في صباحٍ حافلٍ ومميزٍ من صباحات عام 1926، بينما كانت أشعة الشمس الذهبية تتسلل بين النخيل، وقف المعلمون والمعلمات الأوائل وقفة فخر واعتزاز أمام بوابات أولى مدارس وطننا الحبيب. هذه المدارس كانت صغيرة، ولكنها عظيمة الحلم. كان المشهد، كما رواه الأولون، بأنه أشبه بمشهد سينمائي. أطفال يرتدون الزي الوطني، يحملون كتبا بسيطة في أيديهم، وعيونهم تتلألأ بالأمل وتمتلئ بالحب والامتنان للوطن. منذ ذلك اليوم، وُلدت رؤية وطنية واضحة لا تقاس بالأرقام فقط، بل أيضًا بالإيمان الصادق بأن التعليم هو القوة الحقيقية لبناء الأمة. منذ تلك الأيام المتواضعة، بدأت بلادي ترسم مسارًا تعليميًا طويلًا نحو الريادة التعليمية. ومع مرور السنوات، توسعت المدارس، وتعددت الفصول، وزاد عدد المعلمين وما زالت رؤيتنا الوطنية واضحة، توفير تعليم متميز وذي جودة عالية لكل طفل يعيش ويحتضنه هذا الوطن العظيم بلا استثناء. إن كنتم تظنون أن هذه الرحلة كانت سهلة، فأنتم مخطئون. التحديات كانت صعبة وكثيرة، فقد تطلب الأمر بناء بنية تحتية، وتدريب المعلمين، ووضع وتحديث مناهج تواكب التطورات، وضمان وصول التعليم إلى كل شبر في أرجاء الوطن. وفي العقود التالية، وصولًا إلى الألفية الجديدة، ومع تأسيس وزارة التعليم بصيغتها الحديثة، وُضع التعليم في قلب تنمية الوطن، مستمدًا من الإرث التاريخي العريق، حيث لم تعد المدارس عبارة عن مجرد ألواح سبورة وجدران، بل هي بيئة متكاملة تهتم بأدق التفاصيل؛ لتصنع جودة تعليم فارقة في حياة الطلاب والمعلمين. واليوم وفي إطار رؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان، تحول التعليم إلى مشروع وطني إستراتيجي استثنائي. تخيل معي عزيزي القارئ هذا المشهد إذا تم تطبيقه، طالب في إحدى الفصول يشارك ويتفاعل في الحصة ومعلمه يبتسم ويشرح بعمق دون ازدحام الفصول، وكلاهما محاطان بصف مزوّد بأحدث الوسائل التعليمية التي تخدم جميع المواد، وأجهزة الذكاء الاصطناعي التي تساعد كليهما على إثراء العملية التعليمية. كل ذلك ليس خيالًا، بل واقع سيكون ملموسًا قريبًا بفضل خطط ومشاريع الوزارة المستقبلية لتقليل الكثافة الصفية، وتدريب المعلمين، وتحديث المناهج، وتطوير بيئات التعلم. ولم يتوقف الأمر عند وزارتنا لهذا الحد، بل شمل التحول الرقمي، حيث أصبحت منصات التعلم عن بعد مثل (مدرستي) جزءًا من حياة كل طالب، تتيح له الاستمرار في التعليم مهما كانت الظروف، وتظهر للعالم قدرة المملكة وكفاءتها من الشباب السعودي على الابتكار في التعليم. وفي رحلة وزارة التعليم المستمرة، بعزم أبناء الوطن وقيادته، يظهر جليًا أن التعليم في المملكة لم يكن يومًا مشروع مرحلة، بل هي مسيرة وطن لا يعرف إلا الهمة والعزيمة. مسيرة يقودها إيمان راسخ بأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان السعودي، وأن بناء العقول لا يقل أهمية عن بناء المدن. هذه الرحلة هي مثل السلسلة التي تبدأ من رؤية القيادة الحكيمة، إلى إخلاص المعلمين، إلى طموح الطلاب، تترابط الجهود معًا؛ لتصنع مشهدًا وطنيًا نابضًا بالحلم والتميز، تُدار فيه تفاصيل التعليم بعناية، ويُرسم فيه المستقبل بثقة في محلها. هكذا يكون التعليم، عندما يحمل رؤية واضحة مثل رؤية المملكة العربية السعودية.