في شبه الجزيرة القطرية إبداع في الموروث والمعاصر من الأدب الشعبي ما في شقيقاتها من دول مجلس التعاون من الابداع الشعري الشعبي، وهو علامة من علامات العلاقة الأخوية التي تشد أبناء هذه الدول بعضها إلى بعض. وبين يدي اليوم كتاب «الديوان الشعبي» عن الشاعر عيد بن صلهام الكبيسي، ويبدو أن معده ومحقق محتواه الأستاذ علي الفياض يسعى في اصدار سلسلة عن شعراء قطر، يجلو فيها شعرهم، ويطرح تجربتهم الشعرية عبر حياة تحولت من معاناة شظف العيش إلى مواجهة معقبات الرفاهية التي منيت بها بلادنا وأخذتنا إلى بريقها الذي تسلط أشعته على أجسادنا كثيرا من معاناة الراحة بعدا العناء. والشاعر عيد الكبيسي نموذج من المبدعين المصورين بابداعهم تلك المعاناة، فقد عمل في الغوص وهي مهنة يحفها القهر من كل جوانبها، ويزاورها السرور عند النجاح بالعثور على لآلئ أكثر من يستمتع بها النوخذة وأهل السوق، الذين يغرون البحارة بالديون قبل رحلة الغوص ويستردونها مضاعفة بعد العودة من الرحلة، والنوخذة يبسط نفوذه بقسوة على أفراد الغوص في مهنة شاقة لا تستقيم بغير هذا الأسلوب الإداري الحازم. وَيْن الذي ما فيه سكَّر ولا ضغط .. وجسمه سليم من العيوق العليله وقد تميز شعر شاعرنا بأنه رصد لمسار الحياة، فصدر شعره شاهدا على زمن عاصره، وتشرب من معينه، وتلظى بأواره. ومن شعره تتصفح التاريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج. وفي هذه الإطلالة على شعره نستعرض قليلا من معاناة الزمن الماضي: ومن اولٍ تلبس طوايق مشيَّرْ واليوم لبس في زمان تغيَّرْ هذاك وقت والنسا ما تخيَّرْ وياما وِزَتْ بوقوت صعبة معاسير تصبر على وقت ضعيفٍ وهيِّن ومن المحاصيل الرجل ما يعيّن وان راح للتاجر فلا هو يديِّن ومن شد وقته شاف لَيْع التفاكير هذا عن الماضي. أما عن الحاضر فيقول من القصيدة نفسها: في أول الستين دار الفكر دار أضفى علينا الخير وانزال الاعسار بامر من المعبود علام الاسرار هو الكريم مبدّل العسر تيسير إلى قوله متذكراً الماضي: كم لوَّعت من قبلنا بالرجالِ اللي لهم جاه كبير وعالي ينَزّله وقته سواة الرذال لين اعسرت دنياه واقفت مدابير وكما نعلم، فإن ظهور اللؤلؤ الصناعي أدى إلى كساد اللؤلؤ الطبيعي فغادرت سفن الغوص البحر، واتجه البحارة للعمل في شركات النفط، وزالت مكانة النوخذة وتحكمه في الغاصة ورجال السفينة: والغوص متردِّي بعد يذكرونه قد قَفَّل الخمَّاس مارد بغران والخماس من أنواع الغوص وقفل عاد إلى البر، رد عاد رابحا، غران عملة بسيطة كأن تقول: ما عاد بمليم أو فلس، أو بنسة أو هللة. ثم يتذكر رجال سفن الغوص وتعاونهم وإيثارهم ويقارن بفرق العمل في شركات النفط مقارنة ساخرة: الماي في درام حلي يشربونه تذرف عليه النود عافات تربان أما الغدا الأغلب فلا يطبخونه والاّ العشا شْوَيْ عيش وسمكان سبعة شهور الثوب يستعملونه من الخلوق الخام طاقة امريكان هذه حالة الفرق العاملة في الصحراء تعيش في خيام شرابهم من براميل صدئه تعكرها أتربة تذروها الرياح، والطعام والملبس كما أشار الشاعر. والصورة الكاريكاتورية عند تجمع الفريق حول الطعام المشترك: أما العجم في العيش