قتيل وأكثر من 20 جريحا في قصف روسي على كييف    الرئيس الفلسطيني يثمن اعتزام كندا الاعتراف بدولة فلسطين    استمرار الرياح النشطة على معظم مناطق المملكة    ارتفاع أسعار النفط    أمير منطقة المدينة المنورة يزور معرض الكتاب    معرض المدينة المنورة للكتاب 2025.. بين الرؤية الثقافية والتكامل مع صناعة النشر    مكتبة الملك عبدالعزيز تحتفي بالتراث في معرض المدينة    مؤتمر حل الدولتين: إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهرا    إسرائيل تواصل قصف الجوعى في مراكز المساعدات وتوزيع المياه    هجوم روسي على منشآت تدريب أوكرانية    15 دولة تتجه للاعتراف بدولة فلسطينية بعد مؤتمر نيويورك    "المركز الوطني للفعاليات" يوقع مذكرة تفاهم مع هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة    إطلاق منصة الفانتازي لكأس العالم للرياضات الإلكترونية بجوائز إجمالية تبلغ 200 ألف دولار    الشهراني يبحث مع رئيس الاتحاد الدولي ترتيبات استضافة الرياض لبطولة العالم    أمير القصيم يزور مركز البسيتين بعيون الجواء ويدشن جمعية مزارعي العنب    أخضر الصالات يتأهل لنصف نهائي بطولة القارات بعد الفوز على زامبيا بخماسية    النصر يحقّق فوزه الثاني أمام تولوز الفرنسي    نائب أمير مكة يستقبل رعاة حملة توعية ضيوف الرحمن    لتولى مهام مراقبة ساحل البحر الأحمر.. تدشين فريق مفتشات بيئيات بمحمية الأمير محمد بن سلمان    9 مليارات ريال كفالات تمويلية    وزير الطاقة يجتمع مع نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي    4 أشواطٍ تحضيرية للكؤوس في الأسبوع الثاني من موسم سباقات الطائف    يجمع باريس سان جيرمان وتوتنهام.. صافرة برتغالية تضبط السوبر الأوروبي 2025    في ديوانيته الأسبوعية.. خوجه يحتفي بسفير جمهورية طاجيكستان    الفضلي يؤكد صدارتها عالمياً في المياه.. وزير الإعلام: السعودية تصنع تقنية المستقبل    بسبب تجويع سكان غزة.. شخصيات إسرائيلية بارزة تطالب بعقوبات على تل أبيب    أوفياء كشافة شباب مكة يطمئنون على فضل    أسرة الزهراني تحتفل بزواج أحمد    آل العيسوي وأبوزيد والطباع يتلقون التعازي في محمود    وسط تحركات دبلوماسية متسارعة لدعم حل الدولتين.. 15 دولة غربية تدعو للاعتراف بدولة فلسطين    مؤتمر نيويورك يعيد الزخم لتحقيق سلام عادل.. رؤية سعودية حاسمة تقود «حل الدولتين»    تعاون سعودي- فلسطيني في المناهج والاتصالات والتنمية «البشرية».. وزير الخارجية ورئيس الوزراء الفلسطيني يستعرضان العلاقات الثنائية    بمشاعر الوفاء.. تناغم الفن تكرم التشكيليين    عرض مسرحية «طوق» في مهرجان إدنبرة الدولي    وفاة الفنان لطفي لبيب.. الضاحك الباكي    التجارة تستدعي 96 طقم أكواب زجاجية للأطفال    ارتفاع أسعار الغاز في 2025    20 فرصة عقارية بمزاد كندة العلني الهجين في مكة المكرمة    استعراض مبادرات وأنشطة محمية تركي بن عبدالله أمام أمير حائل    فيصل بن مشعل يكرّم مميزي "مدني القصيم" في الحج    توثيق أصوات مؤذني مساجد وجوامع الأحساء    التماس العذر    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير مشروعات صبيا وضمد    المملكة تقدم دورة علمية لتأهيل الأئمة والخطباء في جيبوتي    فن المملكة يحطّ رحاله في بكين    جامايكا تشيد بمبادرة المملكة لنقل التوأم الجامايكي الملتصق «أزاريا وأزورا» إلى الرياض لدراسة حالتهما الطبية    حرس الحدود بمنطقة جازان يضبط شخصا لتهريبه (21) كجم "حشيش"    رحلة في "يباس".. نادي الرواية الأولى يضيء التجربة الروائية لآية السيّابي    نائب أمير جازان يستقبل قائد قوة أمن المنشآت المعيّن حديثًا بالمنطقة    جمعية "كلانا" توقع شراكة مع الصحة لتوفير 50 جهاز غسيل كلوي    نجاح عمليتين لزراعة مضخات قلبية بمدينة الملك عبدالله بمكة ضمن برنامجها المتخصص في قصور القلب    كبار السن في السعودية يتصدرون مؤشر الصحة الذهنية عالميًا    أمير جازان يرعى مراسم توقيع إتفاقية تعاونٍ بين سجون المنطقة وجمعية "مأمن"    نائب أمير مكة يطلع على أعمال الجهات المعنية بخدمة المعتمرين    وزير الداخلية يطلع على "العمليات الأمنية" لشرطة باريس    1.689 طلب منح الأراضي المنفذة    أمير جازان ونائبه يطّلعان على سير المشروعات التنموية بمحافظة صبيا    ثقافة القطيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثقافة رغبة.. أو لا تكون!
