الهولندي "ManuBachoore" يحرز بطولة "EA Sport FC 25"    أوروبا تعلن استعدادها لمواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا    الصين تستجوب مسؤولا رفيع المستوى    الوسطاء في إسبانيا يسابقون الزمن لوقف الحرب في غزة    المملكة قاعدة خصبة لمواهب الذكاء الاصطناعي    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي 7.9 %    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لدفعة شهر أغسطس    استقبل المشاركين من «إخاء» في اللقاء الكشفي العالمي.. الراجحي: القيادة تدعم أبناء الوطن وتعزز تمكينهم بمختلف المجالات    المركز السعودي للأعمال.. بيئة جاذبة وتسهيل رحلة المستثمرين    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    أمير تبوك يستقبل البلوي المتنازل عن قاتل ابنه    حسام بن سعود يطلع على برامج جامعة الباحة    أميركا ومحاربة الفقر    مقتل واعتقال قيادات إرهابية بارزة في الصومال    أكد أنه لا مبرر لوجوده خارج مؤسسات الدولة.. السوداني: حصر السلاح بيد الحكومة أولوية وطنية    شدد الإجراءات الأمنية وسط توترات سياسية.. الجيش اللبناني يغلق مداخل الضاحية    نسمة القمم    السوبر.. وهج جماهيري وخفوت قانوني    رئاسة الاتحاد ووديات العميد    النصر يسعى لضم لاعب إنتر ميلان    القادسية يعترض على مشاركة الأهلي في السوبر    ثنائي ريال مدريد على رادار دوري روشن    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    محمد بن عبدالرحمن: الموارد البشرية والتعليم المهني تحظى بدعم القيادة    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    تشغيل مركز الأطراف الصناعية في سيؤون.. مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية في درعا والبقاع    طلبة «موهبة» يشاركون في أولمبياد المواصفات الدولي    الروبوتات التفاعلية تخدم زوار مسابقة القرآن الكريم الدولية    المركز الوطني للفعاليات يطلق ملتقى "تقنية الفعاليات"    رانيا منصور تصور مشاهدها في «وتر حساس 2»    كشف قواعد ترشيح السعودية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم    اكتشاف مقتنيات تعود إلى 50 ألف سنة ب«منطقة الرياض»    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    ثمن جهود المملكة في تعزيز قيم الوسطية.. البدير: القرآن الكريم سبيل النجاة للأمة    الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين    ضمادة ذكية تسرع التئام جروح مرضى السكري    78.900 مركبة تعبر يوميا منافذ المملكة    185% نموا بجمعيات الملاك    ترامب يعلن خطة لخفض الجريمة في العاصمة الأمريكية    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    رونالدو يتألق.. النصر ينهي ودياته بالخسارة أمام ألميريا    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    مصحف "مجمع الملك فهد" يقود شابًا من "توغو" لحفظ القرآن    هلال جازان يتصدر مراكز المملكة الإسعافية    الأخضر الناشئ لكرة اليد بين أفضل 16 منتخبًا في العالم.. و"العبيدي" يتصدر هدافي العالم    42% من السعوديين لا يمارسون عناية ذاتية منتظمة و58% يشعرون بالإهمال العاطفي    اكتشاف قطع فخارية وأدوات حجرية تعود إلى 50 ألف سنة في موقع القرينة بمنطقة الرياض        جامعة الملك فيصل تفتح باب التسجيل في البرامج التعليمية إلكترونيا    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    الشمراني عريساً    ممرضة مزيفة تعالج 4000 مريض دون ترخيص    هيئة الصحة تستهدف وقايتهم من مخاطر السقوط.. 4 منشآت صديقة لكبار السن مع خطة للتوسع    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    أمير جازان يستقبل سفير جمهورية مالطا لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات حسونة المصباحي في ميونيخ رحلة التونسي بين المدن
نشر في الرياض يوم 10 - 11 - 2011

نشر الأدباء في العقود الأخيرة الكثير من السير الذاتية واليوميات، ولن نعثر في كتابات حسونة المصباحي الروائي والأديب التونسي سوى سيرة مستمرة على هيئة يوميات حقيقية أو متخيلة. و في كتابه " يوميات ميونخ 2001 2004 " دار الفارابي، يبدو المصباحي غير مقيم في مكان محدد، بل هو على سفر في كل الأماكن، بما فيها وطنه تونس ومكان اقامته في ميونيخ. وعلى رغم ما يبدو عليه من منزع أبيقوري، يتعامل عبره بحسية مع العالم وملذاته، بيد أن الحلم معبره إلى كل ما يراه في نفسه من حسية وشهوة. وسيكون الحب الضائع في حياته، فاصلة تحرك تلك الانقطاعات عن أزمنة الوطن وعن ما يبتغيه من فكرة الاستقرار .
