دله البركة توقع عقد إنشاء شركة مع يوروبا بارك لتنمية قطاع الترفيه في المملكة    إصابة 11 شخصا إثر حادث خروج طائرة عن مدرجها بمطار في السنغال    وزير الخارجية يبحث مع رئيس الوزراء الفلسطيني تطورات غزة ورفح    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من تركيا متجهة إلى المملكة    جود بيلينغهام: عقلية ريال مدريد لا تعرف الاستسلام    أوليفر كان يعرب عن تعاطفه مع نوير    الأمير خالد بن سعود يطلق شارة البدء ل«رالي تبوك تويوتا 2024»    رئيس الوزراء: سلوفينيا ستعترف بالدولة الفلسطينية بحلول منتصف يونيو    الجمعية السعودية لطب الأسرة تطلق ندوة "نحو حج صحي وآمن"    السفير العبدان يسلم أوراق اعتماده لرئيس المجر    تحت رعاية خادم الحرمين .. المملكة تعرض فرصاً استثمارية خلال مؤتمر مستقبل الطيران    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية العراقية بمجلس الشورى تجتمع مع سفيرة العراق لدى المملكة    مجلس الحرب يناقشها اليوم.. تعليق واشنطن شحنة الأسلحة يثير غضب إسرائيل    وفد حماس يغادر القاهرة إلى الدوحة.. وإسرائيل ترفض ضم رفح لوقف إطلاق النار    أمير الرياض يستقبل رؤساء المراكز ومديري القطاعات الحكومية بمحافظة المجمعة    نائب أمير عسير يتوّج فريق الدفاع المدني بكأس بطولة أجاوييد 2    "إعادة" تُسجّل أداءً قوياً في الربع الأول من العام 2024 بارتفاع الأرباح إلى 31.8 مليون ريال    النفط يرتفع مع سحب المخزونات الأمريكية وارتفاع واردات الصين    عقود ب3.5 مليار لتأهيل وتشغيل محطات معالجة بالشرقية    مفتي عام المملكة يستقبل نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن الصناديق العائلية والوقفية بالمنطقة    فيصل بن خالد بن سلطان يطلع على مشروع ربط حي المساعدية بحي الناصرية بمدينة عرعر    الزلفي تحتفي بعام الإبل بفعاليات منوعة وورش عمل وعروض ضوئية    المملكة تدين الاعتداء السافر من قبل مستوطنين إسرائيليين على مقر وكالة (الأونروا) في القدس المحتلة    «تقييم» تبدأ بتصحيح أوضاع القائمين بتقدير أضرار المركبات في عددٍ من المناطق والمحافظات    حساب المواطن يودع 3.4 مليار ريال مخصص دعم مايو    جمعية البر بالشرقية توقع اتفاقية لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر    توقع بهطول أمطار رعدية    إطلاق مبادرة SPT الاستثنائية لتكريم رواد صناعة الأفلام تحت خط الإنتاج    تاليسكا: جيسوس سر تطوري.. و"روشن" ضمن الأفضل عالمياً    "واتساب" يجرب ميزة جديدة للتحكم بالصور والفيديو    طرح تذاكر مباراة النصر والهلال في "الديريي"    الديوان الملكي: وفاة والدة الأمير سلطان بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    الاتحاد يتحدى الهلال في نهائي كأس النخبة لكرة الطائرة    دجاجة مدللة تعيش في منزل فخم وتملك حساباً في «فيسبوك» !    أشباح الروح    بحّارٌ مستكشف    جدة التاريخية.. «الأنسنة» بجودة حياة وعُمران اقتصاد    منها الطبيب والإعلامي والمعلم .. وظائف تحميك من الخرف !    النوم.. علاج مناسب للاضطراب العاطفي    احذر.. الغضب يضيق الأوعية ويدمر القلب    المملكة ونمذجة العدل    القيادة تعزي رئيس البرازيل    يسرق من حساب خطيبته لشراء خاتم الزفاف    روح المدينة    خلال المعرض الدولي للاختراعات في جنيف.. الطالب عبدالعزيزالحربي يحصد ذهبية تبريد بطاريات الليثيوم    ختام منافسة فورمولا وان بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي    كشافة شباب مكة يطمئنون على المهندس أبا    شقيق الزميل حسين هزازي في ذمة الله    سعود بن جلوي يرعى حفل تخريج 470 من طلبة البكالوريوس والماجستير من كلية جدة العالمية الأهلية    الوعي وتقدير الجار كفيلان بتجنب المشاكل.. مواقف السيارات.. أزمات متجددة داخل الأحياء    " الحمض" يكشف جريمة قتل بعد 6 عقود    نائب أمير الشرقية يلتقي أهالي الأحساء ويؤكد اهتمام القيادة بتطور الإنسان السعودي    فهيم يحتفل بزواج عبدالله    نائب أمير منطقة مكة يكرم الفائزين في مبادرة " منافس    لقاح لفيروسات" كورونا" غير المكتشفة    الاتصال بالوزير أسهل من المدير !    استقبل مواطنين ومسؤولين.. أمير تبوك ينوه بدور المستشفيات العسكرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاطفة التراث وإعاقات الواقع

