بيان من السياحة يوضح سياسة ال 20 ساعة في مرافق الضيافة    مانشستر يونايتد ينفق 240 مليون يورو لعلاج عقمه التهديفي    المنتخب السعودي يتأهل إلى الدور الثاني من بطولة العالم للناشئين لكرة اليد    «سلمان للإغاثة» يوزّع (698) قطعة بطانية للنازحين في محافظة درعا    سفير اليابان يزور المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    القبض على (3) باكستانيين في جدة لترويجهم (2.3) كيلوجرام (شبو)    الشمّام يُحلّي صيف المملكة بإنتاج وفير يتجاوز (63) ألف طن سنويًا    اجتماع قطري - أمريكي في إسبانيا لبحث خطة شاملة لإنهاء حرب غزة    تحذيير من استمرار الأمطار الرعدية على مناطق عدة    نجاح زيادة الهاطل المطري على شمال شرق الرياض    بايرن ميونيخ يرد على عرض النصر لضم كينجسلي كومان    القادسية يطوي صفحة إسبانيا ويستعد لاختبار نوتنغهام فورست الودي    استعداداً لمواجهة أتلتيكو مدريد.. الفريق الفتحاوي يواصل تحضيراته بمُعسكر إسبانيا    لبنان يعود إلى الحاضنة العربية    مصر توقع صفقة ضخمة مع إسرائيل لتوريد الغاز    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية للقرآن الكريم في دورتها ال45    كامكو إنفست تنقل مكاتبها في السعودية إلى مركز الملك عبدالله المالي "كافِد"    استشهاد 6 فلسطينيين بقصف إسرائيلي وسط غزة    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عدة مناطق اليوم    النفط يستقر ويسجّل أكبر خسائر أسبوعية    أمير تبوك يدشّن ويضع حجر أساس (48) مشروعًا تنمويًا لمنظومة "البيئة" بالمنطقة بتكلفة إجمالية تتجاوز (4.4) مليارات ريال    طالبة من "تعليم الطائف" تحقق الميدالية الفضية عالمياً    محافظ خميس مشيط يتفقد مركز الرعايه الصحية بالصناعية القديمة    معجم الحيوان الأليف عند العامة    فريق النجوم التطوعي ينفذ مبادرة صناعة الصابون لنزيلات دار رعاية الفتيات بجازان    قطر والإمارات والكويت تدين قرار إسرائيل احتلال قطاع غزة    المملكة ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان    الفيحاء يتعاقد مع "الخيبري"لمدة 3 سنوات    وزير الخارجية يتحرك دبلوماسياً لوقف الانتهاكات في غزة    برشلونة يعيد شارة القيادة لتير شتيغن    جمعية فضاء العالية للتنمية الشبابية تختتم برنامج ماهرون الصيفي    صقارون دوليون يثمنون تسهيلات نادي الصقور في نقل واستضافة الصقور    الشيخ أسامة خياط: يدعو لغرس قيم البر والتقوى في الأسرة والمجتمع    الشيخ عبدالباري الثبيتي: سورة قريش تُجسّد أعظم النعم .. الطعام والأمان    أمير جازان يرعى ملتقى أبحاث السرطان 2025 بجامعة جازان    المصالح الوطنية السعودية    سفير جمهورية مالطا لدي المملكة يزور قرية جازان التراثية    الربيعة: تطبيق "نسك" متاح مجانًا دون استهلاك بيانات الإنترنت    أنواع فيتامين D وجرعاته الصحيحة    %83 من القراء هجروا المجلات    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    سبعة آلاف خطوة تعزز الصحة    نائب وزير الحرس الوطني يطلع على برامج الإرشاد والتوجيه لتعزيز الوعي الديني والفكري    رئيس وزراء موريتانيا يغادر المدينة المنورة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي محافظة الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    المجلس الاستشاري لمركز صحي المرابي يناقش احتياجات الأهالي مع تجمع جازان الصحي لتعزيز الخدمات الطبية    استهداف (أبو سلة) بطائرات مسيّرة.. اشتباكات بين الجيش اللبناني ومطلوبين في بعلبك    البدير في ماليزيا لتعزيز رسالة التسامح والاعتدال    احتفال الفرا وعمران    فتح باب التقديم لدعم المشاريع السينمائية    الأرصاد: أمطار متفرقة حتى منتصف أغسطس    انقسام إسرائيلي حاد حولها.. تحذيرات دولية من «خطة الاحتلال»    إنجاز طبي في الأحساء.. زراعة منظم ضربات قلب لاسلكي لمريض    الأمير فهد بن سلطان يطلع على نتائج القبول بجامعة تبوك.    محافظ تيماء يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة تبوك    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة جواهر بنت مساعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استنطاق مبكر ل(قلبي يكبر أمامي)
نشر في الرياض يوم 14 - 03 - 2013

صدر عن دار مدارك في هذه السنة 1434ه ديوان (قلبي يكبر أمامي) للشاعر (عبدالرحمن ثامر)، وقد جاء الديوان أشبه بتحفة فنية مبتكرة تجمع بين أربعة فنون بين دفتي كتاب هي الشعر والنثر والرسم والخط العربي فقد تولى تصميم الكتاب وكتابة عناوين قصائده الخطاط السعودي عبدالرحمن فايز وقام الرسام الصومالي مصطفى ليبان بابتكار رسمة مناسبة لكل قصيدة في الديوان، وقام الشاعر بوضع تغريدات نثرية مختصرة في نهاية كل نص شعري تحمل رؤية من رؤاه الخاصة.
