في سنة 1883م توقف المستشرق الالماني أوتنغ ورفيق دربه الفرنسي هوبر عند بلدة كاف بوابة دخول القادمين من الشام في ضيافة شيخ البلدة آنذاك عبد الله بن خميس وهو ايضا احد كبار تجار الملح التي تشتهر بها المنطقة في انتظار الإذن لهم بمواصلة طريق رحلتهم إلى حائل حيث كان قد بعث برسالة من ألمانيا إلى حاكم الجبل محمد الرشيد يطلب إرسال حمود المجراد احد رجال بن رشيد المعروفين والذي تربطه سابق معرفة بالفرنسي هوبر من خلال رحلة سابقة ليأخذهم من دمشق إلى حائل، الا أن الرسالة مكثت طويلا في عرمان ثم سلمت لساعٍ لم يكن في عجلة من أمره وترك نفسه في ضيافة سكان المناطق التي مر بها بصفته حاملا لخطاب الأمير حتى تأخر وصول الرسالة أكثر مما يجب وعند وصولها كان بن رشيد يعتقد ان أوتنغ ورفيقه لا يزالان ينتظران في دمشق فأرسل هذه المجموعة بقيادة حمود المجراد وحملهم بالاضافة إلى ذلك خطابات ومهام رسمية أخرى إلى دمشق الا ان حمود المجراد تفاجأ اثناء مروره ببلدة كاف بوجود اوتنغ وهوبر مع مضيفهم بن خميس في قرية إثري المجاورة لكاف وكان من الطبيعي أن يأخذهم إلى حائل مباشرة ولكن وجود الرسائل والمهام الرسمية حتمت عليهم خيار مواصلة الطريق إلى دمشق لتسليم الرسائل ومن ثم العودة في رحلة قد تستغرق شهرا وعلى ذلك اختار الفرنسي هوبر مرافقتهم بينما فضل الألماني اوتنغ البقاء إلى حين عودتهم من دمشق ليكمل معهم بقية الرحلة لحائل وذلك رغبة منه لزيارة بعض الأماكن القريبة . لكن الايام التي مكثها رسول بن رشيد في البلدة استعدادا للانطلاق للشام كانت قد أوجدت حراكاً غير طبيعي في بلدة كاف وما جاورها تتصدره مظاهر الضيافة التي شدت انتباه الرحالة ورفاقه وكانت فرصة لتوسيع دائرة المشهد العام أوردها مرتبة حسبما جاء بكتاب الرحالة الاوربيين في شمال الجزيرة العربية مفصلًا عن النسخة الأصلية للكاتب سوف نذكرها وفق ما ورد ونستكمل في حلقات قادمة وبعناوين مختلفة ابرز يوميات الرحالة التي دونها في المدة التي مكثها بالبلدة في انتظار عودة رفاقه من دمشق والتي بدأها بهذه اليومية عن مظاهر الحفاوة برسول أمير الجبل : إن رسول الأمير ذو المكانة العالية سوف يتم بالطبع استقباله واستضافته بصورة مختلفة تماما عن استقبالنا, لقد قدم لنا في هذا الصباح أولا بلحا ناضجا ( تمر ) وليس ( بسرا ) مع ألزبده كذلك قام الشيخ ( شيخ كاف ) بذبح ذبيحة على الفور ووضعت الدماء على رقاب وأفخاذ نياقنا كعلامة للتكريم ويعتبر هذا عند البدو بمثابة تكريم واحترام للضيف وحتى يفطن جميع من يصادفهم على الطريق بأنهم من المسافرين ذوي الشأن والذين تم الذبح لهم والى هذه الوليمة هب كل المجتمعين ويمموا شطر المنزل الذي كان يقيم فيه الضيوف وهناك هاج وماج الجميع, وجبة طعام ثانية شاملة كاملة والتي يمكن فقط لمعدة البدوي ان تتناولها مباشرة الواحدة تلو الأخرى. كان كل شيء وافرا وأكثر نظافة وعلى كل حال أنظف مما كان عند الشيخ, أثناء التحضير للقهوة أحضرت مبخرة مصنوعة من الخشب ومرصعة بصفائح النحاس الأصفر وعلى الجمر المتقد كان يوضع خشب الصندل بكمية كبيرة حتى يتكون دخان كثيف . الأشخاص المحترمون يقومون في الحال بتبخير اللحى وذلك بحمل المبخرة باليد اليمنى تحت اللحية وفي نفس الوقت تخليل اللحية باليد اليسرى أما الشخص العام فيقوم بتبخير الجانب الداخلي لكفية كما يقوم بحمل المبخرة تحت الثوب حتى مستوى الإبط، كانت تملى في حالات الضرورة وتدور على الجميع مرة أو مرتين. مرة اخرى في وقت متأخر من الليل وأمام القرية يقام أيضا مجلس لشرب القهوة لدى تاجر الجمال حسين وهنا فقط وأمام الصفوة المختارة من المجتمع يدور الحديث حول أهم الأخبار السياسية من نجد حيث تتنازع على السيادة حاليا داخل الجزيرة العربية عائلتان حاكمتان تعترفان بدعوة محمد بن عبد الوهاب, ان الامر بمنتهى الصعوبة للحصول على تقارير اكيدة حول حقيقة الاحداث داخل الجزيرة، القدر القليل الذي يصل إلى اوربا ينساب اغلب الاحيان عبر غربلة تركية اما اذا سمع الإنسان في الموطن والمكان من بدوي مستقل فيجب ان يتحسب كثيرا للمبالغات ويضع في تقديره مدى تعاطف أو كراهية الراوي في الصباح الباكر من اليوم الثاني تم تقديم وجبة طعام دسمة مرة أخرى وفي السابعة والنصف ونحن عائدون إلى كاف عبر وشواش , ولم يكن بالفعل في نيتنا أن نتوقف هنا أبدا , ولكننا وحتى قبل ان نشعر , كانت جمالنا قد لطخت من جديد بالدماء . وفي الساعة العاشرة كانت هذه الوليمة قد تم انجازها أيضا, في الساعة الثانية عشرة غادرنا عائدين مرة أخرى إلى كاف يعززنا رهط من أهالي قصر وشواش في موكب رسمي. لقد تحرك رجلان قبلنا لكي يبلغوا بقدوم عدد كبير من الضيوف . في الفناء كان يقف اطفال الشيخ وهم يرتدون ثيابا نظيفة وعدد من رجال وصبيان الحي, جزء منهم في القهوة وجزء آخر في فناء منزل الشيخ . تم تقديم بلح طازج للمجلس, ولاحقا خيار طوله متر . عند العصر اصطاد أحد الشبان طائرا ذا لون رمادي وأصفر ولجلب الحظ في الصيد قام الصائد بتلطيخ خشب بندقيته بدم وريش الطائر المقتول, وبعدها قام بشويه على عصى حتى درجة التفحم .