يحمل هذا العيد مناسبات عدة تجعله أكثر من عيد، ولعلنا هذه المرة نستطيع أن نتساءل وبتفاؤل "عيد بأية حال عدت يا عيد"، لأن هذا العيد يحمل الكثير من التجديد ومن الأمل "الفسيح" فقد احتفلنا في رابع ايام العيد بيوم الوطن وبافتتاح أحد الصروح العلمية العملاقة التي يمكن أن تعيد تعريف معنى "التعليم العالي" في بلادنا بعد المتاهات المتعددة التي مر بها التعليم خلال الخمسة عقود الماضية (تأسست أول جامعة عام 1957م، وهي جامعة الملك سعود) وعزاؤنا أننا حديثو عهد بالتعليم وببناء مجتمع حديث فالمتابع للمملكة العربية السعودية يلاحظ أنها خلال بضعة عقود أصبحت دولة حديثة وبمجتمع حديث يحمل في عمقه كل تعقيدات المجتمعات الحديثة، كما أنه سيدهش من الحراك الفكري النقدي الذي يدور داخل أروقة المجتمع، فنحن لا ننكر أنه يوجد لدينا كثير من المشاكل التي تتطلب منا جميعا المساهمة في حلها، لكننا لا بد أن نستشعر مساحة وحجم الحراك الثقافي/النقدي الذي يجعلنا جميعا نساهم في تشخيص هذه المشاكل ونطرحها على طاولة البحث. التعليم يعاني ولا بد أن يعاني فهو يخرج من عنق زجاجة ساهمت في تضييقها عوامل كثيرة أهمها موروثات ثقافية ما أنزل الله بها من سلطان، وأفكار بالية لا يرى أصحابها غيرها، ومع ذلك فمشكلة التعليم هي حديث الساعة وكل ساعة في كل مكان وزمان، وفي المجالس الخاصة والعامة. المجتمع يشعر بهذه المشكلة ويريد أن يجد لها حلا، وأنا على يقين أننا سوف نجد الحل، فطالما أننا نشعر بالمشكلة فسوف نبتكر حلول لها. لا بد أن نرفق بمجتمعنا، فنحن ل انريد أن نجره إلى التغيير غير المفكر فيه، كما أننا لا نريد له أن يتباطأ في التغيير حتى يخسر الفرصة المتاحة له حاليا فتصبح بعد ذلك المشاكل غير قابلة للحل. لذلك فإنني أقول ان هذا العيد هو "عيد الاعياد" لأنه لم يكتف بإشاعة الفرح وتحول المدن السعودية إلى ظاهرة "احتفالية" كنا نتوق إليها منذ زمن (رغم محاولة البعض إفساد احتفالية العيد)، بل حمل في أيامه الأولى نقلة نوعية في التعليم وتوطين التقنية. في اول أيام العيد دار حديث صاخب في مجلسنا حول جامعة الملك عبدالله (وأنا مدعو لحضور حفل الافتتاح، وقد دعيت قبل عدة أسابيع لزيارة مقر الجامعة في ثول وكتبت عن تلك الزيارة في حينها) وكان الحديث مركزا حول دور الجامعة التقني، وعندما استمعت لحديث المهندس خالد الفالح (الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية) في القناة الاولى، تبين لي أن الجامعة قائمة على قاعدة تنافسية عالمية في مجال البحث سواء على مستوى الاساتذة أو الطلاب وكنت أتمنى أن تكون القاعدة التنافسية تقتصر فقط على الأساتذة بينما يكون الطلاب من السعوديين فقط مع اعطاء نسبة محدودة للطلاب من الخارج إلا إذا كانت الدراسة مدفوعة الثمن. في اعتقادي أن حصر التنافس بين الاساتذة سوف يرتقي بمستوى الجامعة لكن يجب أن يكون تأثير هذه الجودة العالية على ابناء الوطن أولا. ربما يكون الدرس الاول الذي يجب أن نتوقف عنده هو "الأستاذ الجامعي" الذي حرصت على اختياره جامعة الملك عبدالله وهو حرص شبه مفقود في الجامعات الأخرى، ولا اعلم لماذا. فقد امتلأت بعض الجامعات بمستويات منخفضة حتى أن الاستاذ السعودي نفسه انخفض مستواه بشكل حاد نتيجة لعدم مطالبة الجامعة له بالتميز. فهل نتصور بعد ذلك أن يكون مستوى التعليم متميزا. الاستاذ ثم الاستاذ ثم الاستاذ وبعد ذلك تأتي المباني والمعدات والخدمات الاخرى، كان من الممكن أن أنتقد حرص جامعة الملك عبدالله على بناء المدينة الجامعية أولا لولا أن الجامعة سعت من أول يوم لها في بناء الكادر التعليمي واختيار الفوج الأول من طلابها المتميزين، وهو ما يجعلها متكاملة بشكل ملحوظ، بالنسبة لي مباني جامعة الملك عبدالله درس في العمارة المستقبلية في المملكة، ولا اريد أن أكرر ما قلته سابقا حول عمارة الجامعة، لكن بكل تأكيد الامكانات المادية والمدينة الجامعية المتكاملة أحد عناصر النجاح التي يمكن أن تصنع تعليما متميزا. حسب علمي هناك أكثر من اربع عشرة مدينة جامعية جديدة سوف تبنى في المملكة في الفترة القادمة، ودون شك أن هذه المدن سوف تساهم في بناء المجتمع تعليميا واقتصاديا لكني مع بناء الفضاء الاكاديمي والحرص على اختيار طاقم التدريس وبناء مناهج تعليمية رصينة ومتينة قبل بناء هذه المدن. إن اعرق الجامعات التي خرجت من فازوا بجائزة نوبل، تدرس طلابها في مباني موزعة وسط المدن الاوروبية والامريكية ولم يمنع كونها في مبان قديمة من أن تتصدر قائمة جامعة العالم الأكثر تميزا. إنني أدعو مبدئيا إيقاف لجان "الاستقطاب" في الجامعات التي يمارس فيها بعض من يرون أنهم يفهمون في كل شيء، اختيار أعضاء هيئة التدريس من كافة التخصصات، فهل سمعتم أن أستاذ التاريخ يستطيع أن يختار اساتذة كلية الطب، هذا يحدث عندنا، ونقول بعد ذلك ان التعليم لدينا ضعيف. كما أنني أدعو للمرة الألف عودة انتخابات رؤساء الاقسام وعمداء الكليات، فهذا أضعف الايمان. ولعلي أغتنم فرصة افتتاح جامعة الملك عبدالله لأطالب بمزيد من الحرية الاكاديمية وتوسيع مساحة دعم البحث العلمي مع إنشاء مراكز "نزيهة" لخدمة هذا الوطن الغالي حتى نحتفل العام القادم بيوم الوطن وقد خطونا خطوة للأمام، فنحن بحاجة إلى مناقشة مشاكل نوعية تجعلنا ننافس الامم الأخرى لا أن نعيد ونزيد في نفس المشكلة دون أي حراك.