نشر في الرياض يوم 01 - 11 - 2012

ناظم حكمت أوصى ابنه محمداً: «كن في دنياك كأنك في بيت أبيك، لا كمستأجر عابر للبيت».
هذه الكلمات قد لا تكون، تحديداً، هي نفس كلمات ناظم، إلا ان المعنى هو ذاته، فالشعر، حين يصير نثراً، تلوى رقبته، واني لمذنب، حين ألوي كلمات هذا الشاعر الكبير، في نثر أردته تعبيراً عن حقيقة كبيرة، هي ان نستشعر دائماً اننا لسنا، في دنيانا، وخلال عمرنا، بمستأجرين، ومن الرحّل في الناس، وإنما أن نعيش عمرنا كأننا في بيت أبينا، وان نعمر هذا البيت، نجعله أجمل وأفضل، صامداً في وجه نائبات الحياة.
هذه ثقافة من الثقافة، ولطالما تلقينا، بامتنان، فتات مائدتها العامرة من هذا الشاعر أو غيره، غير أن التلقي، هنا، لم يكن مباشراً، لم يكن فجاً، لم يكن وعظاً، كان أمثولة كبيرة، في ألفاظ قليلة، مؤداها ألا نمر في دنيانا مرور الكرام، بل أن نعيشها بعمق، لمجرد أنها دنيانا، بيت أبينا، وما يتطلبه بيت الأب من إقامة، وعمل، ونزوع نحو الأفضل، لنتركه لأولادنا من بعدنا، عامراً كما تركه لنا آباؤنا، ونضيف إليه إعماراً ما وسعنا ذلك.
هكذا يكون التثقيف، نصيحة شعرية، يكون قولاً مأثوراً، يكون مثلاً طيباً، ويكون، في المحصلة، نافذاً ومفيداً، كالشجرة المباركة، التي تزهر، وتورق، وتعطي ثمراً لذيذاً، نتذوقه بشهية، ورغبة في المزيد، عاملين على غرس أشجار مماثلة، لنا ولغيرنا.
لقد قلت، أكثر من مرة، ان الثقافة تجتنى من الكتب والناس، وان اجتناءها من الناس هو الأرسخ في الذهن، والأبرز في التعاطي، والأقوم في التمثّل، لأنه ناتج تجربة، وما في التجارب من معاناة، مبهطة أحياناً، مفيدة في كل حين، لا تتأتى لنا إلا من العيش بين الناس، ومعرفة مشاكلهم، أوجاعهم، حاجاتهم، وتطلعاتهم إلى الأرقى أبداً.
ساقني إلى هذا الكلام، الذي أرجو أن تكون فيه متعة ومعرفة، حين كنت لاجئاً وعاملاً في الصين، تعرفت، ذات يوم، برجل من أميركا اللاتينية، أحمق قليلاً، لذلك كان يصطحب معه زوجته، وكتابين، واحد له والآخر لها، ويفرض عليها ان تقرأ مادام هو يقرأ. وقد اقسمت لي الزوجة المسكينة، انها تفتح الكتاب فلا تقرأ شيئاً، لانعدام الرغبة في القراءة حين تكون قسرية، وإذا هي قرأت لا تفهم، وانها تخفي ذلك عن زوجها كيلا يشتجر!