وحمل الديوان في مقدمته رؤية مختصره للشاعر عن الشعر من أجمل ما فيها (أن الشاعر يتيم قبل أن يكتب أول قصيدة، وبعد أن يكتبها يصبح يتيما عرف قبر والده ).
وفي هذه المقالة التعريفية بالديوان لا أقدم رؤية نقدية عن تجربة الشاعر في أول عمل شعري يطبع له وإن كانت مشاركاته الشعرية منتشرة عبر الشبكة العالمية، ولكنني أحاول أن أتلمس ما يلفت النظر في ديوان (قلبي يكبر أمامي).
وأول ما يلفت نظري هو اتكاء الشاعر كثيرا على الجمل الفعلية خاصة تلك التي تبدأ بالأفعال المضارعة التي تدل في مجمل ما في الديوان على بحث من الشاعر وتجدد وحدوث وعدم توقف ولعل عنوان الديوان (قلبي يكبر أمامي) وإن كان جملة اسمية كما هو مقرر عند البصريين إلا أنه جملة فعلية عند الكوفيين تقدم فاعلها عليها فلا تعدو أن تكون (يكبر قلبي أمامي) أول ما يصافحنا.
ولعل سؤالا فضوليا ينتج من خلال هذا العنوان الذي يشي بشيء من الإشارة إلى ملاحظة الشاعر لنفسه وإدراكه لحركة داخلة ضمن لا شعوره يحاول تشخيصها فلا يجد شيئا سوى هذا التنامي والكبر لها أمام عينيه.
هذا الذي يكبر هل هو قلب الشاعر أحاسيسه ووجدانياته ومشاعره؟ أم هو تجربته الشعرية التي يلاحظ نموها وتتابعها خاصة أن قصائد الديوان جاءت مؤرخة مما يدل على اهتمام الشاعر بعنصر الزمن.
وإذا أضفنا إلى هذا الملحظ أمرا آخر وهو تلك المقدمة المختصرة عن الشعر ونموه وتغيره من مرحلة لأخرى كادت أن تكتمل الصورة لدينا بشكل أكثر فهو يرى أن الشاعر يتيم قبل أن يكتب أول قصيدة ثم بعد أن يكتبها يتحول إلى يتيم يعرف قبر أبيه..!
واختيار الأب هنا دون الأم مع أن معناها في اليتم أعمق وأضخم له دلالة أخرى وأن قبر الأب الذي يجده الشاعر بعد أول قصيدة ليس إلا الشعر الذي يضحي مزاره قريبا على بعد بعيدا على قرب كما يقول ابن الرومي.
والشاعر يلاحظ نمو وكبر التجربة الشعرية حين يقول إن الشاعر يكتب قصيدته للناس ثم تأخذه العزة بالشعر فيكتب قصيدته لنفسه وعندما يبلغ منه الوجع يتنازل عن كل قناعاته فيكتب نفسه للناس.
هذه هي مراحل نمو التجربة الشعرية وهي القلب الذي يكبر أمام الشاعر ولا يملك إلا أن يتابع هذا النمو ويكتب مراحله مؤرخة تحت عنوان (قلبي يكبر أمامي)..!
وإذا انتهينا من قراءة العنوان وما يدور في الديوان من الجمل الفعلية التي تشكل فيما بينها حركة بحث مستمر عن الشاعر وتجربته ننتقل إلى رؤية أخرى من زاوية تحاول سبر غور التجربة الشعرية وما يمكن أن يكون نموذجا تفسيريا لهذه التجربة فإنني أكاد أجزم بأن الشعر الذي يقدمه ثامر من البوح الشعري الرقيق الذي يشبه مقطوعات صوتية مموسقة (سوناتا) تبتعد كثيرا عن تعقيدات التجارب الشعرية المتعمقة في الرؤية الشعرية الفلسفية أو حتى الوجدانية وتنصب التجربة في ثلاث دوائر متصلة هي دائرة الرحيل ثم ما يتبعه من غياب ثم ما يلحقه من انتظار.
