استقرار سعر الدولار    جمعية رؤية تختتم برنامج الإلقاء والخطابة للأطفال ذوي الإعاقة 2025    الهوية السعودية بين الموروث والثقافة السعودية في جلسة حوارية ضمن مبادرة الشريك الأدبي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق مؤتمر ومعرض الحج 1447    قوات الاحتلال تواصل اقتحامها للمدن والبلدات الفلسطينية    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًّا بمؤتمر ومعرض الحج 2025    تحت رعاية ولي العهد.. تدشين النسخة الافتتاحية من منتدى «TOURISE»    ارتفاع تحويلات الأجانب    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    ويتكوف وكوشنر اليوم في إسرائيل.. تحرك أمريكي لبحث أزمة مقاتلي حماس في رفح    شجار زوجين يؤخر إقلاع طائرة    إسلام آباد تبدي استعدادها لاستئناف الحوار مع كابل    بعد ختام ثامن جولات «يلو».. العلا يواصل الصدارة.. والوحدة يحقق انتصاره الأول    استعداداً لوديتي ساحل العاج والجزائر قبل خوض كأس العرب.. لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة    عبر 11 لعبة عالمية.. SEF أرينا تحتضن البطولة الكبرى للدوري السعودي للرياضات الإلكترونية    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    لص يقطع أصبع مسنة لسرقة خاتمها    هيئة «الشورى» تحيل 16 موضوعاً لجلسات المجلس    الرياض تعيد اختراع الإدارة المحلية: من البلديات التقليدية إلى المدينة الذكية    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج 2025.. جهود ومبادرات أمنية وإنسانية لخدمة ضيوف الرحمن    «إثراء» يستعرض المشهد الإبداعي في دبي    مغنية افتراضية توقع عقداً ب 3 ملايين دولار    استثمار الإنسان وتنمية قدراته.. سماي: مليون مواطن ممكنون في الذكاء الاصطناعي    العلاقة الطيبة بين الزوجين.. استقرار للأسرة والحياة    مطوفي حجاج الدول العربية شريكاً إستراتيجياً لمؤتمر ومعرض الحج 2025    النوم بعد الساعة 11 مساء يرفع خطر النوبات    المقارنة الاجتماعية.. سارقة «الفرح»    «الغذاء والدواء»: إحباط دخول 239 طناً من الأغذية الفاسدة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    العُيون يتصدر دوري أندية الأحساء    الاتفاق بطلاً للمصارعة    في الشباك    غزة بين هدنة هشة وأزمة خانقة.. القيود الإسرائيلية تفاقم المعاناة الإنسانية    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    هيبة الصقور    القبض على مروجين في جازان    مستشفى الملك فهد بالمدينة صديق للتوحد    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تحقق 37 ألف ساعة تطوعية    تناولوا الزنجبيل بحذر!    تعزيز تكامل نموذج الرعاية الصحية الحديث    15 شركة صحية صغيرة ومتوسطة تدخل السوق الموازي    انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8" في الأسطول الغربي    على وجه الغروب وجوك الهادي تأمل يا وسيع العرف واذكر الأعوام    معجم الكائنات الخرافية    الأهلي يتوج بالسوبر المصري للمرة ال 16 في تاريخه    فيفا يُعلن إيقاف قيد نادي الشباب    82 مدرسة تتميز في جازان    الشرع في البيت الأبيض: أولوية سوريا رفع قانون قيصر    هدنة غزة بوادر انفراج تصطدم بمخاوف انتكاس    وزير الحج: موسم الحج الماضي كان الأفضل خلال 50 عاما    أمير تبوك يشيد بحصول إمارة المنطقة على المركز الأول على مستوى إمارات المناطق في المملكة في قياس التحول الرقمي    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستشفى «شهار».. عالم آخر من النسيان!