مركز التراث العمراني يمثل خطوة مهمة لتجاوز «إعاقات» الواقع الذي نعيشه والذي ينطلق بقوة للأمام دون أن يلتفت للخلف ودون أن يعرف إلى اين هو ذاهب
يبدو أن هناك رغبة عند كثير من الناس لاسترجاع ذاكرتهم التاريخية، هناك تعاطف مع التراث ومع التاريخ لكن مع عدم وجود "حيلة" لاسترجاعه أو حفظه، هناك رغبة في صون الذاكرة والتعلم منها لكن لا يوجد هناك عمل واضح يساهم في استعادة تلك الذاكرة التي بدا أنها صارت تتفلت من بين أيدينا يوما بعد يوم. يعبر المشهد الثقافي وحتى المعرفي (البحثي) عن عدم وجود مرجع أو مراجع واضحة يمكن أن يعود لها الناس لاستعادة التراث، وهذه واحدة من الاشكالات التي يعاني منها التراث العمراني على وجه الخصوص في المملكة، فقد لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك كثير من الناس يشعرون بالحنين إلى الماضي فصاروا يعودون إلى قراهم القديمة وصاروا يجتمعون بجيرانهم الأوائل التي فرقت بينهم سبل الحياة، وأصبحت عطلة نهاية الاسبوع فرصة تعيد لتلك القرى الحياة، كما أن هناك من يريد فعلا أن يعرف ماذا كان ابوه وجده يعملان وكيف كان من سبقوه يعيشون، وما هي الإمكانات التي كانت متوفرة لديهم لمواجهة حياة صعبة وقاسية مثل الحياة في الجزيرة العربية ذات الجغرافيا والمناخ الصعبين. وكيف كانت العلاقة التي تربط بين الناس بعضهم البعض وبينهم وبين الأمكنة التي كانوا يعيشون فيها.
كل هذه الاسئلة التي نسمع بها حولنا في الصحافة والاعلام وفي المجالس الخاصة، تعبر عن هذه العاطفة الجياشة التي لا يساندها واقع يمكن الركون عليه، فلا مراكز بحوث ولا مكتبات تحفظ ذاكرتنا التاريخية ولا تحقيق لهذا التراث وتجسيد لهذه الذاكرة، مع أن الأمر لا يخلو من بعض المحاولات الفردية التي حفظت ومازالت تحفظ الكثير من هذه الذاكرة المهمة، فالهوية الوطنية تستمد وجودها من هذه الذاكرة ونحن مجتمع لم ينشأ من عدم ولم يظهر للوجود، هكذا، دون مقدمات، بل كان لنا تراث عميق وعراك دائم مع الحياة الصعبة ومقدرة هائلة على الحفاظ على الحياة مع قيم وفضائل وأخلاق قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها أنه بعث ليتممها. إذا نحن نتحدث عن المكان الذي تشكلت داخله وحدتنا الوطنية وهو مكان لا يستقيم دون الناس الذين عاشوا فيه، لذلك عندما نتحدث عن التراث العمراني فنحن نتحدث عن "الناس" الذين صنعوا هذا التراث وليس التراث المادي الذي تركه هؤلاء الناس فقط.
ربما هذا يبرر قيام الهيئة العامة للسياحة بإنشاء مركز للتراث العمراني الوطني مؤخرا، فهذا المركز الوليد سيكون له تأثير كبير في جمع "الذاكرة الوطنية" للمكان العمراني في المملكة، وهذا الهدف في حد ذاته مهم وكبير ويحتاج إلى عمل مؤسساتي منظم ويتطلب أن تحشد له الامكانات المادية والبشرية من أجل تحقيقه. تأسيس ارشيف وطني للتراث العمراني في المملكة هو بداية العمل الجاد والحقيقي نحو حفظ "الذاكرة الوطنية العمرانية" هذا الارشيف يجب أن يركز على "قصة الأمكنة" وتاريخ تطورها ويجب أن يؤصل لبداياتها وكيفية نشأتها وتفاعلها مع الحياة المجتمعية للمحليات السعودية، وهذه مهمة صعبة للغاية لأن الأمر هنا سوف يتجاوز مسألة التسجيل والتوثيق إلى التصنيف والتحليل والمقارنة وهذه مهمة باحثين ومؤسسات علمية.
