..و يرعى حفل تخريج متدربي ومتدربات الكليات التقنية    نقل تحيات القيادة وأشاد بالجهود الأمنية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يدشن مشروعات «الداخلية» في عسير    "كدانة" تعلن عن توفر عدد من الوحدات التأجيرية للأسر المنتجة خلال موسم الحج    أجمل من عطر منشم..!    أوبك+ تقرر تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية 2025    فسح 856 ألف رأس من الماشية وتجهيز المسالخ في مكة    "التجارة" تدعو إلى تصحيح أوضاع السجلات التجارية المنتهية    تعزيزاً لمكانتها البارزة وجهودها المميزة.. السعودية تستضيف اجتماع مجلس البحوث العالمي    ماذا نعرف عن الصين؟!    ملاجئ «الأونروا» فارغة    الأولمبي السعودي يستهل مشواره بمواجهة كوريا الجنوبية    الاتحاد بطل.. أخذوه وبعثروه    الأزرق يليق بك يا بونو    القيادة تهنئ الشيخ صباح الخالد بتعيينه ولياً للعهد في الكويت    دياز سادس لاعب عربي يحصد دوري أبطال أوروبا    الصمعاني يرعى حفل تخريج 3000 متدرب ومتدربة من مركز التدريب العدلي    اعتبارًا من اليوم.. بدء تطبيق عقوبة مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    إدانة مواطن بجريمة تزوير شيكات تقدر بأكثر من 34 مليون ريال منسوبة لجمعية خيرية    هذا ما نحن عليه    الملك يوجه بناءً على ما رفعه ولي العهد بتسمية طريق الأمير بدر بن عبدالمحسن    جامعة نورة تنظم 20 حفل تخريج لطالبات كلياتها ومعاهدها    توبة حَجاج العجمي !    "فعيل" يفتي الحجاج ب30 لغة في ميقات المدينة    "الأمر بالمعروف" تدشن المركز الميداني التوعوي بمكتبة مكة    تقرير يكشف.. ملابس وإكسسوارات «شي إن» سامة ومسرطنة    "تجمع صحي مكة" يجهز 18 مستشفى و126 مركزاً صحياً لخدمة الحجيج    11 مليون مشاهدة و40 جهة شريكة لمبادرة أوزن حياتك    الشورى: مراجعة شروط الضمان الاجتماعي المطور لصالح الأيتام وبعض الأسر    أمير منطقة تبوك يعتمد الفائزين بجائزة سموه للمزرعة النموذجية    أمير الشرقية يستقبل رئيس مؤسسة الري    إقامة المؤتمر الصحفي لبطولة العالم للبلياردو "9كرات" في جدة    الهلال الاحمر بمنطقة الباحة يشارك في التجمع الصحي لمكافحة التدخين    «التخصصي» ينجح في علاج حالة مستعصية من «الورم الأصفر»    خلال أسبوع.. «مسام» ينتزع 1,406 ألغام وعبوات ناسفة من الأراضي اليمنية    مجلس الوزراء الكويتي يبايع الشيخ صباح خالد الصباح ولياً للعهد ونائباً لأمير البلاد    الزعيم يتجلى في الجوهرة    مسبار صيني يهبط على القمر    دوريات الأمن بمكة تقبض على وافدَين روّجا سندات هدي غير نظامية    قسم خاص للشركات السعودية بمنصة "علي بابا"    المملكة تسجل أقل معدل للعواصف منذ 20 عاماً    تاسي يعود للارتفاع وتراجع سهم أرامكو 2%    «طريق مكة».. تقنيات إجرائية لراحة الحجيج    وصول الطائرة ال51 لإغاثة غزة    كوريا الجنوبية تتوعد بالرد على بالونات القمامة    «إخفاء صدام حسين» يظهر في بجدة    المملكة تحقق أول ميدالية فضية ب"2024 APIO"    فيصل بن مشعل يرعى حفل تكريم معالي رئيس جامعة القصيم السابق    سعود بن خالد يتفقد مركز استقبال ضيوف الرحمن بوادي الفرع    ZTE تكشف عن أحدث هواتف nubia وBlade    لأول مرة على أرض المملكة.. جدة تشهد غداً انطلاق بطولة العالم للبلياردو    توافد حجاج الأردن وفلسطين والعراق    "الصحة العالمية " تمدد مفاوضات التوصل إلى اتفاقية بشأن الأوبئة    إرهاب «الترند» من الدين إلى الثقافة    ارتفاع ملموس في درجات الحرارة ب3 مناطق مع استمرار فرصة تكون السحب الممطرة على الجنوب ومرتفعات مكة    بعضها أغلق أبوابه.. وأخرى تقاوم.. تكاليف التشغيل تشل حركة الصوالين الفنية    البرامج    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويبقى الرحيل عملاقاً
قصة قصيرة
نشر في الرياض يوم 31 - 12 - 2004

وأنا طفلة كنت حريصة دائماً ان أشاهد التلفاز وهو يبث الصلاتين المغرب والعشاء مباشرة من البيت الحرام... كنت ألتصق بشاشة التلفاز لأرى وأركز.. أترك واجباتي.. أصدقائي أضع ما في يدي هكذا تعودوا أهلي ان يروني.