أرواح المرضى معلقة على «حبل غسيل» ينتظرون فرج السماء
نشر في الرياض يوم 21 - 06 - 2013

تمَّ إنشاء أوَّل مَصحةٍ للأمراض العقليَّة مع بداية الستينيات الهجرية بالطائف، أيّ قبل أكثر من (70) عاماً خلت، وقد أُطلق عليها قديماً اسم "المارستان"، وكان يُشرف عليها آنذاك طبيب نفسي وزوجته الممرضة، وكان لها فرعان أحدهما بِمحلة "جياد" في "مكة المكرمة"، والآخر في "القباني" بالمدعى، قبل أن يتم نقله لمدينة "الطائف" بمنزل مبني من الحجر بحيّ "قروى"، ثمَّ إلى مبنى آخر بحيّ "الشرقية" بجبل "البازم"، ثمَّ إلى حيّ "الفيصليّة" في منزل "القزاز"، ثمَّ أُنشئ بعدها "مستشفى الأمراض النفسية والعقلية" بمدينة "الطائف" عام (1378ه)، حيث تمَّ بناؤه في ذلك الوقت على أحدث طراز من المباني المسلحة، وتمَّ تجهيزه بالآلات والمعدات الطبيَّة، وبعد عام من إنشائه استقدمت "وزارة الصحة" -للمرة الأولى- أخصائيين للأمراض النفسيَّة؛ لرعاية المرضى النفسيين، قَبل أن يفتتح الملك سعود -رحمه الله- المستشفى رسمياً في (2/3/1383ه) كأوَّل مستشفى للأمراض النفسيَّة والعقليَّة بالمملكة، بسعة (750) سريراً في حي "شهار"، وأُطلق عليه اسم "مستشفى شهار"، وكانت تحيط به الأراضي الشاسعة والبساتين اليانعة، وعُيِّن "د. عبد الرءوف ثابت" أوَّل مدير له، قبل أن تُوكل المُهمَّة بعد ذلك ل"د.أسامة الراضي".
د.جلال: أسر ترفض استلام أبنائها المتعافين نسبياً ولا تمنح فرصة لاستقبال «المزمنين»
"الرياض" زارت هذا الصرح الطبي الشامخ الذي أنشأته الحكومة الرشيدة لخدمة العديد من المواطنين والمقيمين من المُصابين ببعض الأمراض النفسيَّة، فكانت الحصيلة التالية:
د. جلال متحدثاً للزميل أحمد الزهراني عدسة: سعد الشهري
أكبر مستشفى
في البداية قال "د. جلال مقصود" -مدير مستشفى الأمراض النفسية بالطائف-:"أُنشئ المستشفى قبل أكثر من نصف قرن، كأكبر مستشفى للصِّحَة النفسيِّة بالمملكة، ومنطقة الشرق الأوسط"، مُضيفاً أنَّه يتم فيه تقديم الخدمات العلاجيَّة والتدريبيَّة والترفيهيَّة للنزلاء، مُوضحاً أنَّه كان يتم حجزهم قديماً في أماكن مغلقة مُقيَّدين بالسلاسل؛ بهدف حماية المجتمع من خطرهم، قبل أن يُقيَّض الله -عزَّ وجل- لهذه البلاد حكومةً اهتمت بجميع فئاته، ومنهم المرضى النفسيون، مُشيراً إلى أنَّ "وزارة الصحة" دعمت هذا المرفق الهام بالإمكانات والتجهيزات الطبيَّة، إلى جانب تزويده بنُخبةٍ من الكوادر الطبيَّة والتمريضيَّة، وغيرهم من الفئات الأخرى، لافتاً إلى أنَّه تمت إعادة تسمية المُستشفى إلى مُسمَّاه الحالي في العام (1403ه)، مُبيِّناً أنَّ عدد المراجعين للمستشفى بلغ حوالي (150) ألف مريض، كما بلغ عدد الملفات الطبية للمرضى المنتظمين بالمستشفى حوالي (41) ألف ملف، فيما بلغ عدد الملفات المؤقتة للمرضى الذين راجعوا المستشفى لفترات محدودة ( 2869 ) ملفاً، إلى جانب وجود قرابة (70) ألف ملف من الملفات القديمة غير المُفعَّلة.
