أمير المنطقة الشرقية في ديوانية الكتاب    نائب أمير مكة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    أمير الباحة يناقش المشاريع التنموية والخدمات المقدمة في محافظة العقيق    المملكة تتصدر اكتتابات الشرق الأوسط المنفذة والمتوقعة في 2024    تزايد الهجمات السيبرانية في ألمانيا والخسائر 1ر16 مليار يورو    الأسهم الآسيوية ترتفع لأعلى مستوياتها في 15 شهراً مع تحسن اقتصاد الصين    الصحة النباتية    تعطل مكائن الصرّاف الآلي واحتجازها للأموال    تراث يمتد عبر العصور.. دروب الحج القديمة.. مسارات للثقافة والمعرفة    رئيس منتدى الحوكمة السعودي معلقاً على إلغاء أصوات «انتخابات الرياض»: تعارض المصالح ليس شعارات    قلق أممي إزاء عمليات التهجير القسري والإخلاء من غزة    أبل تطور النسخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي    يدخل"غينيس" للمرة الثانية بالقفز من طائرة    الكويت في الصدارة مجدداً    سرابُ النصرِ وشبحُ الهزيمة    وزير الخارجية يصل إلى المنامة للمشاركة في الاجتماع التحضيري ل «قمّة البحرين»    في لقاء مؤجل من الجولة 34 من الدوري الإنجليزي.. مانشستر سيتي يواجه توتنهام لاستعادة الصدارة    ضمن الجولة 32 من دوري" يلو".. العروبة في اختبار البكيرية.. والعربي يواجه الترجي    فابريزيو رومانو يؤكد: 3صفقات عالمية على أعتاب دوري روشن السعودي    بطلتنا «هتان السيف».. نحتاج أكثر من kick off    في الإعادة إفادة..    سيتي لسحب البساط من تحت قدمي أرسنال    وزير التعليم يزور مدرسة معلمة متوفاة    تجديد جواز السفر إلكترونيًا لمدد الصلاحية من (6) أشهر وأقل    يستيقظ ويخرج من التابوت" قبل دفنه"    استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى السبت المقبل    الداوود يتفقد نطاق بلدية العتيبية الفرعية ويطّلع على أعمال التحسين ومعالجة التشوه البصري    الرزنامة الدراسية !    ماهية الظن    فخامة الزي السعودي    استعراض الفرص الواعدة لصُناع الأفلام    الكويت.. العملاق النائم ونمور الخليج    آنية لا تُكسر    تركي السديري .. ذكرى إنسانية    «Mbc Talent» تحصد جوائز أفلام السعودية وتقدّم المنح    الصحة.. نعمة نغفل عن شكرها    دور الوقف في التنمية المستدامة    الماء البارد    إزالة انسدادات شريانية بتقنية "القلب النابض"    «سعود الطبية» تنهي معاناة ثلاثينية من ورم نادر    حكاية التطّعيم ضد الحصبة    18 مرفقاً صحياً لخدمة الحجاج في المدينة    ما رسالة أمير حائل لوزير الصحة؟    أمير المدينة يرعى تخريج طلاب جامعة طيبة.. ويتفقد مركز استقبال الحجاج بالهجرة    محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة سطام    فهد بن سلطان: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    الدكتوراه الفخرية العيسى    النزوح الفلسطيني يرتفع مع توغل إسرائيل في رفح    الفريق اليحيى: تدشين صالة مبادرة "طريق مكة" بمطار جناح الدولي في باكستان لإنهاء إجراءات المستفيدين بيسر وسهولة    الحضور شرط تجديد الجواز قبل 6 أشهر من انتهائه    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    أمير جازان يرعى مراسم اتفاقية تعاون بين مديرية السجون وجمعية التوعية بأضرار المخدرات بالمنطقة    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    النفط والذهب يتراجعان    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأمين منتج حضاري لم تتناوله اجتهادات الفقهاء.. والغرر مفهوم متغير بحسب الزمان والمكان
في دراسة تتزامن مع الاكتتاب في التعاونية للتأمين
نشر في الرياض يوم 12 - 01 - 2005

أكد الباحث عبدالعزيز المشعل أنه لا يوجد فارق جوهري بين التأمين التجاري والتعاوني، مشيراً في دراسة له تتزامن مع اكتتاب التعاونية للتأمين أن هذا النشاط لا يوجد له أصل فقهي يمكن قياسه عليه، وتناول في دراسته فتاوى العلماء حول التأمين مستعرضاً مميزات التأمين التجاري قياساً للتعاوني..
