قامت حكومة هذا الوطن العزيز قبل عدة سنوات بتشجيع الزراعة وأنشأت تعضيدا لذلك البنك الزراعي الذي كان ولا يزال يقدم القروض الزراعية بدون فوائد وقدمت وزارة الزراعة والمياه آنذاك الأراضي مجاناً دعماً للزراعة وتنشيطاً للمنتج الزراعي فحققت المملكة اكتفاء ذاتياً في كثير من المنتجات الزراعية وعلى رأسها القمح والتمور التي كانت المملكة تفاخر بأنها من دول العالم المصدرة لها.. ثم جاءت تحذيرات المتخصصين «وغير المتخصصين» وبعض الهيئات العالمية للمملكة من أن سياستها الزراعية ستؤدي إلى جفاف الأرض وانعدام المياه الجوفية!! وعلى الرغم من أن عدداً من المتخصصين أيضاً أشاروا إلى عدم صحة ذلك أو عدم دقته على الأقل إلا أن سياستنا الزراعية قد بدأت بالتلاشي حتى جاءت مرحلة إيقاف زراعة القمح الذي يعتبر المكون الأساسي للغذاء فأصبحنا نستورد القمح وأصبحت الدول المصدرة له تتحكم بغذائنا بل ربما تحرمنا منه يوما من الأيام!! ولعل في إشكالية القمح الروسي قبل عدة أعوام أكبر دليل على ما يمكن أن يسببه اللجوء إلى استيراد مادة أساسية ومكون رئيسي للغذاء المحلي.. ثم جاءت طامة جديدة قرأت عنها قبل عدة أيام في الصحافة المحلية تشير إلى أن مشروعا تم رفعه من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون وتتولى جامعة الملك عبدالعزيز العمل عليه يتمثل في إعداد استراتيجية للمياه يتم العمل بها وتسعى تلك الاستراتيجية للحفاظ على منابع المياه من خلال إيقاف كثير من السلع الزراعية المستهلكة للمياه كالقمح والأعلاف إضافة إلى الحد من التوسع في زراعة التمور.. وبقدر ابتهاجي بالعمل على مثل هذه الاستراتيجية التي يمكن أن تساهم في الحد من استنزاف المياه إلا أنني كنت أتمنى أن تغوص الاستراتيجية في عمليات الاستنزاف وكيف تتم وما الطرق المناسبة لاستمرار الزراعة مع وقف الاستنزاف «الهدر في استخدام المياه» بدلاً من الحل الذي لا يحتاج لاستراتيجيات أو اجتماعات أو تفكير والمتمثل في إيقاف أو الحد من زراعة عنصر غذائي مهم للمواطن ومصدر اقتصادي للوطن!! أتفق مع من يقول بأهمية معالجة وضع زراعة الأعلاف لما تستهلكه من مياه ضخمة لكنني أعتقد «جازما» أن بإمكان كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للأمن الغذائي بجامعة الملك سعود مثلا وهو كرسي علمي يلامس قضية استراتيجية وطنية قادر على أن يجري الدراسات والأبحاث وربما الابتكارات التي تمكننا من مواصلة زراعة القمح والتوسع في زراعة التمور دون إخلال بالمخزون المائي .. كما تمنى من الجهات المعنية بالشأن المالي دراسة وإيضاح حالة المياه بالمملكة وهل هي فعلا مياه جارية تستفيد منها المملكة أو تنصرف مباشرة إلى البحر؟! وهل يوجد لدينا بحيرات مائية تحت الأرض مثلا ... وغيرها من التساؤلات المقلقة حول أمننا المائي والغذائي .. كما أنني سبق أن قرأت عن تجربة مميزة لإحدى المزارع بالمملكة التي استخدمت أسلوب التقطير في زراعة التمور الأمر الذي يقلل استهلاك الماء دون إضرار بالمنتج .. فهل نلمس شيئا عمليا فاعلا أم نظل نبحث عن الأسهل الأكثر ضرر على أمننا الغذائي .. ودمتم