استدعى الرئيس الفرنسي وزير التعليم في بلاده ليناقش ما أسموه أزمة وطنية حيث لم تتواجد في قائمة أقوى 100 جامعة عالمية سوى جامعتين فرنسيتين فقط عند صدور النسخة الأولى من تصنيف شانغهاي للجامعات عام 2003م. ويالها من أزمة!! وبالطبع لم يهدأ بال الفرنجة حتى دخلت أربع جامعات فرنسية في نادي المائة الكبار في السنوات التالية. ولكن ما الذي تهدف إليه دولة صناعية مثل فرنسا من الاهتمام الكبير بالجامعات وتصنيفها؟ بحثا عن الإجابة نبحر إلى أرض الإغريق حيث يروي السيد كيريموتو مدير جامعة ناجويا للتجارة والأعمال اليابانية عن زيارته لثاني أقوى جامعة في اليونان عام 2011م ليلتقي إدارتها ويلقي فيها محاضرة. وفوجىء بأن طلبة الجامعة اليونانية ثائرون ويتظاهرون وقاموا باحتلال حرم الجامعة ومنع إدارتها من الدخول وتداعيات الأزمة الاقتصادية هناك في أشدها مما اضطر مدير الجامعة اليونانية ليلتقيه في مكتبه المؤقت خارج الحرم الجامعي. والأدهى من ذلك ما وجده من كتابات على جدران الجامعة وتهشيم لزجاجها ومعداتها من الطلاب مما دعا السيد كيريموتو لأن يصل إلى قناعة بأن بلدا هكذا جامعاته من سابع المستحيلات أن ينهض ويتعافى من أزمته الاقتصادية... وننتقل إلى أرض الرومان ونعود بالزمن إلى وقت الحرب العالمية الثانية حين صرخ المسؤولون الإيطاليون في وجه رئيس الوزراء "سيدي.. لقد قصفت روما!!". فما كان من رئيس الوزراء إلا أن سأل بهدوء قائلا: "وكيف هي الجامعات؟" فلما أخبره مساعدوه أنها بخير ولم تتضرر من القصف تبسم رئيس الوزراء قائلا: "إذاً ستعود روما من جديد!!". وللأمانة العلمية فرغم عدم تمكني من التأكد من صحة هذه الرواية من مرجع علمي رصين وهل حصلت في إيطاليا أم بلد أوروبي آخر، فلا يمنع ذلك من الاستئناس بها في هذا المقام. وبالنظر إلى تجربة بلاد الساموراي ففي التاريخ الياباني وبعد أربعة قرون من العزلة عن العالم في عصر إيدو جاءت نهضة ميجي، في الفترة منذ سبتمبر 1868م إلى يوليو 1912م، لتشهد انفتاح اليابان على العلوم والمعارف من العالم وإنشاء الكثير من جامعات اليابان التي عملت كموصلات للتقنية والمعارف الغربية إلى القطاعات الحكومية والصناعية والمجتمع الياباني وكانت أحد ركائز نهضة ميجي التي بنت عليها اليابان قوتها العلمية والتقنية ومهدت للمعجزة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية. وإلى هذا اليوم تطلق وزارة التعليم والعلوم اليابانية مبادراتها لتطوير منظومة التعليم العالي ومعالجة مشكلاتها. وللجامعات دورها في صراعات القوى العظمى حيث يعلق روس روبرت في بحثه حول توازن القوى في شرق آسيا بأن الصين إذا أرادت أن تسد الفجوة بينها وبين القوة العظمى الأمريكية فعليها بناء منظومة تقنية وطنية قادرة على تصنيع المنتجات الصناعية دون اعتماد على الاستثمارات الخارجية الأجنبية التي ستتيح للولايات المتحدة التحكم بها تكنولوجيا في الصيانة والتحديث. ونجد أن الصين تسعى الآن لتطوير هذه القاعدة العلمية الوطنية حيث كان أحد نتائج ذلك قرار الرئيس الصيني عام 1998م بوجوب تطوير عدد من الجامعات الصينية لتكون على أعلى المستويات العالمية ضمن نتائج المشروع الوطني 985 فكان البدء في إصدار تصنيف شنغهاي جياو تونج للجامعات سنويا من عام 2003م لمعرفة موقع الجامعات الصينية عالمياً ونقاط القوة والضعف بها. صحيح أن التصنيفات لا يجب أن تكون بذاتها هدفاً فالجامعات لديها إسهاماتها المهمة في التعليم وإعداد الموارد البشرية المؤهلة لسوق العمل والأبحاث والخدمة المجتمعية. ومع هذا فلا يجب أن نتجاهل أهمية موقع الجامعات في التصنيفات العالمية والتي يرتبط بعضها باقتصادات الدول وقدرتها على جذب أعداد أكبر من الطلبة الأجانب وأموالهم واستقطاب العقول والكفاءات ومن ثم الاستثمارات الصناعية ورفع القدرة التنافسية للبلد ومؤسساته. ولكن ترى ماذا عن جامعاتنا في المملكة والعالمين العربي والإسلامي؟ حقيقة أثار اهتمامي مطالعتي لمقالات تناقش مشكلة غياب الجامعات السعودية في تصنيف شانغهاي العالمي عن قائمة أقوى 100 جامعة لهذا العام 2013م، وتندب واقعنا الأليم وتشتكي إلى الله!! وتذكرت صيف عام 2006م عندما تناولت أعمدة الصحف وتداول المجتمع مشكلة عدم وجود جامعة سعودية واحدة في التصنيفات العالمية. واليوم بعد سبع سنوات أصبح لدينا أربع جامعات ضمن أقوى 500 جامعة عالمية في تصنيف شانغهاي بينما لا تمتلك دول مثل روسيا والهند) سوى جامعتين لكل منهما وجامعة واحدة فقط لكل من تركيا وإيران ومصر وماليزيا. أعلم تماما أن البعض سيستوقفني قائلا: ألا ترى إسرائيل ذلك الكيان الصغير ولديه سبع جامعات في تصنيف شانغهاي وتريدنا أن نفرح بجامعاتنا العربية الخمسة؟ أقول لهؤلاء أنه لا بد من الإشارة هنا إلى طبيعة التحدي الذي كان يواجه دول العالم العربي والإسلامي والتي عاني عدد غير قليل منها من الاستعمار الأجنبي ومن مشاكل انتشار الأمية، فكانت الأولوية موجهة لبناء الوعي التعليمي في الكثير من هذه الدول. وفي المقابل وعند النظر إلى تاريخ أقدم جامعة إسرائيلية وهي الجامعة العبرية في القدس، والتي تقع ضمن أقوى مائة جامعة في العالم في عدة تصنيفات وخرجت عددا من حملة جائزة نوبل، فنجد أن فكرة تأسيسها طرحت في المؤتمر الصهيوني الأول في 1897م ليقام حفل وضع حجر الأساس للجامعة بعد عام من احتلال القدس من البريطانيين عام 1918م ويتم افتتاحها عام 1925م أي قبل إعلان إنشاء إسرائيل بحوالي ربع قرن. وبدأت تلك الجامعة بثلاث معاهد كان اثنان منها في تخصصات علمية تتمثل في معهد الميكروبيولوجيا ومعهد الكيمياء حيث قامت الجامعة بدعم ومساندة من الكثير العلماء والباحثين اليهود في الغرب وفي مقدمتهم إسحاق نيوتن. في ذلك الوقت كانت الكثير من مجتمعاتنا ترزح في ظلام الأمية ولم تكن هنالك جامعات أصلاً في عدد غير قليل من الدول العربية والإسلامية. وبلغة الأرقام فمنذ عام 2003 إلى عام 2013م وإسرائيل لا تمتلك سوى سبعة جامعات في تصنيف شانغهاي دون زيادة أما المملكة وحدها فقفزت من صفر إلى أربع جامعات خلال الفترة نفسها, وإذا ما فكرنا كعالم عربي فالعدد يصل إلى خمسة!! وأرى أن دخول جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والتي تأسست عام 2009م، في تصنيف متقدم هذا العام على جامعة حيفا والتي تأسست عام 1963م وعلى جامعة طهران التي تأسست عام 1934م مؤشر للصعود السريع الذي نعيشه والمستقبل المنير الذي نرومه بإذن الله. ومع ذلك فأهم مايعنينا هو كم تطورنا نحن وكيف تحسن أداؤنا مقارنة بأعوام مضت سواء للجامعات وبقية القطاعات فنهضة الأمم تبدأ بالتعليم ولكن لا تكتمل دون وجود قطاع صناعي قوي وقطاع حكومي داعم وبنية تحتية متطورة وإعلام مهني ومجتمعات واعية. وبينما كنا نشكو قبل بضع سنوات من عدم وجود مراكز تميز بحثي في الجامعات السعودية نناقش الآن كيف ننقل نتائج أبحاث براءات اختراع هذه المراكز نحو منتجات صناعية وتقنية؟ وأخيرا، يقول سان تسو الحكيم والجنرال الصيني في كتابه فن الحرب بأن الهدف الاستراتيجي الثابت في المواقف التنافسية ليس هزيمة المنافسين ولا التقدم عليهم ولا الاستمرار في الصراع بل إن المهم هو بناء مركزك والتقدم به. إن أهم خصم يجب أن ننتصر عليه هو النظرة التشاؤمية وثقافة الهزيمة في داخل الكثير من أبناء وطننا وأمتنا. فلنكن واقعيين ومتفائلين فنحن نتقدم وجامعاتنا تتقدم وطموحاتنا تكبر وكما يقول المثل فالمسافة من صفر إلى واحد أطول من المسافة من واحد إلى ألف!!