وهنا تفاصيل الدراسة:
يشهد سوق التأمين في المملكة العربية السعودية مجموعة من التطورات المهمة التي تمثلت في صدور حزمة من الأنظمة الخاصة بتنظيم هذا القطاع والتي بدأت بصدور نظام الضمان الصحي التعاوني بقرار مجلس الوزراء رقم 27 وتاريخ 24/5/1420ه ثم نظام التأمين الالزامي على السيارات والمركبات والصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 222 وتاريخ 13/8/1422ه وأخيراً نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني الصادر بالمرسوم الملكي رقم 32 وتاريخ 2/6/1424ه والذي سيتم بمقتضاه تأهيل عدد من شركات التأمين لكي تطرح أسهمها في سوق الأسهم، والذي تم بمقتضاه أيضاً الترخيص لشركة التعاونية وتم في إطاره طرح 70٪ من رأسمالها البالغ 500 مليون ريال للاكتتاب في سوق الأسهم.
وفي ظل الإقبال العام على شراء أسهم الشركات المطروحة للاكتتاب العام والتي يتم تغطية اكتتاب بعضها عدة مرات كما حدث مع شركة الاتصالات السعودية وشركة اتحاد الإمارات للاتصالات، ووصل تغطية اكتتاب بعضها إلى 300 مرة كما هي الحال بالنسبة لشركة الصحراء للبتروكيماويات، فقد كان من المتوقع أن تحظى أسهم شركة التعاونية للتأمين بإقبال مماثل خاصة في ظل ملاءة الشركة وقوة مركزها العالمي والنمو الجيد لأعمالها طوال السنوات الماضية فضلاً عن كفاءة أدائها الإداري والفني وكونها الشركة المرشحة لقيادة سوق التأمين في المملكة خلال السنوات الماضية إضافة إلى كون سوق التأمين من الأسواق الواعدة التي تحقق معدلات نمو مرتفعة سنوياً.
لكن هذا التوقع لم يتحقق على أرض الواقع نظراً لضعف الإقبال على الاكتتاب حيث غطى في الأيام الثلاثة الأولى ما نسبته 26٪ فقط من إجمالي الأسهم المطروحة في الوقت الذي تم تغطية اكتتاب العديد من الشركات في اليوم الأول، ويعود هذا الضعف في الإقبال على سهم التعاونية في واقع الأمر لسببين أولهما مالي وثانيهما شرعي:
٭ أما السبب المالي فيعود إلى الانطباع العام بارتفاع سعر السهم وهذا السبب وإن كان قد أحدث بعض التأثير لكن لم يكن له التأثير الحاسم في إضعاف الإقبال خاصة أن هناك مؤشرات مالية واقتصادية تشير إلى أن السعر الحقيقي للسهم أعلى من السعر المطروح به للاكتتاب.
٭ لكن العامل الجوهري الذي أضعف الإقبال على الاكتتاب هو ذلك الاعتقاد السائد لدى قطاع واسع من الجمهور بحرمة الاكتتاب في أسهم التعاونية بدعوى أنها تمارس نشاطها طبقاً للتأمين التجاري وليس طبقاً لمبدأ التأمين التعاوني، انطلاقاً من القول إن التأمين التجاري محرم والتأمين التعاوني مباح، أو على الأقل فإن التأمين التجاري تحيط به الشبهات، بل ويرى البعض أن الشبهة تحيط بنشاط التأمين في عمومه.
إن مثل هذا الطرح لا يقوم في رأينا على دليل فقهي أو منطق عقلي أو يستند إلى مصلحة شرعية، ذلك أن الحديث عن تأمين تجاري وتأمين تعاوني يوجد بينهما قدر من التمايز والاختلاف هو في حقيقة الأمر حديث نظري لا علاقة له بالواقع، وإجازة المعاملات وتحريمها إنما يقوم على الواقع وليس على الافتراض، وفي هذا البحث الموجز نطرح رؤيتنا في هذا الشأن والتي تبين بوضوح جواز نشاط التأمين في مجمله وموافقته للأحكام الشرعية أياً كان مسماه أو طبيعته، إضافة إلى الرد على الشبهات المثارة حول هذا الأمر وبعض الفتاوى المتداولة بين الجمهور.