واجهة مبنى مستشفى الصحة النفسية بالطائف «شهار»
وأضاف أنَّ سعة المستشفى الفعليَّة تبلغ حالياً (690) سريراً، مُوضحاً أنَّها مشغولة بصفة دائمة؛ نظراً للزيادة المُطَّرِدة في أعداد المراجعين، إلى جانب وجود العديد من المرضى ذوي الإقامة الطويلة مِمَّن تركهم ذويهم دون سعيٍ لإخراجهم منه، مُشيراً إلى أنَّه من الممكن حل هذه المُشكلة عقب الانتهاء من المستشفى الجديد المُزمع إنشاؤه بمنطقة "سيسد" بسعة تقديريَّة بلغت (500) سرير، منها (250) سريراً تمَّ تخصيصها لعلاج حالات الإدمان، لافتاً إلى أنَّه ستتم الإفادة من المبنى الحالي كدار نقاهة وتأهيل للمرضى المزمنين، وباقي الأمراض النفسيَّة الأُخرى، مُبيِّناً أنَّ عدد المرضى الحاليين من المواطنين بالمستشفى بلغ (589)، منهم (472) من فئة الذكور، و(117) من فئة الإناث، فيما بلغ عدد الأجانب (25) مريضاً ومريضة، منهم (15) من فئة الذكور، و(10) من فئة الإناث.
جانب من الأعمال الفنيَّة للنزلاء
تكدُّس المرضى
وأشار "د.جلال" إلى وجود عدد من المرضى المُتحسِّنين الذين يُمكنهم التعايش بصورةٍ شبه طبيعيَّة مع المجتمع الخارجي، إلاَّ أنَّ ذويهم يرفضون استلامهم؛ بحجة عدم وجود من يستطيع تقديم الرعاية اللازمة لهم، مُضيفاً أنَّ ذلك أدَّى إلى تحوُّل مفهوم المستشفى من مُنشأة علاجيَّة إلى دارٍ للإيواء، مُوضحاً أنَّ ذلك لايتواءم مع الرسالة والرؤية الصحيحة للخدمات التي يُقدِّمها المستشفى أُسوةً بغيره من المنشآت الصحيَّة؛ مِمَّا أدِّى إلى نشوء مشكلة كبيرة نتيجة تكدُّس المرضى بالمستشفى، وعدم القدرة على استقبال حالات أخرى جديدة تحتاج فعلياً إلى رعاية نفسيَّة وطبيَّة؛ لعدم توفُّر أَسِرَّة شاغرة، مُبيِّناً أنَّ عدد المرضى المُتحسِّنين بلغ حوالي (450) مريضاً ومريضة، لافتاً إلى أنَّه تمَّ الرفع بذلك إلى العديد من الجهات المعنيَّة، إلاَّ أنَّ شيئاً لم يتغيَّر حتى الآن.
النزلاء في استراحة جماعية داخل إحدى الصالات
وأكَّد على أنَّ الكوادر الطبيَّة العاملة بالمستشفى -ولله الحمد- قادرة من حيث الكم والكيف على التعامل مع جميع الحالات التي تُراجع المستشفى، مُشيراً إلى وجود العديد من الأطباء الاستشاريين الأجانب الذين يعملون بالمستشفى جنباً إلى جنب مع نُظرائهم من الأطباء المواطنين من حملة الزمالة السعوديَّة في الطب النفسي، مُضيفاً أنَّ خبرتهم في هذا المجال مكَّنتهم من التعامل مع هذه الحالات بمنتهى الكفاءة والحرفيَّة، مُوضحاً أنَّ من أبرز مهام الخدمات الاجتماعية تمكين المريض النفسي من العودة لمواصلة التواصل الطبيعي مع مجتمعه وأسرته، لافتاً إلى أنَّه بفضل ما وفرته حكومتنا الرشيدة من برامج تدريبيَّة وتعليميَّة للعاملين بهذا المجال؛ فقد أصبح العمل بالصِّحة النفسيَّة مطلباً للعديد من الشباب الأكْفَاء، بعد أن كان هناك مفهوم سلبيٌّ قديم سائد بين العديد من أفراد المجتمع عن المرضى النفسيين والمتعاملين معهم من العاملين بمستشفيات الصِّحة النفسيَّة.
