منذ زمن قريب اشتهرت شعوب عربية بخفة الدم والتنكيت، واشتهرت أخرى بالفشخرة، الأولى كنا نحسبها خفيفة دم بالفطرة، والثانية ثقيلة للسبب نفسه. قد يكون في ذلك بعض من الحقيقة لكنه ليس الحقيقة كلها. فالواقع الساخر هو المحرك الأكبر لتلك الشعوب، عندما يسود الإحباط في مجتمع ما، مع توالي الأزمات تصبح النكتة المتنفس الوحيد له، والشاهد على ذلك ما تغص به أجهزة الهواتف ومواقع الانترنت من تعليقات لاذعة ونكات. الشعب يتغير، نحو الأسهل والأسرع.. الواقع في بعض الأحوال لا يعجبه، يخنقه وهو القليل الحيلة فيلجأ للنكتة يخترعها ليضحك منها ويضحّك الآخرين عليها. وهل بيده شيء غير التنكيت؟ وهو ينزلق من واقع لآخر يلحق أملًا ويضيعه ليلحق أملًا آخر وهكذا حتى يتعب. لم تعد الفشخرة مفيدة لأنها لا تداوي جرحه ولاتخفف عتبه النكتة صحية أكثر خفيفة ومنعشة. ومهما كانت تشاؤمية فخفة الظل ترطبها وتسعد قلب من يسمعها ولو للحظات. قد يتفكر المرء أحيانا في حال بعض الناس ماذا كانوا وإلى أين صارو؟! لماذا أدمنوا(التنكيت) وتحولوا من الجد إلى السخرية؟! عدم الرضا ليس السبب الوحيد بل الإحباط هو السبب. من كنا نحسبهم خفيفي ظل كانوا شيئا آخر، كانوا فاقدين للأمل أو محبطين وهل يوجد اختلاف بين الاثنين؟ فقدان الأمل هو البداية والإحباط هو النهاية بعدها تتساوى كل الأمور لأن مرارة الواقع متعبة ولا يحليها أو يخففها الإ النكت اللاذعة والكاريكاتيرات والصور المركبة. من يهوى التنكيت وإضحاك الناس قد لا يكون مضحكا في حقيقته لكن الواقع الساخر ساعده. هنا يجب أن نقف ونتأمل قبل أن نضحك فكلا الفعلين حاضر (التنكيت والفشخرة) ومفعولهما ساحر فهما في معظم الأحوال ليسا سوا أقنعة وما أدراك ما الذي وراء الأقنعة؟!