نظرة عامة:
نشاط التأمين وغيره من الأنشطة المالية مثل البنوك والأسهم والسندات من الأنشطة التي نشأت حديثاً وفي بيئة اقتصادية واجتماعية وثقافية تختلف تماماً عن البيئة الإسلامية، ونمت هذه الأنشطة وتطورت داخل هذه البيئة بما تحمله من مميزات وخصائص لا شك أنها مختلفة ومتباينة عن الواقع الذي نعيشه، وقد أصبحت هذه الأنشطة ضرورة لا غنى عنها في ظل تطورات الحياة وأنماطها المعيشية، ولم يعد بالإمكان استبعادها وتجاهلها في ظل الواقع الاجتماعي والاقتصادي المعقد، ومن المؤكد أن هذه الأنشطة في نموها وتطورها قد اكتسبت خصائص وأُسساً فنية معينة لا يمكن إدارتها أو تطبيقها إلا من خلال هذه الأُسس والخصائص الفنية التي هي من ابتكار وإبداع البيئة التي نشأت فيها تلك الأنظمة، وهناك صعوبات هائلة تواجه أي محاولة لتطبيق هذه الأنشطة أو ممارستها بعيداً عن خصائصها وأساليبها الفنية المتعارف عليها عالمياً، وهو أمر ينطبق بوضوح على نشاط البنوك والتأمين والأسهم والسندات، وفي ظل ما تمثله هذه الخدمات المالية من ضرورة وما تلبيه من احتياجات فإن المجتمعات الإسلامية في واقع الأمر أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما قبول هذه الأنشطة وممارستها بما هي عليه من أساليب فنية وإدارية ومحاسبية، وإما التخلي عنها وإنشاء نظام مالي جديد خاص بالعالم الإسلامي، ولأن الخيار الأخير مستحيل التحقيق من الأساس فإن الأنشطة المالية القائمة تأخذ في رأينا حكم الضرورة التي لا مناص منها، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن هذه الأنشطة نشأت في فترة الجمود الفقهي وبالتالي فمن المستحيل عملياً تطبيق القواعد والأحكام الفقهية التي أرستها المذاهب الإسلامية في بدايات نشأتها على نشاط حديث مثل نشاط التأمين مثلاً نظراً للاختلاف الواضح والجوهري بين الطبيعة المعقدة لهذا النشاط والطبيعة البسيطة للغاية للمسائل التي تتناولها أمهات كتب الفقه، وبالتالي فإن البحث المستمر في التفاصيل الدقيقة لهذه الأنشطة من حيث الجواز والإباحة يمثل - في رأينا - بحثاً لا طائل من ورائه، لأنه حتى المنتجات المالية التي يجري تكييفها بشكل شرعي تمارس في واقع الأمر طبقاً للأساس الذي نشأت عليه ولا تكون الإجازة الشرعية إلا مجرد غلاف خارجي لا علاقة له بالمضمون .. والأخذ بالنظم الإدارية والمالية الموجودة لدى غير المسلمين على علاتها ليس أمراً جديداً، ومجمل العقود الخاصة بالاستصناع والمزارعة والمساقاة هي في الأصل معاملات منقولة عن الأمم المفتوحة وقد أخذ بها الفقهاء على ما كانت عليه ثم أصبحت معاملات شرعية لا غبار عليها انطلاقاً من مبدأ المصلحة الشرعية، فحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.
وإلى أن ينشأ نظام مالي إسلامي فالأفضل هو قبول المنتجات المالية الحالية بوضعيتها القائمة باعتبارها تحقق مصالح شرعية لا يمكن الاستغناء عنها.
وفيما يتعلق بنشاط التأمين تحديداً فإن إلقاء نظرة على طبيعة هذا النشاط وكيفية إدارته ستؤكد أنه لا يوجد ما يسمى بالتأمين التعاوني المباح والتأمين التجاري المحرم، فكلاهما تأمين يمارس وفقاً لذات الأُسس وبناءً على ذات الأساليب وهو ما نوضحه فيما يلي:
الوصف النظري للتأمين التعاوني:
يرى أنصار التأمين التعاوني أن هذا النوع من التأمين عبارة عن:
1 - شركة تأمين تعاوني إسلامي تنشأ لهذا الغرض.
2 - تقوم هذه الشركة بإنشاء صناديق تأمينية لمواجهة الأخطار المختلفة، مثل صندوق التأمين الصحي وصندوق تأمين الحريق وصندوق تأمين السيارات.. إلخ.