بستان الترفيه عن النزلاء بالمستشفى
العلاج بالعمل والترفيه
ولفت "د. جلال" إلى وجود العديد من الأقسام بالمستشفى، مُضيفاً أنَّه يتم فيها الاهتمام بالمريض النفسي من كافَّة النواحي العلاجيَّة والترويحيَّة والتدريبيَّة، إلى جانب تقديم العديد من الخدمات الاجتماعيَّة الأخرى، مُوضحاً أنَّ مركز العلاج بالعمل في المُستشفى يشتمل على عدَّة أقسام، من بينها النجارة والرسم والطباعة، حيث يقضي فيه نزلاء التأهيل معظم الفترة الصباحيَّة إلى أن يحين موعد صلاة الظهر، كما أنَّ قسم الترفيه يضم بداخله مكتبةً صغيرةً، وتُمارس فيه العديد من النشاطات المسرحية، إلى جانب تنظيمه حفلاً أسبوعياً كل يوم ثلاثاء، يتضمَّن مشاركات المرضى، ويُحفِّزهم على التفاعل مع المجتمع، مُشيراً إلى أنَّه يتم تنظيم معرضاً سنويَّاً تُعرضُ فيه منتجات المرضى، مُؤكِّداً على حاجة مركز العلاج بالعمل في المُستشفى إلى دعمه بعدد من الكوادر الفنيَّة المُؤهلة تدريبيَّاً وفنيَّاً في عدد من التخصُّصات الجديدة، مُبيِّناً أنَّ هناك عقبة تعوق ذلك في الوقت الراهن تتمثَّل في عدم وجود مُسميَّات لتلك الوظائف في "وزارة الصحَّة"، داعياً إلى إدراجها ضمن برنامج التشغيل.
جانب من أعمال الصيانة داخل أجنحة المرضى
وبيَّن أنَّه نتيجةً لصعوبة حالة بعض المرضى، وتعرُّضهم للعديد من المُتغيِّرات التي قد تنعكس على تصرفاتهم بشكل سلبي؛ فقد تمَّ توفير العديد من كاميرات المراقبة لمُتابعتهم على مدار الساعة، إلى جانب المُراقبة اللصيقة لهم من قِبل الهيئة التمريضيَّة، مُضيفاً أنَّ نظام المراقبة بالكاميرات يتم دون المَساس بخصوصيَّة المريض، وبعيداً عن غرف النوم ودورات المياه، مُوضحاً أنَّه تتم متابعة المرضى من الناحيتين النفسيَّة والجسديَّة بواسطة الأطباء في المستشفى، مُشيراً إلى أنَّه عند حاجة المريض للعلاج من أحد الأمراض من قبل طبيب لايتوفَّر تخصُّصه بالمستشفى، فإنَّه يتم استدعاء الطبيب المُختص من خارج المستشفى، أو يتم تحويل المريض إلى مستشفى آخر يتوفَّر به التخصص المطلوب، ذاكراً أنَّه من المُقرَّر أن يتم إدراج وظيفة أخصائي أمراض عصبية، وأخصائي أمراض قلب ضمن برنامج التشغيل للعام القادم -بإذن الله-، لافتاً إلى أنَّ التعامل مع بعض المرضى شديدي الخطورة على أنفسهم والآخرين؛ أدَّى إلى إيجاد غُرفةً مبطنة بطبقة سميكة من الإسفنج والجلد بكل جناح لمنعهم من إلحاق الأذى بأنفسهم، حيث يتم حجزهم لفترة محدودة إلى أن تهدأ حالتهم، وفي أثناء ذلك يخضعون لرقابة لصيقة بواسطة ممرضين مؤهلين.