- كنت أشاهد زوار البيت والمصلين قبل الصلاة وأثناءها وكأني عين الكاميرا الثانية.. أتفرس في الوجوه لأني أبحث عن أشخاص وأحباء وأطفال رحلوا عن الدنيا! لفكرة تحتويني تنم عن محدودية عقول وبراءة الأطفال وهي ان الأموات يرحلون إلى مكة يتعبدون وهناك يضيعون مع زحمة الزوار والمصلين وهذا هو الموت في نظري.
- عندما يأتي الحج الأكبر اجدني أشد حرصاً وفي يوم عرفة بالذات أراني انظر إليهم وأحدق بهم أكثر! وجوه كثيرة جداً تختلف ملامحها وألوانها فمنهم الطويل والقصير.. الأبيض والأسود.. ذو الملامح الافريقية.. الشرق أوسطية ومن جنوب شرق آسيا وأنا أتفرس وأدقق بالمشاهدة رغم ان الكاميرا في كثير من الأحيان تخذلني بسرعتها ولكني لا أتعب بل استأنف التركيز.
٭ في ذلك اليوم المبارك قفزت من مكاني فرحاً بينما أهلي منصتون لسماع الخطبة، وأنا أمسك بطرحة أمي قائلة: ماما انظري إلى الشيخ/ حسين ردت أمي بدهشة: من الشيخ حسين. وبفرحة غامرة قفزت بقوة أمام أعين الجميع قائلة لهم: إمام مسجد الحي الذي يقولون انه مات رأيته الآن بملابس الإحرام.
- تتمتم أمي بصوت منخفض وهي تبسمل وتضع يدها على رأسي قائلة: حبيبتي الشيخ/ حسين مات رحمه الله والموتى لا يعودون.. إنهم في قبورهم وأرواحهم عند الله ترتع في جواره وفيض رحمته.
- اعترض وأغضب هو يا أمي بعينه أقسم لها بثقة أصف وجهه بدقة قائلة: يا أمي هو بوجهه الوضاء ولحيته البيضاء وجسمه النحيف.. عكازه الخشبي الذي طالما هزه وحركه أمامنا وهو ينصحنا أو يفض الاشتباكات التي تحدث بيننا وبين أبناء الحي.
- اضرب بيدي هاتين على التلفاز وأردد: رأيته ورأيته ثم رأيته ابكي بحسرة فلا أحد يصدقني أو يأخذ بما أقول أو حتى يجيب لي اجابة تريحيني بل تواصل أمي بالترحم عليه وتأمرني بأن اترحم عليه ايضاً لكن كيف أترحم عليه؟! انه رحل ولم يمت فأنا اعترض ولا أريد ان أفهم فعقلي الصغير لا يستوعب حقيقة «لا يعودون».
- في أوقات كثيرة أحاور نفسي وأنا جالسة على عتبة منزلنا القديم وأخوتي وأبناء الجيران يلعبون حولي وينادونني بشدة لكي ألهو معهم وأنا كالغريبة بينهم أحدث نفسي قائلة: لم يرحل «الشيخ حسين» ولم تمت نوال صديقتي ولم يقبروا فقط هم رحلوا!! هناك إلى بيت الله الحرام انهم مع المصلين يذكرون الله كثيراً نحن لن نراهم ولن يعودوا لأنهم يتلاشون في هذا الزحام فقدناهم صحيح ولكن سوف أبحث في التلفاز لأثبت لأمي انني رأيتهم.
٭ بدأ القلق يساورني.. بتُ أخشى من الموت أو الرحيل أن يأخذ أبي مني فعندما مات «الشيخ حسين» لم يجدوا شخصاً أكفأ من والدي ليصبح إمام المسجد نظراً لعلمه وصلاحه رغم ارتباطاته الوظيفية.
- أبي رجل ملتزم حريص على المسجد والصلوات الخمس ولذلك كنا نُحرم السفر إلى أقاربنا في الأعياد والمناسبات.. أخوتي كانوا يحلمون بالسفر والتغيير كأبناء الجيران بينما أنا أخشى على والدي من الموت «فالشيخ حسين» رحل وجاء الآن دور أبي الذي نحبه ضوء منزلنا وعماده القوي!! يرحل يموت ويتركنا هكذا خواطر هي كثيرة لا تجعلني أفكر وأتمنى وأحلم كبقية اخوتي.
