944 في عمر ستة أشهر
أعرفه جيدا
* مؤلم جدا حينما نضع أيدينا على قلوبنا فنجدها مازالت تنبض، تتحرك، ولكننا لم نعد نعرف إلى أين وصلت في الطريق.. أخبريني عن قلبك بعد السنوات الطويلة التي مضت في حياتك.. كيف هو؟ هل استطعت أن تتعرفي عليه بعد كل ما مر به من أوجاع وأيام جائعة وأخرى مفقودة؟
- أعرف قلبي جيدا. أحفظ ملامحه جرحاً جرحاً، ودمعة دمعة.
غريبين كنا (أنا وقلبي) وكانت الدنيا كومة قش كبيرة سقطت فيها جوهرة.. هي في الأصل جرح في جوف محارة احتضنتها طويلاً حتى تحولت إلى لؤلؤة.
وهذا ديدني مع كل الجروح.. حولت مساحاته إلى مزرعة كبيرة من اللآلئ.. وراء كل لؤلؤة جميلة براقة.. قصة ألم عميق.
في الحب لا وجود
لامرأة تقبل أن تكون
في المركز الثاني
غياب القمر
* كتب قاسم حداد (أوقفتني الجنية الزرقاء وأجهشت بي "استحلفك بالبكاء الجميل الذي بكيته على كتفك، تحت قصف الوقت، استحلفك بالتهدج، الذي صليته في صدرك، استحلفك.. لا تذهب عني.. لا تذهب عني). ألديك بكاء جميل بكيته يوما وقد كان بكاء روح؟ لمن تقولين استحلفك لا تذهب؟
- ليس في حياتي جنية.. كنت فتاة صغيرة تؤثث أحلامها، وتخط قوافي الشعر على صفحة الأمل.. وكانت تركض حتى تكاد تطير عندما تعثرت فجأة بشمس بهية.
أشرق بها قلبها.. فكان القمر الذي غاب بعد 12 عاماً من عمر النور..
ودعته وهو يأخذ الجميل من عمري..
لكن الله كان كريما معي.. عوضني بأربعة أقمار أخرى..
رحلت الشمس وبقي ضوؤها.. وهاهي أقماري زاهية.
مر الكثير من العمر.. كأنما هو حلم ليلة صيف..
وكلما انتابتني الجروح، وغشاني الظلام.. تطلعت إلى وجه السماء فرأيت القمر مشرقاً بابتسامة طاهرة مثل ماء زمزم... وأحسست بابتسامة شمس في شروقها الوشيك.
أنثى الشجر
* قلت له يوما.. لا داعي أن تتكلم. فقط اترك الصمت بيننا.. وأنا سأقرأ فيك.. أيمكن للصمت أن يقول عنا كل شيء؟ أيحسن الرجل قراءة قلب المرأة كما تحسن هي كتابته؟
- أنا أحب في الحب قراءة التفاصيل الصغيرة، الصمت يعني أن تدع ملامح الحبيب تتحدث، تلاحق كلمات أصابعه التي تهمس للطاولة بنقرات خفيفة، تلاحظ بريق عينيه وهما تلتهمان ملامحك، تسمع أنفاسه.. نبضه، دوخانه، الصوت تعبير بالحروف عن الأحاسيس، وأنا أفضل الأحاسيس على الحروف.. ففي الحب أذهب إلى عمق العمق.
عندها لا يدري العاشق هل التي تجلس أمامه أنثى أم شجيرة فل؟!
طفلة أعرفها جيدا
تقف إلى جانب صورة تتصدر القصر الابيض لزوجها الراحل سمو الشيخ عبدالله المبارك
* بعد هذا الزمن الطويل الذي مضى، لم يعد الطريق الذي نمشي فيه هو ذات الطريق ولم تعد البيوت التي ندخلها هي تلك البيوت.. فالمدرسة اختفت والطفولة غادرت.. ماذا بقي من مدرسة "الخنساء" التي درست فيها المرحلة الابتدائية؟ أمازلت تذكرين الطفلة "سعاد الصباح"؟ أي شيء كانت تشبه؟
- أذكر حمامة مرت من فوقي.. منذ زمن طويل.. وغادرتني لكني لم أغادرها.