مرضى في مهاجعهم أثناء وقت الراحة
تغذية المرضى
وذكر "د.جلال" أنَّ تغذية المرضى بالمستشفى تتم تحت إشراف طبي دقيق، مُشيراً إلى وجود ثلاث أخصائيات تغذية، إلى جانب ستة من الفنيين التابعين ل"وزارة الصحة" مهمتهم الإشراف على الوجبات التي تُقدَّم بشكل يوميٍّ للمرضى من حيث جودتها ومطابقتها لشروط العقد المُبرم مع الوزارة من الناحيتين الكميَّة والنوعيَّة، إلى جانب إشرافهم على عمليَّة إعداد الوجبات المُقدَّمة لعدد من المرضى الذين يحتاجون إلى نوعيَّات خاصة من الغذاء، بحسب طلب الطبيب المعالج، وطِبقاً لما تتطلبَّه حالتهم الصحِّية، إضافةً إلى وجود عيادة خاصَّة بالتغذية في المُستشفى.
وأوضح أنَّ نجاح العمل وتقديم الخدمة على الوجه المطلوب يتطلَّب دوماً توفُّر الكوادر البشرية المؤهلة التي يتحقَّق من خلالها تقديم خدمة متكاملة للمريض النفسي، مُضيفاً أنَّه رُغم توفُّر العدد اللازم من الأطباء الأخصائيين، إلاَّ أنَّه يوجد نقص في عدد الاستشاريين والأطباء المقيمين وهيئة التمريض بالمستشفى، مُشيراً إلى عدم وجود توافق بين الأعداد الفعلية الموجودة حالياً، وبين الأعداد التي من المفترض تواجدها طِبقاً لمعايير القوى البشريَّة العاملة بمستشفيات الصِّحَة النفسيَّة المعتمدة من "الإدارة العامة للصَّحَة النفسيَّة والاجتماعيَّة بالوزارة"، لافتاً كذلك إلى وجود نقص في عدد الأخصائيين النفسيين والأخصائيات الاجتماعيَّات، مُتطلِّعاً لأن يشمل برنامج التشغيل الذاتي جميع التخصصات المطلوبة، مؤكِّداً على أنَّه يقتصر حاليَّاً على بعض الوظائف فقط، مثل: وظائف الأطباء الاستشاريين، والتمريض، والمُدرِّبين المهنيين، وأعمال خدمة المرضى، مُبيِّناً أنَّ البرنامج ساهم في دعم المستشفى بسيارات لنقل المرضى والممرضات، إلى جانب استئجار بستان مُخصَّص للترفيه عن المرضى، وكذلك توفير بعض الأدوية الناقصة.
ضمان اجتماعي
وأبان "د.جلال" أنَّ بإمكان ذوي المرضى الذين يتولَّون رعايتهم بالمنزل الحصول على تقرير طبي من المستشفى يُبيِّن الحالة الصحية للمريض وتقديمه إلى "وزارة الشؤون الاجتماعية"؛ لتمكينهم من الحصول على مبلغ مالي كضمان اجتماعي يُصرف شهريَّاً؛ لإعانتهم على مواجهة مُتطلبَّات الحياة اليوميَّة، مُضيفاً أنَّ من أبرز الأمراض النفسية مرض الفِصام، والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، والاكتئاب، واضطرابات الشخصيَّة، مُوضحاً أنَّها قد تنتج عن الإصابة بالأمراض النفسيَّة، إلى جانب استعمال البعض للمواد المُخدِّرة.