3 - حملة الوثائق الذين يساهمون باشتراكاتهم التأمينية في تكوين الصناديق.
4 - تتولى شركة التأمين التعاوني إدارة الصناديق التأمينية لصالح حملة الوثائق (المساهمين) مقابل أجر ويقصد بالإدارة الجانب الاكتواري والمحاسبي من حيث تقدير الأخطار وقيمة الاشتراكات ونوع التغطية ومبلغ التعويض وشروط الصرف وكذلك التأكد من استيفاء المطالبات لهذه الشروط واتخاذ الإجراءات الخاصة بصرفها.
5 - تتولى شركة التأمين التعاوني استثمار الاشتراكات المتجمعة في الصناديق التأمينية.
6 - تحصل شركة التأمين التعاوني على أجر مقطوع نظير إدارتها للصناديق التأمينية، كما تحصل على حصة من أرباح استثمار الصناديق التأمينية ويجوز لها الدخول بأموالها كمضارب في استثمارات تلك الصناديق.
7 - لا تلتزم شركة التأمين التعاوني في مواجهة المؤمن لهم إلا في المبالغ الموجودة في كل صندوق على حدة، فإذا لم تكف موجودات الصندوق لتغطية جميع الأخطار، تتوقف الشركة عن الدفع أو تطالب المؤمن لهم زيادة الاشتراكات، وإذا كان هناك فائض عن الحاجة تقوم الشركة بإعادته إلى حملة الوثائق.
8 - تقوم شركة التأمين التعاوني بإعادة الفائض من أموال الصناديق التأمينية بعد استيفاء المطالبات إلى حملة الوثائق.
9 - تنشئ شركة التأمين التعاوني هيئة شرعية تقوم بمراقبة أداء الشركة والتأكد من موافقته للأحكام الشرعية.
10 - تقوم شركة التأمين التعاوني بإعادة التأمين على صناديقها التأمينية.
الوصف النظري للتأمين التجاري:
تعمل شركة التأمين التجاري وفقاً للآليات التالية:
1 - تنشأ شركة التأمين التجاري برأس مال يتناسب مع طبيعة الأخطار التي تعتزم تغطيتها، وتعمل وفقاً لنظام الشركات المساهمة وضوابطها.
2 - تقوم شركة التأمين التجاري بإصدار وثائق تأمينية تغطي مجموعة من الأخطار مقابل اشتراكات يدفعها حملة هذه الوثائق.
3 - تتولى شركة التأمين التجاري إدارة الأخطار والمطالبات بما يشمل تحديد طبيعة الأخطار وقيمة الاشتراكات وشروط صرف التعويض وإجراءات الصرف ويشمل ذلك الجانب الاكتواري المتعلق بمحاسبة التأمين وهو جوهر عمليات التأمين.
4 - تتولى شركة التأمين التجاري استثمار مبالغ الاشتراكات المتجمعة للإنفاق منها على تغطية الأخطار بحيث يمكنها الوفاء بجميع الالتزامات المحددة في الوثيقة وتحقيق بعض الأرباح.
5 - تظل شركة التأمين ملتزمة في مواجهة المؤمن لهم بما تضمنته الوثائق بغض النظر عن كفاية أو عدم كفاية موجودات الصناديق لتغطية الأخطار المؤمن عليها.
6 - تقوم شركة التأمين بإعادة التأمين على صناديقها التأمينية.
وحدة كل من التأمين التعاوني والتجاري:
بالنظر إلى ما سبق يمكننا أن نلاحظ بسهولة ووضوح أن جوهر التأمين التجاري والتأمين التعاوني واحد، وهو التعامل مع الخطر بآلية فنية واكتوارية محددة لا تختلف بين هذا وذاك، بل إنهما - حتى - يتفقان في مجمل العناصر الأخرى، وما بقي من فوارق كوجود الهيئة الشرعية لا يؤثر على اتحادهما من حيث الجوهر وهو ما نبينه فيما يلي:
1 - التأمين التعاوني والتجاري يمارسان من خلال شركة تجارية:
حين ننظر إلى الإطار النظامي أو القانوني الذي تعمل فيه المنشأة التي تمارس التأمين بنوعيه التجاري والتعاوني، نجد أن كليهما يعملان من خلال إطار قانوني واحد وهو الشركة التجارية والتي غالباً ما تكون شركة مساهمة تنشأ وفقاً لنظام الشركات والذي هو جزء من القانون التجاري، وتنطبق عليها جميع القواعد التجارية، مع أن المفترض أن مصطلح «التعاوني» يعني ممارسته من خلال هيئة مدنية لا تستهدف الربح وليس من خلال شركة تجارية يقوم بتأسيسها مستثمرون.