تلك الطفلة إن كانت نسيتني فلم أنسها أنا.. وإن كانت ذهبت عني، فإنني أذهب إليها كل صبح وكل ليل... وأقابل طيفها في كل الجهات.
أجدها في فراشي تسمع حكاية الأميرة ونصف التفاحة المسموم.
أدخل الحديقة فأراها تقطف الورد.. فتصوغه في لوحة..
أفتح باب مكتبتي فأعثر عليها تحتل مكتبي ولا تشعر بي وأنا أراقبها وهي تخط أول رسالة حب بيد مرتعشة. تغيرت البيوت، وغابت ملامح الأوطان، وتبدلت النفوس.. ولم يعد لنا ملاذ إلا الطفولة تستعيد فيها ما فقدناه من حب.. وحزن جميل!!
امرأة الموج
* كتبت (قل لي.. هل أحببت امرأة قبلي؟ تفقد حين تكون بحالة حب نور العقل؟ قل لي. كيف تصير المرأة حين تحب شجيرة فل ؟).. أيمكن أن يكون الحب الأول في حياتنا هو الحب الأبقى والأجمل والأكثر تأثيرا؟ ما السر خلف فضولنا الدائم لمعرفة الحب الأول في قلوب من نحب وإصرارنا أن نكون دائما "الأول" حتى في الحب؟
- قلت يوما:
(أعرف أنني المرأة الأولى في حياتك
ولكن الشيطان الذي يشرب القهوة معنا كل صباح
يظل دائماً يحرضني كي أسألك:
«ومن هي الثانية»؟!)
في الحب تدخل المرأة منطقة اللاوزن واللاعقل.. فتسير وفق أوامر دوار البحر الغزير المسمى الحب.. تصير تحت سطوة دواماته، وأسماك قرشه.
تصبح محبوسة في أمواجه.. ومن بين الموج يأتي شيطان الحب يزرع أسئلته.
في الحب.. تصبح الحبيبة نسخة طبق الأصل من حبيبها.. وعندما تتنبه لذلك تبدأ تتعثر بالسؤال.. إنها تشبه البالارينه البديعة التي تذهل الجمهور برقصها المجنون.. لكنها تخطئ فتنظر إلى حركة قدميها.. ولا تدري أنها بفعلها هذا تربك إبداع رقصها!!
وفي الحب.. لا أتصور امرأة في الوجود تقبل أن تكون في المركز الثاني.
محطة عبور
* ليس هناك أسوأ من أناس نترك لهم مقاعد شاغرة في القلب. يدخلون إليها. يستغلون الأمكنة، يمزقون الصور الجميلة ويرموننا بالحجارة ويهربون دون أن يغلقوا الباب وارءهم.. أتمنحين الثقة لكل من دخل قلبك؟ لماذا حينما ينكسر شيء ما مع أحدهم يبقى مكانه بعد أن يخرج أوجاعا وحرائقا ورمادا يذكرنا به؟
- تعلمت منذ الجروح الأولى والصدمات الأولى.. والخيبات البكر.. أن العطاء الإنساني البحت هو الحل..
الثقة المطلقة.. غباء مطلق.. هناك من أحبابنا من يحبوننا ونثق بحبهم لكنهم يجرحوننا بسوء تصرف أو سوء تقدير.. فكيف بمن لا نعني لهم إلا محطة عبور..
في العلاقات الاجتماعية.. تحكم التقلبات البشرية أمرها أحيانا.. ويدخل ضعف النفس البشرية أحياناً في طريق العلاقة فيهدمها حَجراً حجراً.