اعتقاد خاطئ
يبدو أنَّه من الضرورة بمكان تغيير التوجهات بشأن المرض النفسي، إذ ينظر إلى الأمراض النفسية حالياً بوصفها اضطرابات في العقل، وهي في الحقيقة قد تكون اضطرابات يُمكن في أغلب الأحيان علاجها بنجاح من خلال استخدام الأدوية، والحاجة تدعو إلى فسح المجال لتوجهات نفسية لعلاج المريض النفسي، فقد أظهرت الأدلة البحثية أنَّ التدخُّل النفسِّي يُمكنه أن يُعيد الوظائف الفسيولوجيَّة إلى العقل مثلما تفعل الأدوية، وهنا تدعو الحاجة إلى التوعية بأهمية الصحة النفسية من قِبَل المختصين في مجال الصِّحة النفسيَّة والعاملون في الصِّحة العامة، إلى جانب الحث على تهيئة الجو المناسب للمريض النفسي، خاصةً أمراض الاكتئاب والاضطرابات النفسيَّة الأخرى.
وهناك اعتقاد لدى البعض أنَّ المُصابين باضطرابات نفسيَّة مجانين ومُختلِّين عقليَّاً، وأنَّ المرض النفسِّي مَجلبةٌ للعار في نظرهم، وهذه الصور خاطئة يَكتَنِفُها الكثير من المبالغات، فالواقع يُبرهن أنَّ كُلَّ النَّاس مُعرَّضون إلى أن يَمُرُّوا بظروف المرض النفسي، كما أنَّ طبيعة المرض النفسي مُغايرة تماماً لطبيعة المرض العقلي "الجنون"، وهناك أكثر من سبب لتهميش المرض النفسي؛ لأنَّ الأمراض العضوية في مفهوم الناس يُمكن أن تتسبَّب في الوفاة للإنسان، أو تؤدِّي إلى إعاقته وأنَّ المرض العضوي مرضٌ جسدِّي ظاهر ملموس بأعراضه، مثل: ارتفاع درجة الحرارة أو السعال أو الاستفراغ أو غير ذلك، ويعمل كل المحيطين لمواساة المريض والتخفيف من آلامه ومعاناته أو أخذه إلى الطبيب ومتابعة علاجه بكل دقَّة وتقديم كل عون حتى يشفى بإذن الله.
وفي المقابل فإنَّ المريض النفسي الذي قد يُعاني فِصاماً أو اكتئاباً نفسياً حاداً قد لا يجد من يشعر به ويتفاعل مع مرضه؛ لأنَّ مرضه ليس محسوساً أو ملموساً يُمكن معاينته؛ لذا فإنَّ المريض النفسِّي يُعاني ويتألَّم بمفرده، بل قد يُقابل من أهله ومعارفه بكثير من النقد، ووصفه بصِفات سلبيَّه، مثل: ضعف الشخصيَّة وضعف الإيمان أو الهروب من مسؤولياته، ونتيجةً لهذه النظرة السلبيَّة نجد أنَّ المريض نفسه يقاوم ويتستَّر على مرضه لأقصى درجة؛ مِمَّا يُؤدِّي إلى مضاعفة حالته، وتدهور صحته، فلا يلجأ للطبيب إلاَّ بعد فوات الأوان.
وقد لا تحتاج بعض الأمراض النفسيَّة إلى علاج دوائي؛ فهي تزول تلقائيَّاً من خلال طُمأنينة المريض، ومن المفاهيم المغلوطة اعتقاد البعض أنَّها تُصيب فئةً من النَّاس دون أُخرى، بيد أنَّ الواقع غير ذلك، فهي مثلها مثل غيرها من الأمراض نوعاً من الهم والابتلاء، وقد تنتقل الأمراض النفسيَّة -خاصَّةً الاكتئاب- عبر الوراثة، ومع ذلك فإنَّ ديننا الاسلاميَّ الحنيف -ولله الحمد- يجعل المسلم أكثر قوَّةً وعزيمةً ولجوءاً إلى الله القادر على إزالة كل كرب ومرض بإذنه تعالى.