2 - شركة التأمين التجاري والتعاوني تستهدفان الربح:
كل من شركة التأمين التجاري وشركة التأمين التعاوني في الواقع يستهدف الربح، لأن كلاً منهما تأسس بواسطة أفراد أو مستثمرين لا يمكن أن يضعوا أموالهم إلا حيث يحتمل تحقيق الربح، أما القول بأن شركة التأمين التعاوني تأخذ أجراً مقطوعاً وتكتفي بإدارة الصناديق بينما شركة التأمين التجاري تحصل على أرباحها التي هي عبارة عما يزيد من عملياتها التأمينية بعد استيفاء المطالبات، فهذا خلط واضح ولا ينفي استهداف الربح عن شركة التأمين التعاوني، فالمبالغ المقطوعة كأجر عن إدارة الصناديق يصرف جزء منها على الإدارة ويتبقى جزء آخر هو ربح الشركة الذي يوزع على المساهمين إضافة إلى ناتج ربحها من الاستثمارات التي تدخلها كمضارب، بل إن ربح شركة التأمين التعاوني محاط بالشبهة الشرعية وليس العكس لأنه ربح مضمون تضمنه الشركة بعد حساب المصروفات التي تحدد سلفاً، بينما في التأمين التجاري لا تضمن شركة التأمين أن تربح أو تخسر نتيجة أعمالها وهذا هو جوهر المضاربة الذي يتوفر من الناحية الواقعية في التأمين التجاري بدرجة أوضح من التأمين التعاوني.
3 - التأمين التجاري والتعاوني يدار لصالح حملة الوثائق:
كل من شركة التأمين التجاري وشركة التأمين التعاوني يمارس عمله في الواقع لصالح حملة الوثائق، وذلك بالنظر إلى النتيجة من عمل كل منهما وهي تحقيق عامل الأمن للمؤمن لهم أو تعويضهم عن الأضرار المغطاة، وكل منهما يمارس بذلك نشاطاً يتفق مع أي نشاط تجاري آخرتمتزج فيه المصلحة العامة بالخاصة، فشركة الكهرباء تعمل لصالح عملائها ولكن ذلك لا يمنعها من استهداف الربح مع تحقق مصلحة مؤكدة للعملاء في الوقت ذاته، وهو ما ينطبق على الأسواق والمراكز التجارية وشركات الطيران والمراكز الطبية وأي نشاط مباح آخر.
4 - وحدة الجانب الفني:
أهم ما يوحد بين كل من التأمين التجاري والتأمين التعاوني هو وحدة الجانب الفني أي الجانب المتعلق بالعملية الاكتوارية الخاصة بحساب الأخطار ومعدلاتها واحتمالات وقوعها ومبالغ التغطية المتوقعة وقيمة الأقساط وحد المنفعة وعدد المشتركين الذي يحقق الجدوى للصندوق التأميني، وكل هذه الجوانب الفنية موحدة تماماً في كل من التأمين التجاري والتعاوني ولا يوجد أدنى فارق بينهما، وبالتالي فجوهر عملية التأمين في الحقيقة واحد ولا خلاف فيه.
5 - إعادة التأمين:
تحتاج كل من شركة التأمين التجاري والتأمين التعاوني إلى إعادة التأمين على صناديقها التأمينية لدى شركات إعادة تأمين في الداخل والخارج، وهذا جانب فني في التأمين لا يمكن للصندوق أن يستمر إلا به.
6 - الفائض والأرباح:
تقوم شركة التأمين التعاوني بإعادة الفائض من عمليات التأمين إلى حملة الوثائق، وهذا صحيح، لكن على الجانب الآخر فإن شركة التأمين التجاري تعيد هذا الفائض تحت مسمى آخر هو الأرباح على الوثائق، وذلك يعود في الواقع إلى المنافسة التي تجبر كل طرف على تقديم نفس المزايا التي يقدمها بقية أطراف السوق إلى العملاء.