لقد حصنت نفسي من هذه العواصف باستنادي على جبل اسمه عبدالله المبارك، وعلقت قلبي من هذه الناحية بحبل متين هو حبل التوكل على الله.. فنحن ضعفاء بلا تدبير مدبر الكون. ولا يلومنّ المغفل إلا نفسه
امرأة ذكية
* كتب ميشيل أوديار (يجب استغلال أكبر عدد من النساء الغبيات لنسيان امرأة ذكية).. أيمكن أن تكون المرأة الذكية والاستثنائية مخيفة لقلب رجل؟ أيمكن لامرأة مثل تلك.. أن ينساها الرجل بسهولة حتى إن هرب من اختلافها وعواصفها؟
- يجنون على المرأة الصادقة بوصفها بالغباء. أحيانا تنجرف الأنثى وراء رومانسيتها ومشاعرها الشفافة.. فيسمونها ساذجة، أحيانا تصدق كلاما جميلاً تسمعه.. فيسمونها غبية.. وينسون أنها ابنة تلك المرأة التي أطاعت الشيطان فأكلت من الشجرة لا طمعاً في الأكل بل بحثاً عن الخلود.. ولم تكن غبية، لكنها لم تكن تتصور أن في الجنة من يقسم بالله كذبا.
لقد اختار أوديار الذي ذكرته في بدايات سؤالك أن يتعامل مع المرأة بوصفها غبية.. ولا يدري أنه اختار بذلك أن يؤدي دور الشيطان!!
وفي كل الأحوال.. الحب الأول من امرأة مميزة وشم في القلب لا يمحوه الزمن..
لم أدر ظهري
* أتحبين "سعاد الصباح"؟ متى تشفقين عليها؟ وما هو آخر شيء طلبته منك وشعرت بأنه من الصعب جدا أن تحققيه لها فأدرت ظهرك عنها وأنت تتألمين؟
- أحبها وأخاف عليها، وأثق بها، ومن إنكار العشرة الطويلة أن أدير لها ظهري..
فالحر من راعى وداد لحظة.. لكنها طلبت مني أن أبتسم.. ومازلت أحاول.
غياب مبارك
سعاد الصباح في احدى المكتبات
* كتبت (اسعفيني بهواء من صمام الأوكسجين وخذيني في ذراعيك لأرتاح خذيني، قربيني، قبليني، عانقيني، أدفئيني).. بقي وجه ابنك "مبارك" الذي توفي في ريعان عمره عالقا في ذاكرة الأم التي أسلمت ابنها إلى التراب ليأخذه منها.. ماذا يفعل "الفقد" بأم يشتعل قلبها بحرائق رحيل قطعة من روحها؟ ذهب "مبارك" وجاء "مبارك" آخر.. هل استطاع أن يكون نصف "مبارك" الذي ودعك ورحل؟ وهل يمكن للأسماء أن تشفي قلوبنا من أوجاع الفقد وأن تواسينا؟
- مبارك الثاني هو هبة جديدة، وحب جديد.. وليس ابنا حضر ليشغل مكان ابن غاب.
مكان مبارك الأول ليس شاغراً.. بل مليء بحضوره ووجهه القمري ورائحة طفولته وضحكة عينيه.
وليس من ضرب الخيال أنني أراه كل يوم يطل من باب تهب منه نسمات الرحمة.. يبتسم لي تلك الابتسامة الرقيقة.. التي أعرفها.. ويعدني بخير وفير.
أما الأسماء.. فهي قطعاً تحمل دلالاتها وإيحاءاتها.. فمثلما أن محمد هو استحضار لوجه وحنان وألفة والدي محمد الصباح رحمه الله.. ويحمل في حياتي معنى الحمد.
فإن مبارك أيضاً هو تكرار لحضور مبارك الجد.. ومبارك الابن.. وبركة محبتهما.
حياة الأوراق
*نحب دائما الاحتفاظ بالأوراق القديمة وكأننا نخشى أن تخذلنا الذاكرة وننسى.. أي الأوراق الحياتية التي عشتها وتمنيت أن تمزقيها؟ كيف هي ذاكرة النسيان معك؟ ماذا نسيت؟ ومتى قالت لك الذاكرة "لا أستطيع أن أنسى"؟
- حقيقة لا أدري أي الحياتين أكثر وجعاً.. أهي الحياة التي نتذكرها أم هي الحياة التي ننتظرها! فالأوراق القديمة تكون أحيانا ملاذا من قسوة الواقع، وملجأ آمنا من خوف المستقبل، الأوراق القديمة ليست وسيلة تذكر بالنسبة لي.. بل هي شريكة حياة.
