إخفاق المنتخب السعودي في بلوغ نهائيات كأس العالم في جنوب أفريقيا، ثم فوز الهلال بلقب نادي القرن في قارة آسيا، كشف ضعف البنيان النقدي في الساحة الرياضية السعودية، وتجلى ذلك بوضوح في الفعل وردات الفعل النقدية بين أصحاب الرؤى المتباينة للمشهدين. الحراك النقدي المتسارع الذي شهدته الساحة لم ينطلق من قاعدة مبنية على الوعي بقيمة النقد، باعتباره خطاباً تقويميا وتصحيحياً، وإنما انطلق من منصات هشة، لا علاقة لها بأصول المناقدة، فكان ما شهدناه من بكائيات مفضوحة من جهة، وتبريرات استنفاعية من جهة أخرى إزاء واقع المنتخب السعودي المأزوم، ثم حالة القصف العشوائي بفاحش القول، وساقط الكلام على خلفية انجاز الهلال الكبير، فبدا لنا النقد في ساحتنا الإعلامية الرياضية وكأنه حفلة زار كبرى. مشكلة بعض النقاد الرياضيين (راقصي الزار) أنهم لا يبحثون في نقدهم عن ما يمكن ان يؤسس لوعي حقيقي لدى المتلقي، وإنما يكون جل همهم أثناء الممارسة النقدية البحث عن نياشين ورقية، وأوسمة وهمية من الجماهير المحقونة بالتعصب للأندية، فيكون ذاك النقد/ الرقص كصب الزيت على النار. الأخطر في المسألة أن أولئك المتعصبين الذين ارتدوا جلباب النقد في غفلة من الزمن، لم يكتفوا بقذف حممهم على رؤوس البسطاء عبر مطبوعاتهم أو قنواتهم، التي يفترض أن فيها رقيباً يعي مسؤولية القيم الدينية والمجتمعية والإعلامية، بل وجدوا في منتديات الأندية على شبكة الانترنت وغرف المحادثة فيها ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، إذ لا رقيب ولا حسيب، فتسابق الواحد منهم عليها يحجز موقعه سعياً للفوز بلقب (عنتر زمانه). إنني أتساءل وفق الواقع .. هل ما يطرح اليوم تحت مزاعم النقد الرياضي يمكن أن يندرج تحت بند الممارسة الثقافية، أم أن الأمر لا يعدو مجرد خربشات على الجدران على طريقة (عاش النادي/ يسقط النادي)؟، أقول ممارسة ثقافية، ولم أقل عملية إبداعية!. وابتعد عن رصيف التساؤل لأدخل مناطق الجزم، بأن العقود الأربعة الماضية للممارسة النقدية الرياضية في السعودية، لم تؤسس فعلا لحالة نقدية، تقوم على الفعل لا ردات الفعل، إذ أن السائد من ذلك الوقت وحتى اليوم، ليس سوى تظاهرات نقدية إزاء حالات طارئة، ولذلك لم نصل بعد لمرحلة تشكيل الوعي النقدي، ولعل السبب الرئيس يعود لكون الناقد الرياضي السعودي لا زال خاضعاً لسطوة الجماهير على طريقة (الجمهور عاوز كده). وعلى هذا الأساس، سيبقى النقد الرياضي لدينا في حال المراوحة، ما لم ينعتق -على الأقل- النقاد الحقيقيون من قيود الواقع المأزوم، إذ هم مطالبون بترك العراك في حلبة الأندية، لأصحاب العضلات المفتولة والألسنة البذيئة، الذين يقتاتون على موائد المتناقضات، ليتفرغوا لتأسيس نقد واعٍ يقوم على القراءة الصحيحة للواقع الرياضي بما يسهم في إحداث نهضة رياضية، لا مكان فيها لحفلات الزار اليومية.