وذات ليلة صيف، وفي الصين يهطل المطر مدراراً صيفاً، صادف ان كانا في مقهى على سطح الطابق السادس، وكانوا يسمونه «الروف» كما اعتادوا بالانكليزية، وكان الزوج والزوجة في مقعدين طولانيين للراحة، يفتحان كتابيهما كالعادة، ليتثقفا بالأساطير الصينية، وإذا بمطر صبيب يهطل، فيتراكض الناس إلى الداخل، وتهم الزوجة بالنهوض، فيطلب منها زوجها أن تبقى، وان تثابر على القراءة، وتهم ثانية فيزجرها ثانية، إلى ان تصيح به:
- ألا تحس بالمطر الذي يبللنا؟
طوى الزوج كتابه بحركة بطيئة، وقال لها واعظاً:
- البروليتاريا لا تخشى البلل!!!
فاحتدت الزوجة واجابته:
- لكنها تخشى قلة الذوق على الأقل!
وقد ضحكت عندما روت لي الزوجة هذه الحادثة، وقلت لها مازحاً:
- هذا هو ثمن الثقافة.. وبالقوة!
إن هذه الحادثة تصلح لقصة قصيرة، وإذا وجد الروائي الحاذق فقد يصنع منها رواية، رغم انني، ولعله اعتقاد خاطئ، لا أميل إلى ان تكون الزوجة بطلة رواية، أو الأصح، أن تكون زوجتي بطلة روايتي، أو ان يكون أولادي ابطالاً في احدى رواياتي إذا لم تكن الزوجة، وغالباً لا تكون، صالحة لهذه البطولة، أو كان أولادي، غير صالحين ليلعبوا دور الأبطال، وليست سوى الأثرة، أي الحب العائلي، هو الدافع إلى ذلك، ولا تعجبوا إذا قلت لافئدتكم الكريمة، إنني ناديت، ولازلت أنادي، بتخليص الأولاد من لعنة الحب العائلي.
لقد حشر، ذلك الزوج البليد، المطر بالبروليتاريا، قل حنّط المطر، وحنّط البروليتاريا وحنط الفلسفة الماركسية، وهذا ما أدى إلى تحنيط النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفياتي السابق، وهذا التحنيط، أو الجمود العقائدي، قد كان موجوداً في الصين ايضاً قبل التخلص منه، منذ عقد من الزمن، أو أقل، ولشد ما صورت بشاعة هذا الجمود في ثلاثيتي عن الصين: «حدث في بيتاخو، عروس الموجة السوداء، المغامرة الأخيرة» وأنكرته أفكاراً!
إنني لم اكتب عن زوجتي في أي من رواياتي الثلاثين، الصادرة حتى الآن، لا لأنها غير ملائمة فحسب، وإنما لأنها لا تثير قوة التخييل في ذاتي، وقد قال خرابتشنكو، في كتابه «الذات الابداعية» ان «الفكر الفني دون خيال عقيم، بمقدار ما الخيال عقيم دون واقع، وفي انتقاء الأبطال لابد من مراعاة هذا الشرط، كي يكون البطل قادراً على بعث الخيال فينا، وإلا كان الواقع فقيراً، بائساً، لا عبق فيه ولا نغم»!
كثيراً ما يسألني بعض النساء، كما تفعل زوجتي، هذا السؤال:
- متى تكتب عني؟ ومتى أكون احدى بطلات رواياتك؟ وماذا ستقول عني؟
أو ان بعض النساء، لمجرد تعارف طويل أو قصير، يحذرنني من باب الاغراء:
- لا تكتب عني.. إياك ان تفعل!
وأنا لا أفعل، فلا الترهيب ولا الترغيب يفيدان في كتابة الرواية، وفي انتقاء بطلاتها أو ابطالها خصوصاً، ومن المستحيل أن اتناول شخصية جاهزة تلبية لطلب أو واجب.. أفضل، في هذه الحال، ان ارسم غجرية على قدّيسة، من أفراد عائلتي، أو من النساء اللواتي هن في الواقع من حولي، لكنهن لا يبعثن أي خيال في ذاتي، لأنهن عاديات.
السبب: إنني أكره العادية، اقتلوا العادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.