هذهِ الدُنيا كتاب أنت فيهِ الفِكَرُ هذه الدنيا ليالٍ أنت فيها العُمر هذه الدنيا عيون أنت فيها البصرُ هذه الدنيا سماءٌ أنت فيها القمرُ ما أجمل هذا الكلام وما أعذب صوت أم كلثوم والأكثر عبقرية لحن الأغنية الخالدة الذي سبك أنغامها الموسيقار محمّد عبدالوهاب. في أول أيام هذا العيد كنت أتنقل بين المحطات الفضائية بحثاً عمّا يريح النفس من كآبة مشاهدة أخبار القتل والعُنف والدمار. توقفت عند محطّة عربية تبث أغنية لسيدة الغناء العربي أم كلثوم أو كما يحلو للإخوة المصريين تسميتها (ثومه) أو يكتفون ب (الست) ليعرف السامع أنها المغنية الأشهر في تاريخ العرب الحديث. أغنية "أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدِ" هي في الأصل قصيدة للشاعر السوداني الراحل الهادي آدم وقد اختارتها السيدة أم كلثوم أثناء زيارتها للخرطوم وغنتها عام 1971م. لم يكن سبب ابتهاجي في فضاء تلك الأغنية العظيمة روعة لحنها أو جمال كلماتها أو حنجرة الست الماسيّة فقط، بل الحنين إلى أيام مضت عشت تفاصيلها. أيام الصبا والشباب. أيام البحث عن الذات ورسم المستقبل. أيام كانت فيها بلادنا تسير حثيثاً وبقوّة لإثبات وجودها كدولة فتيّة تنمو أسرع من الوقت. قائدها العظيم الملك فيصل بن عبدالعزيز الأكثر تديناً وانفتاحاً في نفس الوقت. ملك الصحراء الذي أجبر رئيس وزراء إحدى الدول الأوروبية الكبرى على أن يستخدم دراجته الهوائية بدلاً من السيارة بسبب قطع تدفق النفط العربي إلى بلاده لانحيازها لإسرائيل. مع قوّة بلادنا خارجياً بسبب سياستها المُعتدلة الواضحة كان الداخل ما يُشبه ورشة عمل لا تهدأ. في المقابل كانت الآداب والفنون في قوةِ دفع انطلاقها وتلمس خطاها تجد المباركة والدعم من قبل الرسمي. التلفزيون السعودي على سبيل المثال الذي أُفتتح في عهد الفيصل كان حكاية المجتمع الكبرى ووسيلة تثقيفه والترفية عن أفراد الأسرة فيه. يندر أن تمر ليلة جُمعة دون سهرة للسيدة أم كلثوم تصدح فيها بأغنياتها التي يسهر معها العشاق وأهل النغم والمغنى. في المقاهي العامّة يتحلّق الناس حول الشاشة الفضيّة للاستمتاع بصوتها العذب والتحليق مع أجمل الألحان. أذكر في مرّة أن ضج المقهى بالتصفيق بعد أن أكملتْ الست مقطعاً من أغنية "أغداً ألقاك"، نعم لا تستغربوا التصفيق في مقهىً عام فلم يكن هناك من يجرؤ على اغتيال بهجة الناس. كل عام وأنتم بخير.