7 - الهيئة الشرعية:
يبقى فارق وحيد بين التأمين التجاري والتعاوني وهو وجود هيئة شرعية لدى شركة التأمين التعاوني، والواقع أن وجود الهيئة الشرعية في شركة التأمين التعاوني لا يمثل فارقاً يذكر لأنها لا يمكنها التدخل في الجانب الفني للتأمين والذي يمارس على أساس واحد، كما أن المنتج الذي تعتمده على أنه مشروع يطابق أحياناً بالنص نفس المنتج الصادر عن شركة التأمين التجاري، اللهم إلا إذا كانت إضافة البسملة والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام في وثيقة التأمين التعاوني هي التي تضفي المشروعية عليها وتنتفي تلك المشروعية بعدم وجود البسملة في وثيقة التأمين التجاري.
خامساً: مشروعية التأمين التجاري:
مما سبق وبناءً على ما اتضح من وحدة كل من التأمين التعاوني والتجاري من حيث الجوهر، يمكننا القول بمشروعية جميع أنواع التأمين تجارياً كان أو تعاونياً للأسباب التالية:
1 - تحقق المصلحة:
لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حض على التعاون في مواجهة الخطر انطلاقاً من قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة آية 2)، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الأشعريين إذا ارملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم» (أخرجه البخاري)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال «اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على العاقلة» (أخرجه البخاري).
كذلك فإن التأمين يحقق مصلحة كبرى للمجتمع ويساهم في تحقيق أحد المقاصد الشرعية المتمثلة في حماية المال والنفس بمساهمته في التخفيف من الأضرار وتوفير الرعاية الصحية وتوفير الشعور بالأمن لحملة تطبيق التأمين الصحي أو التأمين على المنشآت يمكن أن نلاحظ حجم المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي يحققها التأمين والتي تجعله ضرورة لا غنى عنها والقاعدة الشرعية أنه حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.
2 - انتفاء الفارق جوهري بين التأمين التجاري والتعاوني:
لما كان جوهر النشاطين واحد فلا يوجد مبرر للقول بإجازة أحدهما وتحريم الآخر.
3 - انتفاء الغرر:
يستند البعض في تحريم التأمين التجاري إلى أنه يحتوي على الغرر، والواقع أن المفهوم الشرعي للغرر هو (الخداع الذي هو مظنة أن لا رضاء فيه عند تحققه، ومن مفهومه أيضاً ما لا تُعلم عاقبته من الخطر الذي لا يُدرى أيكون أم لا؟)، ومصطلح الغرر مصطلح نسبي غير مطلق فما يكون خداعاً لشخص لا يكون خداعاً لغيره، ومن هنا فإن التأمين التجاري ينتفي فيه الغرر تماماً كما ينتفي في التأمين التعاوني، ومفهوم الغرر في حقيقة الأمر ليس مفهوماً مطلقاً غير قابل للتغير، فالغرر أمر نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان والحال، فما كان غرراً بالأمس لا يعني أنه يعتبر غرراً اليوم والعكس صحيح، فإيجار مسكن وتركه خالياً لمدة سنة كان يعتبر من الغرر المبطل للعقود قديماً لكن لا يمكن اعتباره غرراً اليوم لتغير الحال وتعدد احتمالات الأسفار والحاجة إلى وجود سكن جاهز في بلد معين، ولو طُبق الغرر مثلاً بمفهومه التقليدي في عالم اليوم فسنجد أن أغلب معاملاتها يصيبها البطلان، ونضرب هنا مثالاً واضحاً بقيام شركة الطيران بحجز مقعد مؤكد لراكب قد يحضر وقد لا يحضر، وتقلع الطائرة وقد فاتها أجر المقعد الذي كان يمكن أن يشغله آخر، فهل يعتبر نظام الحجز بهذه الطريقة من الغرر غير الجائز شرعاً إذن ستتوقف صناعة الطيران، وإذا انتقلنا إلى نشاط التأمين فعلينا أن ندرك أن الفائدة أو المقابل للاشتراك التأمين ليس التعويض، وإنما هو الشعو ر بالأمن والاطمئنان الذي يمكن الفرد من ممارسة أعماله، فقائد السيارة المؤمن عليها يمكنها التحرك بها بدرجة أكبر من قائد السيارة غير المؤمن عليها وهو ما يعود عليه بالمصلحة في العمل والحياة، وحامل بطاقة التأمين الطبي لا يضطر إلى ادخار مبالغ كبيرة من دخله تحسباً للمرض.. إلخ، أما التعويض فهو فائدة تكميلية قد يحصل عليها المؤمن له أو لا يحصل عليها طبقاً للظروف.