بيني وبين كل ورقة كتبتها صداقة عريقة لا تستحق التمزيق.
الورق حياة أخرى.. نبنيها بخيال يجيد حبك المشهد.. مثلما يصنع طفل سفينة من ورق ثم يضعها في ماء الحوض.. فترى في وجهه ابتسامة الإنجاز والمغامرة.. تلك الأكثر إشراقا من وجه كريستوفر كولومبوس وهو يكتشف أمريكا!
رجل أسطوري
* كتبت (أعرف رجلا أسطوريا، يخرج من معطفه القمح، وتخضر الأعشاب، يقرأ مابين الأهداب ويقرأ ما تحت الأهداب، ويسمع موسيقى العينين. أمشي معه، فوق الثلج، وفوق النار)... أين هو ذاك الرجل؟ ولماذا يرسم لنا العشق صورة أسطورية لحبيب قد لا يكون في الحقيقة على ذلك النحو من الجمال والشفافية؟ أهي خدعة الحب؟
- لكنني من القلة المحظوظات اللاتي عثرن على هذا الرجل الأسطوري.. رجل جاء من المستحيل.. وأخذني إلى المستحيل الجميل. لم يكن عبدا لله المبارك قصة من قصص الخيال العلمي، ولا تهويمة من تهويمات الأدب.
كان حضوراً بهيا مفاجئا، حضر مثل دعوة مستجابة.. وأخذني إلى جوار القمر..
وربما كان يكفيني منه دفء كفيه.. وبريق عينيه
لذلك قلت في إحدى القصائد:
(وماذا تريد النساء
من الحب إلا أن يكنّ بريقا جميلا بعيني مقاتل)
جناح الحرية
* كثيرة هي المصاعب التي تعيشها المرأة الخليجية خاصة.. نحيا ونحن مثقلون بأشياء لا نحسن أن نفعلها كما نرغب وربما نبدي ما يرغب الآخرون أن نظهره حتى إن لم نكن نرغب به.. أين أنت الآن من كل تلك الدائرة.. في داخلها أم خارجها أم فوقها؟ وكيف هو شكل الحرية لديك؟
- ليس لدي ما أعانيه في هذا الجانب، لكني اخترت أن أكون صوت المقموعات..
منذ الطفولة أطلقني والدي في فضاء الحرية، وترك لجناحيّ فرصة التحليق الحر..
تعرضت لرصاص القناصين وحجارة العابرين.. وكنت في الأعلى يسمعون صوتي:
(وإن جرّحوني..
فإن أجمل مافي الكون.. غزالٌ جريح)
الحرية عندي منهج حياة
أهداها لي أبي
عززها بداخلي شريك عمري
وأعطيتها لأولادي..
مجهول الحب
* غنت نوال الكويتية (غبت عني، والشوق جابك، عمري الغايب هلا بك.. يا مسا الأشواق يا روحي.. الهوى يسأل جروحي.. غبت وين الناس. قل لي.. أنت وينك. حبي وينك.. الهوى مشتاق) أتملك المرأة قلبا مفتوحاً يجعلها تغفر قسوة الرجل الذي تحب حتى حينما يهجرها "لتقول له" عمري الغايب هلا بك؟ لمن تقولي غبت عني والشوق جابك؟
- في الشعر قد يكون المرء نقيضه، وقد يكتب حالتين متضادتين إحساساً وتجربة.
فما (ننشد الشعر إلا تداويا) كما عبر عن ذلك المجنون العربي قيس الذي علمني معنى الحب وتجليات العشق.
الحب إعصار عنيف يطيح بالمنطق ويكسر مجاديف البحار.. كي يستسلم للموج يذهب به إلى المجهول.. الحب أن تكون رقيقاً وعنيفاً.. عنيداً ومطيعاً، ممتناً ومحتجّاً ولا عجب أن تري العاشقة تفرح لعودة الحبيب.. وفي اللحظة التي يفتر ثغرها عن ابتسامة تشعر بطعم دمعة مالحة تحدرت من عينيها.
