نظر إلى ابنه ذي السنة الواحدة، وهو يتحرك ويعبث باللعب التي بين يديه، فأخذته لحظة إشفاق وخوف، وقال في رحمة وألم: من أنت يا بني ..؟ وكيف ستكون حياتك ..؟ كيف ستكون أيامك ولياليك في مستقبل أيام هذا الزمن المرعب ..؟ أما أنا فأعرف من أنا. قدري أن أعيش ما عشته، وأن أرى ما رأيته وأن أكابد ما كابدته .. ولم يعد مهماً ماذا سيحدث. فالشجرة حين تكبر وتبدأ في الإثمار فقد تحددت جغرافية أغصانها وتحدد قدرها. فهي شجرة ربما تعصف بها الريح وربما تجتثها فأس حطاب.. وقد تقاوم كل ذلك حتى ترتعد عروقها وتصيبها رعشة الموت والفناء. لكن هذا المتعثر في خطواته ولسانه من هو؟! هل سيكون ابني كما يكون الأبناء مع آبائهم..؟ ابن من سيكون في الحقيقة ؟ هل هو ابن العولمة؟ وما هي العولمة في النهاية؟ وكيف سيكون أبناؤها؟ بأي لغة سيتحدث؟ أبلغتي أم بلغة الأقوياء؟ بلغة أهل المال أم بلغة أهل السلاح؟ هل سيذهب إلى الجامعة؟ وهل سيكون هناك جامعات؟ هل سيذهب إلى العمل.. وأي عمل سيذهب إليه؟ هل سيكون العمل داخل بيته عبر وسائل الاتصال المذهلة ؟ هل سيكون له بيت؟ وكيف هو شكل هذا البيت؟ هل ستكون له زوجة؟ هل سيكون هناك اجتماع وألفه ووقت للسعادة والإنجاب ؟ هل سيكون بيته ملكاً أم مستأجراً، أم غرفة في شبكة من مباني الشركات؟ وهل سيكون فوق الأرض أم في أعماق البحر..؟ أم في كوكب آخر ؟ من الذي سيتولى فعلاً تحديد مسيرته، والدنيا ملأى بهذه الصراعات والصرعات، والمتناقضات والثقافات المتباينة المختلفة، واللغات المتفجرة في كل اتجاه؟ والقنابل والرؤوس المتفجرة، والغازات السامة، والدماء المتدفقة، والجثث المهروسة، في الشوارع، وعلى الأرصفة، والميادين.. هل سوف يستوعب عقله كل ذلك؟ كيف سيتابع عالمه المحموم المجنون المتلاحق المتسارع بشكل مذهل مفزع مرعب؟ أي الأفلام وأي المسلسلات، والأغاني ونشرات الأخبار، والأحاديث، والبرامج سيسمع وسيتابع؟ هل سوف يمتلك عقلاً يتحمل ذلك كله؟ كيف سيتنقل في هذه الدنيا ..؟ عبر السيارة؟ وأي نوع من السيارات سوف يستعمل؟ هل سيستعمل القطار؟ وهل القطار سيسير على قضبان فوق الأرض، أم داخل الأرض أم سيكون معلقاً بخيوط بين السماء والأرض؟ ما شكل الطائرة التي سوف يستقلها.. هل هي صاروخ سيقذفه من مكان يعبر حدود الجاذبية فإذا به في بضع دقائق منتقلاً من شرق الأرض إلى غربها.. وهل سينتقل عبر الكواكب كما ننتقل اليوم إلى القرى بواسطة القطار والسيارة؟ أي عملة سوف يستعمل ابني ذو السنة الواحدة واللثغة غير الواضحة حينما يشب ويدخل معترك الحياة؟ وأي جهاز اتصال سوف يستعمل.. هل سيتحدث في الهواء ليسمعه صديقه في أقصى الأرض بلا جهاز محمول أو منقول أو مشحون.. أي أنه سيستعمل خطوطاً في عقله تغنيه عن كل وسائل الاتصال! وتحت أي قانون ونظام سوف يسير؟ وأي هوية سيحمل؟ ما هو الرقم المتسلسل الذي سيحدد جنسيته وشكله وملامحه..؟ ثم ماذا سيأكل ويشرب؟ هل سيأكل اللحم الطري والفاكهة الطازجة أم سيأخذ حبة ستغنيه لمدة عام عن الطعام؟ وماذا سيشرب؟ هل سيتجرع الماء والشراب المساغ أم سيأخذ حقنة تحميه من العطش لمدة عام؟ وإذا مرض فماذا يفعل؟ هل يذهب إلى الطبيب أم أن هناك مستودعاً للأدوية والأعضاء بكل المقاييس والمواصفات أنتجتها مزارع "الاستنساخ" فيذهب في بضع دقائق لاستبدالها والعودة إلى السير في الطريق تماماً كما تستبدل قطعة في سيارة؟ لست أدري ماذا سيحدث فقد انفلت الزمام وصارت الصناعة الهوجاء هي التي تعبث بالإنسان وتسير به وفق ما اتفق. المؤكد أن أشياءً مثيرة ستحدث وأنها فوق طاقة العقل، وفوق قدرة الإنسان وأن الأجيال القادمة ستعيش في مصح عقلي ضخم اسمه الأرض المختلة..