سره جارتنا والصديقة الأثيرة لعائلتنا.. ولا أدري من أرضعت من اخوتي مع أولادها وبناتها.. لكنا نناديها.. أمي سره دون بقية نساء الحارة اللواتي هن: خالتي فلانة.. وخالتي زعطانة!! والأيام لا تمضي إلا وهم في بيتنا أو نكون في بيتهم.. رغم المعارك شبه اليومية التي تدور بيني وبين ابنها سلطان الذي يكبرني بعام الا أننا نكاد نكون أصدقاء.. أمي سره كائن غريب عجيب بعين رجال ونساء الحارة. لا يمكن ان تلتقي في حياتك بمن يجاريها في خفة دمها ومرحها وطيبة قلبها.. كل ليلة من آذان العشاء حتى يعود زوجها من عمله الليلي.. يقتلنا الضحك من عذوبة حديثها. لكن بالرغم من أنها تنتقد عادات ومواقف رجال ونساء الحارة بطريقة مرحة لاذعة.. إلا انك لن تسمع ان هناك من غضب منها. لديها القدرة على تحويل أكثر الأحداث مأساوية إلى حالة تقتل من الضحك. كما أنها قادرة على إعادة سرد أية حكاية ولو مئة مرة بطرق مختلفة لا تخل بالأحداث لكنك لن تتوقف عن الضحك. عادة إذا تحدثت عن زوجها أو أي رجل مهما كان رفيع المقام، فإنها تنعته ب «المليح» كأن تقول: قام المليح.. راح المليح.. جاء المليح وإذا تحدثت عن نفسها أو عن أي أنثى تقول: المليحة رقصت.. المليحة طبخت.. المليحة ماجاها نوم. جعبتها من الحديث لا تفرغ أبداً.. رغم ذلك فهي مستمعة جيدة.. لكن استماعها من ذلك النوع الذي تصطاد منه طرفة أو حكاية.. أو حتى مفتاحا لحكاية تأكل (الجو) وتسرق أي حديث.. كما أنها كثيرة المفاجآت كأن تدخل عليك، ثم تلقي عباءتها لتكتشف عن الثوب الذي ترتديه.. فتجد ان ليس سوى أسوأ ملابس زوجها وأكثرها اضحاكاً.. وسط الضحك والهيصة التي تثيرها تجلس دون اهتمام وتقول: شوفوا أيش يلبس المليح!! قد تدخل وفي يدها دلة قهوة.. لكن ما ان تصب منها حتى تجد ان ما سأل إلى فنجانك شربة عدس.. أو «توت» أو «سنكويك». في منزلها قد تقدم لك أي نوع من الحلوى التي صنعتها. ما ان تتذوقها حتى تجد أنها وضعت الملح بدلاً من السكر.. بعد الامتعاض المستنكر للطعم النقيض.. تتجه إلى أمي قائلة: سكرنا خلص يا مليحة أما إذا دخلت علينا واصلة من السوق لتوها فتفتح «قفة» المقاضي لتخرج منها حزمة «برسيم» العلف المفضل للأغنام.. تنثرها علينا.. وتقول: هاكم يا حبايب.. حلو.. الغنم أحسن منكم!! أما بعد ان وصلت للطائف الثعابين البلاستيكية.. فلا توجد امرأة في الحارة لم تذق طعم رعب الحيل التي مارستها حتى زوجها في مجال الرجال يقفز من الرعب بعد ان يدخل يده جيب الثوب يجد أنها وضعت أحد تلك الثعابين بين طيات منديل القماش الذي يحرص على وجوده في جيبه.. تسمعها تقول: ونقفز المليح وسط المجلس.. ونثر المسخوط طاح في عب المليح خير الله ونثره.. وتناقز الملاح وقالوا (حسبي الله عليك يا بنت بن عايض حسبي الله عليك). بعد ان يهدأ الضحك.. تكمل قائلة: اسكتوا ذاك النهار أرسلت لبيت بخيت صحن رز وحطيت المليح تحت اللحم.. وصل صياحهم لسابع بيت. تكمل حكاية زوجها: جاني المليح زعلان.. قال: «فشلتيني» قالت يا مليح اسكت ترى ما يتعبني في الغسيل الا مناديل مخاطبتك. قد تتذكر ما حدث في زواج بنت اختها بنوع من خيبة الأمل وتقول: ما حد فشلني غير الملعونة مليحة الملحان.. خليتها حايسة مع الحريم وطلعت ومحد شافني.. وقد بقشة مرة من خالص في البيت فكيت البقشة لقيتها ما قصرت حطت لي ثوب من ثيابه الوسيعة المخبخبة وعمامة وكوت وعباه بيدي.. ولبست واللي عليه بالخير.. وبالفحم رسمت لحية وشارب وسريت لهم. ما شافوني الا وأنا بين الحريم وسط الحوش.. وما كملوا صرخة صرختين الا والمليحة جات وهي تصرخ: لا يا سره.. لا يا سره.. وجهه الله عليك.. لا. يوم وجهتني بالله.. رميت العمامة وقلت الله يخزيك من يوم يومي محد كاسر شوكتي غيرك.. وضربت الصوت بذيك الزغروطة اللي صحت السكون والجن.. وقال الطار هاك ورقصت بثياب بن خالص.. اللين طحت بعد ذاك الرقص ثلاثة أيام مقدر انصب طولي.. ويوم ولدت بنتها سرقت الولد وسريت.. قاموا يتصايحوا.. ها.. اش فيه.. قالوا الولد موفي الهندول.. قالت لا تخافوا تراه بخير وعافية عند خالتكم سره.