يعد التشهير بمرتكب مخالفة أو جريمة عقوبة بحد ذاتها سواء اعتبرت عقوبة أصلية أم عقوبة تكميلية، وهي كعقوبة لا تكون إلا بعد صدور حكم نهائي قطعي، وتعد عقوبة التشهير في الشريعة الإسلامية عقوبة تعزيرية تهدف إلى الردع والزجر. في هذا الصدد يقول المستشار القانوني محمد بن عبدالله السهلي اختلف الناس في هذه العقوبة ما بين مؤيد ورافض، حيث يستند المؤيدون لها إلى ما يمكن أن تكفله عقوبة التشهير من ردع، خاصة وأن بعض العقوبات لا ترتق إلى درجة يمكن معها ردع المخالف مثل عقوبة الغرامة المالية أو حتى السجن، في حين أن التشهير يطال اسمه وسمعته فيحرص عليها أشد الحرص. أما المعارضون لهذه العقوبة فيرون فيها عقوبة متعدية فلا تشمل المخالف أو المجرم فحسب بل تطال أسرته وسمعتها، فيتأذون من ذلك دون ذنب اقترفوه، لقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى). ويضيف السهلي : دون الخوض في مسألة تأييد أو رفض تلك العقوبة-رغم إيماني العميق بأهيمتها في الردع، نود أن نتطرق إلى مسألة نظامية (قانونية) تلك العقوبة في المملكة، فيلاحظ أن هذه العقوبة قد نص عليها في بعض الأنظمة مثل، نظام حماية حقوق المؤلف، حيث نصت المادة (22) منه على أنه (يجوز للجنة أن تضمن قرارها عقوبة التشهير بحق المعتدي، ويكون النشر على نفقته وبالطريقة التي تراها اللجنة مناسبة). ونظام مكافحة الغش التجاري، والتي نصت المادة (20) منه على ما يلي: (تشهر وزارة التجارة بالمخالف الصادر ضده قرار نهائي بالإدانة طبقاً لأحكام هذا النظام ولائحته بوسيلة على الأقل من وسائل الإعلام ويكون النشر على نفقة المحكوم عليه). والغريب في الأمر أن هذه النصوص لا تفعل رغم أهميتها، في حين أن هناك أنظمة لم تنص على عقوبة التشهير، ورغم ذلك تقوم الجهات التنفيذية القائمة عليها بتطبيق هذه العقوبة، ومنها -وهي محور حديثنا-، نظام هيئة السوق المالية. ففي السنوات القليلة الماضية كثر اللغط حول القرارات الصادرة من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية والمتعلقة بأدانة أشخاص بمخالفة أنظمة ولوائح هيئة السوق المالية والتشهير بهم عن طريق نشر أسمائهم في الموقع الرسمي للهيئة والصحف. ويقول السهلي لذا يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي، هل هناك اساس قانوني تستمد اللجنة منه قرارها بالتشهير بالمخالفين بالإدانة، الجواب قطعاً بالنفي، فالمادة (59) من نظام هيئة السوق المالية والمتعلقة بالعقوبات قد نصت على ما يلي: (( أ- إذا تبين للهيئة أن أي شخص قد اشترك، أو يشترك، أو شرع في أعمال أو ممارسات تشكل مخالفة لأي من أحكام هذا النظام، أو اللوائح أو القواعد التي تصدرها الهيئة، أو لوائح السوق، فإنه يحق للهيئة في هذه الحالات إقامة دعوى ضده أمام اللجنة لاستصدار قرار بالعقوبة المناسبة، وتشمل العقوبات ما يأتي : 1- إنذار الشخص المعني. 2- إلزام الشخص المعني بالتوقف، أو الامتناع عن القيام بالعمل موضوع الدعوى . 3- إلزام الشخص المعني باتخاذ الخطوات الضرورية لتجنب وقوع المخالفة، أو اتخاذ الخطوات التصحيحية اللازمة لمعالجة نتائج المخالفة. 4- تعويض الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار نتيجة للمخالفة المرتكبة، أو إلزام المخالف بدفع المكاسب التي حققها نتيجة هذه المخالفة إلى حساب الهيئة. 5- تعليق تداول الورقة المالية. 6- منع الشخص المخالف من مزاولة الوساطة، أو إدارة المحافظ، أو العمل مستشار استثمار للفترة الزمنية اللازمة لسلامة السوق وحماية المستثمرين. 