عقد مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الثلاثاء والأربعاء الماضيين (22-23 ديسمبر 2009) لقاء خاصاً بعنوان "واقع الخطاب الثقافي السعودي وآفاقه المستقبلية" في مدينة الهفوف-الأحساء في حضور حوالي ثلاثين مثقفة ومثلهن من الرجال، يمثلون أطيافاً ثقافية مختلفة للتحاور حول الواقع الراهن ودور المؤسسات الثقافية وموقفهم من مفاهيم مؤثرة في الخطاب الثقافي كالهوية والخصوصية، وختمت بالتصور المستقبلي للخطاب السعودي. وقد كان حواراً حفل بالأفكار والطروحات منها الجميلة والحادة والمهادنة والهادئة والمستفزة واللامزة والعاقلة والمحايدة. أي أنها حملت كل ما يمكن استيعابه في ثلاث دقائق هي نصيب كل متحدثة ومتحدث في المحور الواحد. كان خطاباً مكثفاً يعتبره البعض فرصة مهمة للإضافة والحوار وتليين العلاقات بين الأنقاض، والبعض يعتبرها فرص تسجيل أهداف، والبعض يسعى جدياً لكي تكون مرتكزاً للتغيير والتطوير نحو مجتمع متعايش متوائم محترم لاختلاف الآخر عنه دون عداء واستعداء سواء للسلطة أو للدين. وعلى هامش الحوار كانت هناك العديد من الحوارات الجانبية التي جعلت المتحاورات يرين أخواتهن بعين إنسانية لا حزبية وإقصائية. أخذن يرين أبعاداً مختلفة في مواطناتهن كانت غائبة في إطار التعميم والتصنيف الجاهز. وقد كان المحور الثالث أكثر المحاور إثارة للجدل لما يحمله من مفاهيم خلافية تشكل النقاط المرتكزة للخطاب السعودي الثقافي وهي الخصوصية، الهوية والمواطنة. وهي ثالوث وُفّقت إدارة الحوار الوطني في اختيارها، نظراً لما لها من أهمية في تشكيل خطابنا المحلي. فعلى مستوى الخصوصية نجد أنها اصبحت هوية سعودية بامتياز. هدفها محاولة إلغاء الآخر بعدة وسائل منها استعداء الدولة ونظام الدولة، ومنها استخدامها كشماعة لتبرير العنصرية التي يمارسها البعض بامتياز تحت شعارات القبلية والمناطقية والفئوية والطائفية ومبرر لتمرير مخالفات حقوقية. وهي مبرر أيضاً لفوقية نمارسها على آخرين، ولعملية فرز نقيمها بين الناس وتجعلنا نعتقد أن لدينا جينات أفضل من جينات غيرنا. أصبحنا نجد في تناقضنا وازدواجية مواقفنا وتشددنا بل وتنطعنا خصوصية. إن من المعروف أن سؤال الخصوصية يرتبط بالضعف والانهزامية وعدم القدرة على المواجهة بقوة، فيكون المخرج بالبحث عن البدائل في المساحات الممكنة، الأكثر ضعفاً أو المتاحة للاستحواذ. وهذا الذي ينتج عنه تضييق ليس على المجتمع فحسب بل على المرأة بالتحديد. أما المواطنة والهوية فيحتاجان لصفحات وصفحات. ويبدو لي أن من المهم في مفهوم الحوار بشكل عام وحوارات خاصة من هذا القبيل أن نركز على أن المطلوب منه هو الوصول إلى قناعة بأن ليس لأحد أن يغير أو يفرض رأيه على آخر. بل لكل شخص الحرية في أن يؤمن بما شاء، تطرفاً أو توسطاً، لكن ليس من حق إنسان أن يفرض تطرفه أو توسطه على الآخرين. كما أن لجميع الأطياف الحق في أن يكون لها مؤسسات تمثلها وتعبر عنها على شرط أن تكون مساوية في تمثيلها وتعبيرها مع الأطياف الأخرى دون أي مزايدة. وأتفق مع إحدى المتحاورات حول ضرورة أن يعكس الحوار الوطني توجهات الدولة وسياستها مثل موقفها من الاختلاط على سبيل المثال الذي فُصل فيه الأمر ويحتاج إلى أن تتعامل مؤسساتنا بعد ذلك بما يتناسب مع هذا التوجه لاسيما في حوارات على هذا المستوى العالي والتي مازالت تعقد جلساتها في قاعتين منفصلتين بينما أفرادها هم نخبة المجتمع من الرجال والنساء. ولا يسعني إلا أن أثني على إدارة الحوار النسائية والرجالية التي قامت بدور متقن في الترتيب للحوار والتجهيز لمحاوره ولما يعين على راحة المدعوات والمدعوين، وأشكرهم على وجه الخصوص شملهم بالدعوة أبنائي، أجواد وزين الشرف اللذان استمتعا بجو الهفوف رغم برودته، ووجار الحطب الذي توسط مزرعة معالي وزير الزراعة الذي استضافنا فيها، وانبهارهما بأصابع أم غدير وهي تضفر جريد النخل في صفوف ودوائر تتحول إلى سفر دائرية كبيرة وصغيرة وقفط وسلال وعقود ريحان وورد، فضلاً عن أقراص أم سعيد التي كانت ترابط زين الشرف عندها لتتذوقها بمجرد رفعها عن الصاج وتصر على حملها كلها وبيد واحدة لتتفتت من يدها وهي تلاحقها هنا وهناك. بينما أجواد ثابت بجانب أم غدير يحاول أن يعرف كل شيء عن صنعتها وكيف تلون الجريد وكيف تضفره ولماذا وماذا وكيف؟؟؟