رحيل ثم غياب ثم انتظار ما لا يجيء ..! هكذا هي نصوص الديوان في مجمل إشاراتها فاللغة الشعرية جاءت محملة بهذا البعد الإنساني الذي فطر على كره الرحيل والغياب والانتظار ومنذ زمن قال درويش (والموت مثلي لا يحب الانتظار .. !)
ومن العجيب أن المفردات الثلاث (الرحيل - الغياب - الانتظار) وردت في الديوان بنفس العدد تقريبا (خمس مرات لكل مفردة).
ولاشك أن هناك مفردات تدور في ذات الفلك كالوداع والهجر والبين والفراق ولكنها تصب في نفس ما نحن بصدده من هذه الدوائر الثلاث.
والشاعر في إحدى تغريداته في الديوان يقول :"إن الرحيل اعتداء صريح على القلب" ..! ولكثرة هذا الاعتداء على القلب يصبح:
"قلبي محطات الرحيل
ونظرتي سفر
تصافحه الدروب" ص39
ويصبح الشاعر صاحب تجربة عميقة في علم الرحيل:
"عليم أنا
بجروح الرحيل" ص101
ولا عجب فقد:
"تذوق قلبي طعم المطارات
نام على عتبات التذاكر
صاحب أمتعة الذاهبين" ص101
هذا الرحيل العجيب الذي يشكل جزءا كبيرا من التجربة هو رحيل في الحس والمعنى يتلوه غياب وشعور بالفقد وحاجة إلى البحث، والغياب هو الوجه المؤلم للحياة لأن في الغياب حضورا آخر يدل عليه ويذكر به وهذا الألم أدركه الشاعر في تغريدة مهمة يقول فيها:
"أقسى ما في الغياب.. الأشياء التي لا تذهب معه"
هذه الأشياء يظل عطرها وبوحها وحنينها يشير إلى الغائب فيقربه حينا ويبعده أحيان أخرى ويعيش حينها الإنسان في قلق مستمر وانتظار بائس:
"في يمين الحب في المقهى الموازي للعتاب
وعلى طاولة الذكرى
وكرسي الغياب
كنت أستنشق حرفي والقلق..!" ص77
لذلك الغياب طعنة نجلاء قاتلة يمارسها من نحب بكل برود:
"قالت: أتأذن لي بانسحاب؟
عجبت..! قفي !:
أبكل برود سنطعن عالمنا بالغياب " ص101
ومع هذه الطعنة وهذا العذاب في الغياب يظل الشاعر يمارس الانتظار دون ملل لأن الأشياء تشير إلى الحضور:
"أوما تعبت من اشتعال الليل فيك؟
أوما سئمت من انتظار الفجر
ينبت في يديك..!" ص23
ويظل السؤال مشروعا أمام هذه الدوائر ماهذا الراحل الغائب المنتظر هل هو الحبيبة التي صنعت بإلهامها شاعرا كما جرت عادت قراء الشعر أن يخمنوا..؟
أم الغائب هو الشاعر نفسه وإحساسه بالاغتراب في دوامة التجربة هو قلب الشاعر الذي يقول عنه:
"قلبي يمزقه اليقين
بأن رحتله مؤكدة الذهاب" ص31
وقال عنه سابقا بأنه محطات الرحيل، هذا القلب والجسد الذي يقول عنه:
"جسد متعب
فؤاد مريض
نفس عاجز
وقلب مكسر ..!"ص81
ولا يزال هذا القلب "يرقب ليلا بغير ظلام" ص11، وفي "كل يوم يسأل البحر الصديق عن السفينة
عمن مضوا
ووجوههم للامجيء
وشوقهم
متعلق بحبال ذاكرة سجينة .." ص19
هذا الصمود وعدم الاكتراث من الصبر والانتظار يتفجر أحيانا بموقف مضاد مل من الانتظار ويحاول أن يعود .. لكن يعود إلى أين..؟
" لا تنتظر
لا تنتظر
وارجع إليك .."ص23
وهذا ما يؤكد أن البحث هو عن الذات بكل تجلياتها في الحرف والنشيد والغناء والزهور لذلك تفضحه اللغة هنا تعريه أمام الحضور:
"تمالكت حبي
نثرت جميع القصائد حولي
ضممت الزهور التي جار فيها الغياب
فلم تتفتح على راحتيك"ص59
فالقصائد/الزهور هي ذات الشاعر المفقودة.. هي الغياب المؤرق الذي استغرق مساحة البحث في هذا الديوان ويكاد ينكشف هذا اللغز في آخر مقطع ختم به الشاعر ديوانه حين يقول:
" وأبحث عني في الماء..
ليس سوى الماء
وكل المرايا عرايا
وأطلبني في قديم الحكايا
فلا أستطيع إليّ سبيلا
هو الموت إلا قليلا .."ص111
إنها لحظات من المتعة الشفافة تقضيها مع ديوان ثامر الأول تستمتع فيها الحواس بما يفيض من مشاعر إنسانية وبإخراج الديوان البديع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.