وهي عملية تزامنت في تاريخنا الإسلامي مع قفل باب الاجتهاد، فتحولت كل العلوم إلى متون ومنظومات يجب حفظها كالألفية والأجرومية عن ظهر قلب، وأصبح لمعظم العلوم كالمواريث منظوماتها، وظهرت المطولات كصبح الأعشى.. ولعل الأستاذ محمد حسين الأنصاري قد أصاب قلب الحقيقة حينما كتب عن ثقافة التلقين والمتون، وتكريسهما مع إغفال ما عداهما من مسارات التحصيل وأساليب التعليم الأخرى، وإقالة الذهن وتعطيله بأغلال من المتون والمختصرات الصناعية تعمقت أكثر بنشر ثقافة التلقين، وجعل الذهن وعاء لتخزين آراء الآخرين ما أسهم في إضعاف العقل النقدي والتحليلي، وقد انطلق من هذه الأفكار لتسليط الضوء على نتائجها السلبية ومن ثم محاولة إيجاد المقترحات المكونة للذهنية العاملة الفاعلة، وهي دراسة تستحق التفكير والتأمل والتطبيق.. وأريد أن أضيف إلى ما قاله شيئا عن ضعف مخرجات التعليم في بلادنا، وغياب الإبداع في حياتنا، وهو أن عملية التلقين التي شكلت ذهنيتنا جعلتنا عاجزين عن استيعاب المواد العلمية التي لا نتمكن منها عن طريق التلقين وخاصة الرياضيات التي تعتبر أساسا لكل علوم العصر الحديث والمعرفة الجديدة، والرياضيات هي التي جعلت روسيا تتقدم في البداية على أمريكا في عالم الفضاء، ولكن أمريكا تداركت الأمر وغيرت نظام التعليم واخترعت الرياضيات الحديثة مما جعلها تنزل أول إنسان على وجه القمر، ولهذا يجب أن نلغي ثقافة التلقين، وهذا يقتضي إعادة تأهيل كل المدرسين ولو على دفعات، وكلي أمل في أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لا تنهض على ثقافة التلقين، وتكون طريقنا إلى عالم النقد والإبداع واكتساب المعرفة الجديدة.