عشق الأمومة
* ليس للإنسان أن يفصح عن اشتعالات قلبه وأشواقه، كل شيء في العاشق، حين يكون في العاصفة، ينضح بالحب والحنين، عيناه المليئتان بحزن الشوق، صمته النبيل، ارتعاشة الوجد في كلماته المتناثرة.. هل تؤمنين أن للعشق علامات لا تخطئها العين؟ أم أننا نغالي كثيرا في وصف ما نتمنى ونحلم أن يكون؟
- سأجيبك بقصيدة أهديها لك وللأحبة قارئي زاويتك في جريدة الرياض:
طالما طَرَحْتُ على نَفْسي أسئلةً طُفُوليَّةً لاجَوابَ لها: هل أنا حبيبتُكْ؟ أم أنا أمُّكْ؟ هل أنا مليكتُكْ؟ أم أنا مملوكتُكْ؟ هل أنا أنا؟ أم أنا أنت؟؟
إنَّ الأمُومَة في داخِلي تطغَى على جميع العواطفِ الُأخرى فلماذا أخافُ عليكَ كلَّ هذا الخوفْ؟ لماذا أَمُدُّ يدي بحركةٍ تلقائيَّةْ؟ لوضعِ شال ِ الصّوفِ على رقبَتِكْ.. وإقفالِ أزرارِ معطفِكَ الجلديّ.. قبل أن تخرجَ إلى الشارعْ؟
لماذا كلَّما ذهبتُ إلى "خانِ الخليليّ" أشتري لكَ كلَّ التعاويذِ الفرعَوْنيَّةْ وكلَّ الحجاباتِ الشَّعبيّةْ.. التي ترُدُّ عَنْكَ زَمْهريرَ الشتاءْ.. وصقيعَ الأعينِ الزّرقاءْ؟..
إن إحساسَ الأمومةِ نحوك دفعني إلى ارتكاب حَماقاتٍ لا تتناسبُ مع وقاَري ففي بعض لحظاتِ التجلِّي يخطرُ لي أن أقصَّ لكَ أظافرَكْ... وفي بعض لحظاتِ الوَلَهْ يخطرُ لي أن أجَفِّفَ شعْرَكْ وأنتَ بين يَدَيَّ.. مُسْتَسْلِمٌ كحمامَةْ..
وفي بعض لَحَظَاتِ الانخطافْ أحملُ لك زجاجةَ "الشامبُو".. وأنْتَظِرْ.. حتى أعطِيَكَ الشُّعورْ بأنّكَ أحدُ الأباطِرَةْ..
وفي بعض لَحَظاتِ الجُنونْ يخطُرُ لي أن أقبِّلك َووجهكَ مغطَّى بصابون الحلاقَةْ.. وفي بعض لحظات الواقعيَّةِ الاشتراكيةْ أستعملُ معجونَ أسنانكَ.. حتى أُشْعِرَ كَأن فمي وفمَكْ.. مزرعةٌٌ تعاونيّة واحدةْ...
أيُّها الديكتاتورُ الصّغيرْ الذي يستعملُ بذكاءٍ حَناني.. ونِقاطَ ضَعفِْي. أيها الطفلُ السادِيُّ الذي يلعبُ بأعصابي. كما يلعبُ بطيّارةٍ من وَرَقْ..
أيُّها الطفل ُ الفوضويُّ الذي عذَّبني كثيراً وأسعَدَني كثيراً إنني لن أعاقبَكْ على الأواني التي كَسَرْتَها.. وعلى الستائر التي أحْرَقْتَها.. وعلى قطَّةِ البيت التي خَنَقْتَها.. إنني لا ألومُكَ على كُلِّ هذا الخراب الجميلْ الذي أحدثتَهُ في حياَتي ولكنَّني.. ألومُ أمومَتي!!!
عبير والسر
* ما هو السر الذي لم تقوليه يوما لأحد؟
- اقتربي مني قليلاً ياعبير.
هات أذنك.. (......)
لا تخبري أحداً بهذا السر!!
سعاد الصباح مع والدها في أواخر الخمسينيات
سعاد الصباح في مكتبها
سعاد الصباح إلى جانب صورة لأسرتها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.