سادساً: مميزات التأمين التجاري قياساً للتعاوني:
الحقيقة أن التأمين التجاري لا يتفق فقط في درجة المشروعية مع التأمين التعاوني وإنما يتميز بعدة مميزات تجعله الأكثر تحقيقاً للمصلحة والتي تتمثل فيما يلي:
1 - ضمان استمرارية النشاط:
بالنظر إلى المفهوم الظاهري لشركة التأمين التعاوني فهي شركة متخصصة في إدارة الأموال ولا تحتاج إلى رأس مال خاص بها، وبالتالي يقتصر عملها على إدارة الصندوق فإن أفلس في منتصف فترة التغطية تمت تصفيته وترك المؤمن لهم بلا غطاء تأميني حتى تنتهي مدة التأمين ويتم التأمين من جديد على أُسس جديدة، وهذا هو عين الضرر الذي نهى عنه الشارع الكريم في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر ولا ضرار» أما شركة التأمين التجاري فهي شركة ذات رأس مال ضخم فلو أفلس الصندوق قامت بتغطية العجز والوفاء بحقوق حملة الوثائق، وترحيل الخسارة للعام التالي والعمل على تعويضها وإعادة الصندوق إلى حالة الملاءة وفقاً للأساليب التأمينية المتعارف عليها، ولكي نطبق مثل هذا الفرض على الواقع، لنفترض أن كلاً من صندوق التأمين الطبي في شركة التأمين التعاوني وشركة التأمين التجاري قد أفلس بعد ستة أشهر من بداية التأمين الذي يمتد في العادة إلى عام، فكيف يكون الأمر عليه في شركة التأمين التعاوني وشركة التأمين التجاري.
في شركة التأمين التعاوني فإن الإجراء الطبيعي هو تصفية الصندوق ووقف التغطية وهكذا يفاجئ المرضى والمنومون والأطفال والحوامل بأنه لا تغطية صحية لهم وعليهم أن يتدبروا أمرهم لأن الصندوق أفلس، أما في شركة التأمين التجاري فإنها تلتزم باستمرار الخدمة وتغطية العجز من رأس المال حتى نهاية مدة التأمين ومن ثمَّ العمل على إصلاح وضع الصندوق في العالم التالي.
2 - التأمين التجاري يحد من الاختلال والتسيب المالي:
في التأمين التعاوني فإن شركة التأمين تضمن الربح مقدماً من خلال أجرها عن إدارة الصندوق التأميني، ولا تلتزم في مواجهة المؤمن لهم إلا في إطار موجودات الصندوق، وهذا يفتح الباب واسعاً لأشكال متعددة من التحليلات المالية والإدارية دون خشية تداعي للمطالبات على الشركة أو تأثر مركزها المالي، أما شركة التأمين التجاري فستظل مطالبة بالوفاء بالتزاماتها المحددة في الوثائق بغض النظر عن المركز المالي لصناديقها التأمينية.
سابعاً: الرد على بعض الشبهات المثارة حول التأمين التجاري:
تتناول بعض أجهزة الإعلام ومواقع الإنترنت بعض الشبهات التي تحيط بالتأمين التجاري والتي تضمنتها بعض الفتاوى التي اختلط على أصحابها الأمر وهو خلط ناتج في الأساس عن ضعف المعرفة الدقيقة بالممارسة الواقعية والعملية لنشاط التأمين، وقد ردنا فيما سبق على عدد كبير من هذه الشبهات، وبقي أن ننتناول بعض الشبهات الأخرى بالتوضيح فيما يلي:
1 - عدم جواز التزام شركة التأمين التجاري في رأسمالها:
ترى بعض الفتاوى أنه لا مجال لأن تلتزم شركة التأمين في أسواقها إذا نفذت أموال الصندوق، ولا مجال أيضاً لأن تحتفظ بالفائض من عمليات التأمين على شكل أرباح، والحقيقة أن هذا هو الغبن بعينه، لأن عملية التأمين ليست عملية وقتية، فقعد التأمين محدد المدة، لكن الصندوق التأمين غير محدد المدة، وبالتالي ففي حالة خسارة الصندوق في إحدى السنوات سيضار المشتركين في هذه السنة، بينما يستمر التأمين بعملياته الاستثمارية والتأمينية التي تمثل اشتراكات هذه السنة جزءاً منها ويمكن أن يحقق أرباحاً في العالم التالي تستفيد منها حملة الوثائق بالحصول على تغطية كاملة، وهنا يقع الضرر على حملة وثائق السنة الأولى دون مجب شرعي، ولذلك فإنه من الطبيعي أن تقوم شركة التأمين بتغطية عجز الصندوق من رأسمالها ومن ثمَّ يعاد توزيع الخطر على الجميع وإدارته بجدوى أعلى لاحقاً.