7- الحجز والتنفيذ على الممتلكات. 8- المنع من السفر. 9- المنع من العمل في الشركات التي تتداول أسهمها في السوق. ب- يجوز للهيئة، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة أن تطلب من اللجنة إيقاع غرامة مالية على الأشخاص المسؤولين عن مخالفة متعمدة لأحكام هذا النظام ولوائحه التنفيذية وقواعد الهيئة ، ولوائح السوق، وكبديل لما تقدم يجوز للمجلس فرض غرامة مالية على أي شخص مسؤول عن مخالفة هذا النظام ولوائحه، وقواعد الهيئة، ولوائح السوق. ويجب ألا تقل الغرامة المفروضة من قبل اللجنة أو المجلس عن عشرة آلاف (10.000) ريال وألا تزيد على مئة ألف (100.000) ريال عن كل مخالفة ارتكبها المدعى عليه). إذاً يتضح من منطوق النص أن العقوبات قد أتت على سبيل الحصر، ولا اجتهاد في مورد النص. والمادة (38) من النظام الأساسي للحكم-وهو دستور المملكة- قد نصت على أنه (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بناء على نص شرعي أو نص نظامي). لذا نذهب مع الرأي القائل بعدم قانونية عقوبة التشهير التي تطبقها هيئة السوق المالية بحق المخالفين لنظام هيئة السوق ولوائحه. والتساؤل هنا هل يمكن لمن صدر بحقهم عقوبة التشهير مقاضاة هيئة السوق المالية. من الناحية النظرية نعم، وذلك على أساس مخالفة النظام لصدور عقوبة لم يرد النص عليها أدت إلى الإضرار بسمعة أشخاص دون مسوغ نظامي، إلا أن الإشكال يكمن في أن لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية تتكون من درجتين، ابتدائية واستئناف، والقرار الصادر من لجنة الاستئناف يعد قراراً نهائياً، وهو أمر يحتاج مزيد توضيح، فهل تعد قرارات هذه اللجنة قرارات إدارية يجوز الطعن بها أمام المحاكم الإدارية، أم أنها تعد أحكاما قضائية ونهائية. الواقع الممارس أنها تعد من قبيل الأحكام القضائية فلا يحوز الطعن فيها متى ما صدرت نهائية وفقاً للنظام الذي يحكمها. وهو أمر برائي لا يمكن القبول به، فلمَ لا تكون المحكمة العليا وفق نظام القضاء الجديد أو المحكمة الإدارية العليا وفق نظام ديوان المظالم الجديد، هي المرجع الأخير لقرارات اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي، أسوة بمحاكم الاستئناف المزمع العمل بها قريباً في المحاكم العامة والمحاكم الإدارية، فمثلاً المحكمة الإدارية العليا وفقاً لاختصاصها المنصوص عليها في نظام ديوان المظالم تختص بالنظر في الاعتراضات على الاحكام التي تصدرها محاكم الاستئناف الادارية إِذا كان محل الاعتراض على الحكم ما يأتي : أ / مخالفة أحكام الشريعة الاسلامية أو الانظمة التي لا تتعارض معها أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها بما فى ذلك مخالفة مبدأ قضائي تقرر في حكم صادر من المحكمة الادارية العليا. فمن باب أولى أن تخضع قرارات اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي لذات المحكمة، وهي التي قد تصدر قراراتها من مجرد موظفين وليسوا قضاة كما في محاكم الاستئناف. وفي النهاية يؤكد المستشار القانوني محمد بن عبدالله السهلي سواء اتفقنا على مدى مناسبة التشهير كعقوبة أم لا، إلا أنه من الضروري الاتفاق على النص عليها في أي نظام يصدر في المملكة حتى تكون العقوبة نظامية، فشرعية العقوبات النظاميه لا يمكن أن تمس أو تخالف، لذا لا يجب أن يغيب عن ذهننا قط أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص حتى لا تنحرف السلطة القضائية أو التنفيذية في أعمالها.