السنوات التي يؤرخ يومياتها المصباحي تمور بالأحداث السياسية الجسام، سقوط برجي التجارة في نيويورك، واحتلال العراق والصراع بين العالم الإسلامي والغرب، وهو الماكث في قلب ذلك الصراع، ينظر إليه من ضفتيه: دعاة التعصب الإسلامي والغربي، ولكنه يرى أن شرارة البداية انطلقت من المكان الأول.
يبدأ مفتتحه في الكتاب الذي يبحث فيه عن حافز كتابة يومياته، بعد أن مزق دفتره الأول وفقد الثاني، من إصراره على معادلة الكتابة بالحياة، فما يراه ويسمعه ويحلم به، هو سجلات المكوث في مهنة الأدب، باعتبارها المعيوش والمرئي، بل المكّمل لفعل التخيل الماكث في الحلم والشعر.
بيد ان المصباحي وهو يفتح دفاتره السياسية، يبدو ساخطا على عالم المثقفين العرب، الرجال الجوف الذين يراهم جزءا من خراب العالم العربي، مثلما يرى ان تطرف الإسلام السياسي، ورغبته في تدمير الذات والآخر، ليست ثقافة طارئة في حياة دعاته او بسبب معاناة عاشوها، بل هو سعي للسيطرة على بلدانهم، وهو يستعين بابن خلدون في استكمال انطباعه عن اهل السيف " المتلبسين بالدعوة في طلب الرياسة" ولن يكون كبير فرق عنده بين أهل القلم وأهل السيف، اي بين المثقفين العرب وحكامهم في يومنا هذا كما يقول النص.
حضر المصباحي مؤتمراً للمثقفين في تونس بعد غزو العراق للكويت، فوجد مثقفي بلده مستنفرين للدفاع عن فعلة صدام، وسيكشف أوراق باحث مهم بينهم كان يرى في احتلال صدام للكويت " مرحلة جديدة في التاريخ العربي" مشرقة ومبشرة بعصر الانتصارات. المثقفون العرب في تلك الأيام الحاسمة، لم يبرهنوا على العمى السياسي والفكري فقط، وبعدهم عن ما خالوه بأنفسهم من تصور عن فكرة الكاتب الطليعي أيضا، بل ان مبرر المطالبة بالديمقراطية لبلدانهم مجرد أكذوبة يضحكون فيها على أنفسهم. هكذا يسجل حسونة المصباحي انطباعاته حيث واصلها في كل كتاباته واحاديثه ومقالاته، فهو في الأصل لا يعاني مشكلة الفصام التي عاناها الكثير من الكتاب في المغرب العربي، حيث ينشطر لديهم مطلب الحرية بين الدعوة إليه في بلدانهم، والمكوث مع الدكتاتوريين والشوفينيين في البلدان الأخرى.