يلقلقونه والفيم واصل والغدا ضو يا اخوان ان كلت شْوَىْ شْوَىْ بيكملونه وان كلت حامي شب في القلب نيران والعيش هو الأرز، والتيم هو الوقت (تايم)، واللقلقة سوء الطبخ. وفي رثائه للغوص: الغوص قفَّى والمدايين طاحت والنوخذة مقهور، ألِفْلُوس راحت من علة يا ناس في الجوف فاحت ويطالع الجزوى ولا تفتكر فيه * * * من اولٍ يامر وينهي عليهم ويقوم شكل ابليس يزقر عليهم قبل صلاة الصبح يلغي عليهم واليوم ما يقدر لغيص يحاكيه هذه النهاية استبشاراً بعهد جديد، تحرر من مشاق البحر وتحكم النوخذة والديانة، فانتهاء مهنة الغوص ألغت ديون البحارة وأرباح النوخذة وسلطته، والجزوى هم البحارة الذين ما عادوا يخطبون ود النوخذه بل: رزُّوا العلم وايا الغدا يطبخونه واستأنسوا حق الطبل يضربونه يا فرحة القفال كلهم يبونه كل فرح بالبر من قرب اهاليه * * * ردوا من النيوة علينا منا كيف جروا الخشب كله على حادي السيف من بعد ما تضرب عديد القلاليف قَطُّوا الدقل والفلس راحت طواريه * * * كل وصل للبر يرمى عتاده حق الشغل يركض يحط اجتهاده قد كفل الغواص ما قص زاده حق العمل محتاج والوقت لاحيه * ** قطوا دفاتير السلف والتساقيم هم يحسبون الغوص بيطوّل مديم والعلم عند الله وهذى مقاسيم مبدل الاحوال فضله ومجريه ثم يبدي تبرمه من النوخذة: النوخذة يقول ما هي بحالة يفلل الدفتر وولّى حلاله حسبي على اليابان وايا فعاله كسَّد لنا القماش ما احد بيشريه وقبل الانتقال من أيام الغوص نختتم بوصفه لمعاناة البحر: يا ما تعبنا في البحر واشتقينا سمت الأيادي قطعت باليدينا والنوخذة بالدوم ينهم علينا والله لا يسقي البحر مع طواريه * * * خوينا ليا مرض زاد شره إش لون يا ذا الناس ما تذوق حره النوخذة غلس ولا به مسرة ويقول صوب البرما اقدر أودِّيه * * * مريضنا أصبح يونون علينا كَلَ السمك كله وتونّط علينا يا عونة الله يا عرب وش بيدينا ما عندنا دختر علاجه يداويه * * * إلا سنامكي يقبه على الريج (الريق) يبرى اعواقٍٍ لو بوسط المعاليج (المعاليق) بعزة المعبود هو مفرج الضيج (الضيق) ومن داومه بالشرب الله يشافيه إلى آخر القصيدة التي تعبر عن معاناة البحارة والناس في الماضي. أما عن المعاناة المعاصرة للشاعر فقد ذكر المؤلف أن الشاعر ذهب إلى المستشفى للعلاج من أمراض السكر والضغط والقلب مقابله صديق وسأله: حتى انت يا عيد تشكو من القلب؟ قال: وين الذي ما فيه سكَّر ولا ضغط وجسمه سليم من العيوق العليله وان ارتفع تلقى عن السِّيد شطط يضيِّع المجرى ولو هو دليله والاّ الخسيس الضغط لي جاك واهبط هناك ما تقدر بدبرة وحيله والاّ وجع قلبٍ يخليّك تنحط يِنِّسْ على جوفك سواة المليله والا الكلى تدعي ذراعك مبطط يومٍ ورا يومٍ سواة الهزيله لقد عرض لنا الشاعر أسقام التعب كالتخمة التي أصابت الغواص نتيجة الشراهة وعولجت بالسنامكي في السفينة، ثم عرض أمراض الرفاهية كالسكري والضغط والقلب. ولبساطة التعبير ويسره جاء شعره سهل الفهم، فصيح اللسان. وللمؤلف المعد الشكر والتقدير على اهتمامه وامتاع من يطلع على الديوان الذي لم نستخلص منه إلا القليل من نماذجه. وبهذا ينقل الأدب الشعبي لنا صوراً توثيقية عن الماضي.