٭ وحينما يأتي الشتاء ولياليه الممطرة ويذهب أبي إلى العمل أجدني أفكر وأتخيل وحين يتأخر أخاف عليه وأخشى أن يموت كوالد حصة فقد مات وهو عائد من العمل في يوم ممطر في حادث سير أليم!! كنت انظر إلى النافذة وأدعو الله ان يعيده إلى المنزل وإذا سمعت صوت المركبة أركض فرحة وأنادي أخوتي وأمسك بيده حينئذ أشعر انني انتصرت على الموت ولن يأخذه الموت مني. أقفز هنا وهناك فقد جاء أبي سالماً معافى.
٭ كبرت وكبر خوفي معي فطالما تمنيت أن احتفظ بأبي بين رموشي.. أغمض عيني عليه ولو فقدت بصري! أو شق صدري أضعه في قلبي ولو فقدتُ حياتي! أحياناً كثيرة أتمنى ان أعطيه أيامي كلها ليزداد عمره ولو مت أنا! أمسك يديه لا أشعر بالأمان اقترب منه لأشم رائحته واطئمن نفسي انه لن يرحل أمامي ابداً ولن أتجرع ألم فراقه كل هذا الخوف يحمله قلبي الصغير ولم أكن أحدث فيه أحد.
- جارنا أبوعبد العزيز تقاعد عن العمل ولم يلبث إلا قليلاً وجاءته أزمة قلبية ومات. وحين تقاعد والدي ذكرت أبا عبدالعزيز جارنا وبتُ أخاف عليه أكثر وأكثر أصبحت أخاف من الحديث عن الموت وعندما اقرأ الكتب وأصل إلى الموت أقفل الكتاب بسرعة وأنهض من مكاني.
- مرت الأعوام وأبي يعيش بيننا وصوته العذب ينساب في مدينتنا الصغيرة وهو يؤم الناس ويتلو الآيات بصوته فيزداد صوته جمالاً وأنا أدعو أن يطيل الله في عمره وأن لا يخفت صوت أبي كما خفت صوت «الشيخ حسين».
- تمر الأيام سراعاً وأنا أخاف منها وتعدو الليالي وأنا أزداد يقيناً ان الموت حق وأن الموتى في قبورهم والأرواح مقبوضة عند خالقها في رحمته وجواره هكذا علمني والدي فقد كان يزرع الايمان في قلوبنا ويرسخه بمواعظه ودروسه وأخلاقه.
٭ وفي خلال ثمانية أشهر فقط مرض أبي ومات واندثرت خطواته وسكت صوته الجميل وجاءت بعده أصوات وأصبح ذكرى عطرة أتذكر هذا وأبكي واسترجع الله واحتسبه عنده.
وجاء دور والدي بعد «الشيخ حسين» فقدناه وصوت آذان العصر يرتفع منادياً للصلاة وأول مرة معافى كان أبي أو مريضاً تفوته الصلاة فقد أصبح الآن وفي هذا الوقت المبارك في ذمته وجواره ليقيم الصلاة شيخاً آخر بدلاً منه.
- كان مساء مفجعاً كأنه حلم لابد ان نستيقظ منه، حزين مفزع ولولا ايماننا بالله ثم ما علمه لنا والدي وما رسخه في قلوبنا وأذهاننا بأن الموت حق فلا نجزع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فالرسول صلى الله عليه وسلم مات وهو أكبر فقد ومصيبة للمسلمين وان الموت جادة لابد أن نسير عليها لجزعنا.
- والآن فهمت يا أبي ما تقول لأنني استوعبت وفهمت وآمنت بالله وأخيراً وجدت الاجابة التي طالما قيلت لي ولم استوعبها.
وبعد سنة من وفاته أصبت بوعكة صعبة أقعدتني في المستشفى ولكن في هذه المرة لم أكن أخشى الموت ولم أكن أخشى الرحيل إلى دار الآخرة لأن هذا أجل مكتوب فقد رحل أبي قرة عيني.
٭ في ذاك المستشفى تذكرت والدي وتذكرت جلوسه في المستشفى وحده ومعاناته مع الألم والأجهزة تذكرته وهو يحمد الله دوماً ولم يتذمر ولم يشك لأحد إلا الله.
٭ بكيت ساعات متواصلة وأنا أردد قائلة: أبي مات.. أبي مات.. ابي مات.. فالموت لم يهزمني ولم ينتصر علي وليس بيننا حرب فهو حق ولا يأتي إلا بأجل مسمى.
- ولكن يبقى الرحيل هو الأصعب يظل عملاقاً مرعباً لا يرحم.. طعمه مر.. منظره بشع.. ينتزع القلوب بضراوة.. يطفئ البصر يحطم الخواطر ويباعد بين الأحبة ويوقظنا بفزع مما نحن فيه! هو الفراق وليس الموت.
ولكن تبقى ذكرى والدي والشيخ حسين وصديقتي نوال وكل من نحب هنا في قلوبنا شعاعاً يضىء لنا عتمة الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.