دور هذا الارشيف التأكيد على "الوحدة الوطنية" التي تتمثل في التنوع الكبير الذي يقوم عليه المجتمع السعودي داخل الوحدة الكبيرة التي يعيشها ويتمتع بها الآن. أذكر قبل عدة سنوات أنني قدمت محاضرة في المتحف البريطاني عن "وحدة القيم وتغير الاشكال للمسكن السعودي التقليدي" وكانت عبارة عن محاولة اولية للتأكيد على أن مجتمع المملكة قائم على وحدة أخلاقية وقيمية ومجتمعية رغم الاختلاف الواضح في الطرز العمرانية القديمة والتباين الجغرافي والمناخي لمناطق المملكة. كان الهدف هو التأكيد على ان المجتمع السعودي يرتكز على قيم متناغمة وثابتة مع إطلاق العنان للتفكير والابتكار والابداع وصنع أشكال لا نهائية تختلف من منطقة لأخرى ومن مكان لآخر حسب مواد وتقنيات المواد المتوفرة محليا. مركز التراث العمراني الوطني يجب أن يؤكد على هذه الظاهرة الثقافية العمرانية/ الأخلاقية ويسعى لتحقيق هذا الهدف الوطني المهم.
يجب أن يكون مركز التراث العمراني نافذة للناس كي يطلوا منها على تاريخهم وتراثهم وذاكرتهم العمرانية، كما يجب أن يكون الناس هم مصدر هذا المركز وأن يكونوا نافذته على التاريخ المجتمعي وعلى قصص المكان التي تختزنها كل مناطق المملكة، فالمركز أنشئ من أجل الناس الذين صنعوا التراث العمراني ويملكونه ويجب أن يتداخل معهم ويتشكل كي يخدم قضيتهم الثقافية والاقتصادية. كما أن المركز مطالب بالجمع بين الجغرافيا والتاريخ وعلم العمران (الاجتماع والعمارة) في بناء الارشيف الوطني العمراني وليس فقط تسجيل المباني وتوثيقها.
كما ذكرت المهمة صعبة لكنها تستحق العناء، فنحن نريد كل من يبحث عن الماضي أن يجد ضالته في هذا الارشيف لكن عيوننا ممتدة على المستقبل لأننا نؤمن أن أي مجتمع لا يحافظ على تاريخه وتراثه لا يستحق أن يعيش في المستقبل، وعندما نقول ان عيوننا تنظر للمستقبل ذلك لأننا على يقين أننا لا نريد لهذا الأرشيف أن يكرس العيش في الماضي بل مهمته هو حفظ هذا الماضي ودراسته لكن علينا ان نستثمر هذا الماضي لبناء المستقبل الذي يجب ان يكون امتدادا لهذا الماضي، وعندما نقول اننا نريد أن "نعيش التاريخ" أو نرغب في أن يكون التراث معاشا بيننا، فإننا ندرك أن الماضي لن يعود، لكن خيوط الماضي يجب أن تبقى وتستمر وتتطور لتواكب الحاضر والمستقبل. الذاكرة المكانية الوطنية هي "ذاكرة حية" وليست "ذاكرة محنطة" أو للمشاهدة فقط بل يجب علينا أن نتلبس هذه الذاكرة ونعيشها ونبني عليها، وهذه هي المهمة الصعبة التي يجب ان يقوم بها مركز التراث العمراني.
مركز التراث العمراني يمثل خطوة مهمة لتجاوز "إعاقات" الواقع الذي نعيشه والذي ينطلق بقوة للأمام دون أن يلتفت للخلف ودون أن يعرف إلى اين هو ذاهب. انه محاولة لتهدئة الواقع وربطه بجذوره الثقافية والمجتمعية والمعرفية وحتى الاقتصادية، لأن التراث بشكل عام يمثل أهمية كبيرة كونه "قاعدة انطلاق" التي عادة ما تعطي الزخم المطلوب للحركة نحو المستقبل وليس العكس. نفكر في الانفصال عن التراث من أجل الاتصال به لا من أجل تركه خلف ظهورنا، فانفصالنا عن التراث، كما أراه هو انفصال من أجل المراجعة ومن أجل الاستعداد لربط هذا التراث بالحاضر والمستقبل، من أجل أن يصبح هذا التراث معاشا بيننا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.