2 - إعادة التأمين:
ترى بعض الفتاوى أن التأمين خارج المملكة يجعل التأمين محرماً، وهو قول لا سند له ولا دليل، فقد كان يمكن للمفتي القول أن إعادة التأمين غير جائزة من الأساس، أما القول أن إعادة التأمين جائزة في المملكة وغير جائزة خارجها فهو قول يفتقر إلى الدقة، خاصة أن إعادة التأمين نظام عالمي ذو طبيعة محددة غير قابلة للتعديل أو التكييف وبدونه لا يمكن ممارسة نشاط التأمين، وهو يشبه تماماً أي نشاط مالي آخر مثل البنوك والأسهم وهي كلها أنشطة ترتبط بالنظام الاقتصادي العالمي وتمارس وفقاً لقواعد محددة لا يمكن الخروج عنها، ولو انتقلت إعادة التأمين فقد انتفى التأمين من الأساس تعاونياً كان أم تجارياً.
3 - الاستثمار في سندات محرمة:
ذهبت الفتاوى المشار إليها إلى القول أن شركة التعاونية تستثمر في سندات محرمة، واكتفت الفتوى بالقول أنها سندات محرمة وحسب، دون أن تبين طبيعة السندات ومسماها ونوعها ومكان تداولها وسبب التحريم، ومثل هذا القول يفتقد إلى الدقة والمنهج الشرعي السليم، فالرأي الشرعي ينبغي أن يكون موثقاً ومفصلاً لعناصره مبيناً لسند الإجازة والتحريم وهو ما لم نجد له أثراً في هذه الفتاوى.
4 - آراء العلماء:
ذهبت الفتاوى المشار إليها إلى القول بأنه قد «ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى تحريم التأمين التجاري وجواز التأمين التعاوني، وقد أخذ بهذا القول معظم هيئات الفتوى الجماعية، كهيئة كبار العلماء بالمملكة، واللجنة الدائمة للإفتاء، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة» والحقيقة أن هذا القول أخذ برأي وترك رأياً لا يقل عنه حجية وانتشاراً، على أننا قبل ذلك نشير إلى أن كلاً من فتوى مجمع الفقه الدولي ومجمع الفقه الإسلامي واللجنة الدائمة للافتاء جميعها عبارة عن نسخة طبق الأصل من فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة الصادرة بالقرار رقم 51 وتاريخ 4/4/1397ه وهي عبارة عن بحث قدم وقتها إلى هيئة كبار العلماء وأقرته وعملياً لم يجد طريقة للتطبيق لأنه بالطريقة التي صيغ يحتاج إلى إنشاء هيئة تأمين حكومية وليس شركة تأمين خاصة.
أما الآراء التي أجازت التأمين التجاري فهي من الناحية العملية الأكثر شهرة وانتشاراً، ومنها قرارات مجمع البحوث الإسلامية بمصر وعدد من أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منهم فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع وفضيلة الشيخ عبدالله المطلق وفضيلة الشيخ صالح بن حميد، ومن خارج المملكة الشيخ مصطفى الزرقا والشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر والدكتور نصر فريد واصل والشيخ محمد خاطر وغيرهم.
الخلاصة:
في ختام هذا البحث فإننا نرى ما يلي:
1 - أن المعاملات المالية في مجملها الأصل فيها الإباحة ولا يجوز تحريم أي منها إلا بنص شرعي وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «تركنا تسعة أعشار الرزق مخافة الربا».
2 - أن نشاط التأمين نشاط حديث لا يوجد له أصل فقهي يمكن قياسه عليه.
3 - لا يوجد فارق جوهري بين التأمين التجاري والتعاوني.
4 - جواز نشاط التأمين مطلقاً تجارياً كان أم تعاونياً.
5 - جواز الاكتتاب في أسهم الشركة التعاونية للتأمين دون شبهة شرعية في ذلك.
والله ولي التوفيق.
د. عبدالعزيز بن حمد المشعل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.