يبدو حسونة المصباحي في يومياته بورقيبي الهوى، فهو يرى بورقيبة رجلاً واقعياً استطاع أن يجعل من تونس بلداً جديرا بالحياة ، ولم تستطع عواصف الانقلابيين والعسكر العرب الذين احاطوا بتونس، ان يفلوا من عزم هذا الزعيم النادر. وسنرى في استعادة منجزات بورقيبة وما حققه لتونس من مكاسب في التعليم والتحضّر، مادة تتواتر في كتابات الكثير من المحللين والروائيين التوانسة والعرب هذه الأيام. بيد ان حسونة المصباحي الذي كان في البداية يساريا معارضا لبورقيبة، وسجن مطلع شبابه بهذه التهمة، غدا شاهدا على حقبة تحولاته الشخصية وتحولات بلده، ولم يكن أمامه وهو ابن القرية القيروانية، سوى ان يغادر بلد الشمس والبحر، كي يتعرف عن قرب الى حياة مختلفة حيث البرد والثلج والانقطاع والتواصل بين البشر، تجربة جديرة بأن يعيشها العربي كي يدرك ما يعنيه الآخر المختلف.
يبدو في كتابه هذا متسكعا وجواب شوارع وقارات، يرغب باستبدال حياة بحياة، فهو يحن الى قريته التونسية وحياتها الرعوية، مثلما يحن إلى شقته في ميونيخ، حيث يشعل الشموع ويستمع الى الموسيقى ويلتقي نساء عابرات. أما الفتاة التونسية الهامسة، التي لا تبرح مخيلته، فلم تستطع اقناعه بعبثية الحب وقلة جدواه. ولكن الحرف نون الذي يرمز إلى اسمها يبدو وكأنه الوطن الضائع الذي لا يريد النص الاعتراف بضياعه، فهو لا يتذكر زوجته الألمانية إلاّ على نحو عابر، في حين تحتل صورة المرأة التي غادرته ورجعت الى تونس كل مخيلته العاطفية، وستكون بعيدة عن أحلام الجنس التي تسكن مخيلته عن النساء.
وهو يقرأ يوميات اندرية جيد، تسير به خطى التذكّر في دروب معاكسة لمسيرة الكاتب الفرنسي " هبت ريح تضرب نافذتي. تمطر منذ ثلاثة أيام. آه كم كانت القوافل جميلة، عند المساء في توغرت، لمّا تغرب الشمس في الملح " يرى الكاتب نفسه في المطرح الآخر وهو يقرأ تلك الفقرة " أنا أيضا أعيش صيف قريتي اللاهب في الخريف البافاري البارد.. وأنا أقرأ مقطع جيد، عادت بي الذاكرة إلى طفولتي عندما كنا نقطع المسافات الطويلة بحثا عن الماء.. أو لنورد البقرات العجاف والحمير الهزيلة . حفاة نمشي في الرمل الذي يكون شبيها بالجمر. المسارب الوعرة تمزق لحمنا أحيانا فيسيل الدم وتتورم الأقدام" ولكنه يرى في هنيهة استراحة تحت اشجار الزيتون تعويضا عن حياة شحيحة كان يتخيلها زمنا سعيدا رغم مرارته. وهكذا ينتقل بنا حسونة المصباحي بين شخوص وأماكن مختلفة من أصيلة الى برلين وبغداد ولندن وباريس والقاهرة ، من الحديقة الانكليزية حيث يتجول وهو في ميونخ الى احراش القيروان، وطنجة وصداقته مع صاحب الخبز الحافي محمد شكري، الذي يفقده في تلك السنوات التي يكتب فيها نصه.
ليس بمقدورنا ان نجد في كتاب "يوميات ميونخ" ما يمكن أن نسميه أدب الاغتراب أو أدب المنفى، فحسونة المصباحي في تنقله بين الأماكن والأزمنة، لا تشغله تلك الأفكار، ربما لأن هجرته وعودته إلى بلده، كانت محض خيار شخصي، يمكن ان يستبدله في لحظات المصالحة مع نفسه، بما توفره الكتابة من حياة موازية.
فاطمة المحسن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.