جريمة المريض النفسي..!
رُغم ما قد يرتكبه بعض المرضى النفسيّون من جرائم عدوانية، إلا أن العديد منهم - كما يؤكده المختصون- يعدّون أكثر طيبة من غيرهم، فهم مغلوبون على أمرهم، وغير قادرين على إدارة حياتهم؛ لذلك فهم غير معنيين بإيذاء أحد، وحينما يصدر منهم سلوك عدوانيّ فإنه يكون غير مخطّطٍ له، وإنما يأتي لحظياً عفوياً عشوائياً على عكس جرائم الأصّحاء الذين يقدمون عليها بقدر كبير من التخطيط والتنفيذ ومحاولة الإخفاء، إلى جانب المكر والدّهاء.
ومن المفترض ألاّ يكون المريض النفسي كبش فداء في كل جريمة قد نعجز عن كشف فاعلها؛ لأنّ في هذا ضياع للحق والحقيقة، وبالتالي ظلم واضح في حق المريض النفسي، مما يزيد الخوف منه، وقد يرتكب المريض النفسي جريمته في بعض حالات الفصام متى ما ترسّخت في ذهنه اعتقادات خاطئة أو تصورات خيانة أو اضطهاد أو قسوة من الغير؛ ولذلك يرتكب جريمته.
قصص قتل مؤلمة..!
وجدنا خلال جولة مطولة داخل المستشفى نزلاء ارتكبوا جرائم عدّة، ومن ذلك أن أحدهم ارتكب جريمة قتل بحقّ والده منذ (15) سنة تقريباً؛ نتيجة إصابته بمرض الفصام، إلى جانب امتلاكه تاريخاً قديماً في تعاطي المخدّرات، وقد أودع السّجن نظير فعلته، وبعد أن انتهت مدّة العقوبة أدخل إلى أجنحة المرضى المزمنين، وبمجرّد أن استقرّت حالته حصل على بطاقة تجوّل داخل المستشفى، بيد أنه دخل في مشاجرة مع مريض آخر من نزلاء الجناح نفسه، وقتله بدم بارد؛ بحجّة أنه شيطان لابدّ من التخلّص منه، إلاّ أنه لم ينج بفعلته هذه المرّة فأدين وحكم عليه بالقصاص شرعاً.
كما أن أحد النزلاء ممّن أمضوا أكثر من (30) سنة بالمستشفى كان يشك أن الأطفال الذين أنجبهم من زوجته ليسوا أبناءه، ومع مرور الوقت تطوّرت حالته ليتم إدخاله إثرها إلى المستشفى عدّة مرّات، بيد أنه قتل احدى بناته بعد أن خرج من المستشفى في المرّة الأخيرة بفصل رأسها عن جسدها.
ومن الأمثلة كذلك أن مريضاً قتل شخصاً خارج المستشفى، وبعد التحقيق معه اتّضح أنه كان نزيلاً بالمستشفى ولديه ملف باسمه، فتقرّر إيداعه المستشفى من جديد، وبعد أن انتهت مدّة عقوبته واستقرّت حالته حضر ذويه وخرجوا به من المستشفى، بيد أنه اصطحب زوجته وأطفاله الثلاثة بسيّارته الخاصّة في نزهة بريّة خارج النطاق العمراني وقتلهم جميعاً.
وهناك مريض آخر أدخله ذويه للمستشفى نتيجة عضّه أجزاء من جسمه، خاصةً أطرافه، إلى جانب عضّه أطراف أحد الأطفال من عائلته، وكذلك عمد بعد دخوله المستشفى إلى عضّ آذان العديد من المرضى الآخرين؛ فتطلّب علاج المشكلة بخلع جميع أسنانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.