الأجواء هذه الأيام وخصوصا أيام العيد كانت مغرية للقيام بنزهة برية بعيداً عن ازدحام المدينة وضجيجها وتلوث هوائها بالرغم من الهدوء الذي خيم على الرياض أيام الإجازة. توجهنا قبل أيام للبر وتحديدا للنفود بحثا عن الهواء العليل النقي والهدوء والانطلاق وبعد ارتشاف الشاي والاستمتاع برؤية الفضاء الشاسع والرمال الحمراء حولنا وهي تفرض لونها الموحد بهيمنة وقوة كوشاح للصحراء نظرت للمكان حولي وتحديدا للكائن الجاثم على الأرض خلفي واسميه كائن تعظيما لهيبته التي جعلتنا حوله كأقزام لاتكاد ترى. أعني طبعا (الطعس) وهو بلا مبالغة يقف خلفنا مباشرة بعلو شاهق، أخذت فكرة اعتلائه والتربع على قمته تسيطر عليّ وتلح فأفصحت عنها مباشرة بلا مقدمات فلا شك ستكون الإطلالة من هذا العلو الشاهق أمراً ممتعا بل مثير لا يقاوم. طبعا أختكم في الله تفتقد للياقة ومنذ فترة لم أمارس أبسط أنواعها وهو المشي لعوائق لامجال لذكرها الآن،عندما طرحت فكرتي وهي تسلق هذا المرتفع الرملي لم أبالِ بقول أحدهم : تراه عالي مو سهل . قالها وهو الذي يتمتع باللياقة رأفة بحالي وحماسي وأشار علي بأن أصعد من جوانبه لأن ذلك أسهل . نظرت إليه نظرة احتقار وازدراء: أتظن أني أعجز عن صعود هذا. تركوني وانتشروا كل بطريقته للصعود للقمة بينما أنا اخترت الأصعب وهو شق عباب الرمال من الوسط فكانت البداية سهلة إلى أن بدأت خطواتي تعود للخلف بسبب سيل الرمال الجارفة وهي تدفن قدمي وأنا بكل تحد أقاوم وأتقدم قطعت ثلاثة أرباع الطريق فبدأ قلبي يرفرف بصدري كالطائر الجريح وهو يعاني الاحتضار . ارتحت قليلا وعندما استعدت نشاطي لم أتراجع وأنا اراهم يعتلون القمة ويتصايحون مشجعين وربما شامتين . استجمعت كل ماتبقى من قوتي وأخيرا وبعد جهد وصلت للنهاية: ياه المنظر هنا لا يقاوم من هذا المرتفع قمة الجمال أن ترى الأرض تحتك والسيارات والناس كنقطة ببحر واسع. ارتميت على القمة وقلبي يكاد أن يخرج هاربا ولا ألومه فقد احتمل مالا يطاق، وفجأة انتابني شعور غريب وكأنني أواجه الموت وجها لوجه ..يارب رحماك على هذا الطعس العالي وبين أحبابي ستخرج روحي يارب لا تفجعهم وهم بقمة سعادتهم اسودت الدنيا بوجهي والدوار أخذ يعصف بي من كل جهة فاسترخيت وتعرق بدني وأنا أسمع شبه صيحات حولي ونحيب منهم من يقول اصفر وجهها ومنهم من يصرخ: (هاتوا ماء نرش عليها) .ولا تسألوني لحظتها عن شعوري فقد حدث اصطدام هائل لحظتها بين نشوة وصولي لقمة المرتفع وبين صدمة انهيار قوتي وضعفي . انسكب عليّ الماء وأيديهم تنفض جسدي بلا قدرة مني على الحركة ثم عادت لي الحياة منهكة القوى لا أقوى إلا على الاشارة :أنا بخير. طبعا العودة كانت عن طريق السحب السريع للقاع بثوانٍ . وبعد الاطمئنان على صحتي أمام الطبيب المفجوع بمغامرتي على لسان أخي -سامحه الله- نصحني بالرياضة وهو يقول : ألف سلامة عليك امشي ياستي امشي أعملي رياضة وبعدين اطلعي الجبل زي مانتي عايزة ..قلت بنفسي لا جبل ولا طعس خلاص.. يازين العافية . نكتفي بالمشي فقط ..!!