من دعائم الاقتصاد الناجح والفعال هو توفر المادة الخام غير القابلة للنضوب، والمعرفة يمكن اعتبارها إحدى تلك الدعائم، فهي تعد معيناً لا ينضب على الإطلاق، ولا يساور القائمين على الاقتصاد هي أحد منطلقاته أي خوف من قدوم يوم تجف فيه منابعهم المعرفية، ولا يتوقف عنصر المعرفة في تميزه بأنه رأس مال غير ناضب، بل كذلك في انفراده من بين دعائم الاقتصاد المختلفة في نماء وازدياد مخزونه مع الاستخدام، فاستغلال المعلومات يولد معلومات إضافية، وتوظيف المعرفة ينتج معارف أخرى أكثر من ذي قبل. لقد فطن عدد من علماء الاقتصاد إلى ما تنطوي عليه المعرفة من إمكانية توظيفها لتصبح سلعة اقتصادية يتاح استثمارها لجني قدر كبير من المكاسب، وتحقيق حصة من الأرباح فنشأ حينها مجال الاقتصاد المعرفي الذي يعتبره البعض اقتصاد القرن الحادي والعشرين، الذي أتاحت الطفرة المعلوماتية التي يشهدها العالم حالياً دوراً بارزاً يتزايد نموه يوماً بعد آخر. لقد أصبح الكثير يؤكد بأن الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر قد تحرر من قيد رأس المال والأيدي العاملة، وأصبح ينظر إلى المعرفة على أنها هي المحرك للعجلة الانتاجية، بل والسلعة الرئيسية بها، فهي تؤدي الدور الأهم في إيجاد الثروة غير المعتمدة على رأس المال التقليدي ولا على المواد الخام أو القوى البشرية، وإنما الاعتماد على بشكل كلي على رأس المال الفكري ومقدار المعلومات المتوفرة والمتاحة، وإلى كيفية تحويل هذه المعلومات إلى معرفة، ثم إلى كيفية توظيف هذه المعرفة للإفادة منها فيما يخدم البعد الانتاجي للمجتمع. لقد أدركت جامعة الملك سعود هذا البعد في الجانب المعرفي الذي تملكه، وبدأت في التفكير بإمكانية اتحاده مع الاقتصاد ليمكنها من تحقيق عوائد توظفها في تطوير مجالات الأبحاث والرياده والتنافس عالميا، فأخذت الجامعة بمبادرة تأسيس شركة وادي الرياض للتقنية التي صدر قرار مجلس الوزراء مؤخراً بالترخيص لإنشائها، فالجامعة يتوفر بها ما يزيد على الخمسة آلاف باحث وخبير، ويتوفر بها كذلك بنية بحثية وتجهيزات تزيد قيمتها عن السبعبين مليار ريال. لقد تم اعتماد مشروع وادي الرياض للتقنية وتحديد توجهاته واستراتيجياته بناء على دراسات نفذتها مجموعة من بيوت الخبرة العالمية منها معهد ستانفورد للأبحاث الذي أعد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وكما نعلم أن جامعة ستانفورد التي يتبع لها معهد الابحاث الذي أعد تلك الدراسة قد ارتبط اسمها تاريخياً بنشأة وادي السليكون الشهير الذي يمثل اليوم عاصمة التقنية للكرة الأرضية، وذلك في أوائل الثلاثينات من القرن الميلادي المنصرم وذلك حين شجع الاستاذ في جامعة ستانفورد فردريك تريمان حينها طلابه على إنشاء شركاتهم الخاصة في تلك المنطقة من ولاية كاليفورنيا الأمريكية وقدم لهم الدعم المادي، وأقنع اثنين من طلابه وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد على البقاء هناك بعد تخرجهم وأنشأ الاثنان شركتهما الخاصة التي تعد الآن واحدة من أكبر الشركات المنتجة لأجهزة الحاسب في العالم وذلك ضمن كاراج سيارة في وادي السليكون الذي تقتفي أثره التقني اليوم كثير من المؤسسات العلمية حول العالم. لقد اتجهت جامعة الملك سعود في السنوات الأخيرة إلى تفعيل الجانب البحثي فيها عبر الإعلان عن تأسيس جملة من المبادرات منها إنشاء كراسي البحث ومراكز التميز البحثية ومعامل الأبحاث العلمية والمعاهد البحثية وذلك من أجل صقل الخبرات والتطبيق العملي لطلاب الجامعة وأساتذتها فياحبذا لو امتدت مبادرات الجامعة في هذا الجانب إلى الرصيد الكبير من خريجيها على مدى الخمسين عاماً الماضية الذين ينتشرون في العديد من القطاعات الانتاجية، والذي يملك بلا شك نسبة غير قليلة منهم رصيداً معرفياً يمكن أن يوظف في مراكز الأبحاث التي تحتضنها الجامعة وبالذات من عمل منهم في قطاع الصناعة وتقنية المعلومات والمجالات الهندسية والطبية والزراعية وغيرها من المجالات العلمية التطبيقية، فهؤلاء بلا شك سيكونون عناصر إثراء لجهود الجامعة في هذا الاتجاه وقد يكونون نواة لتأسيس شركات تقنية وطنية عملاقة.