لديّ ما يدعوني إلى الاعتقاد بأن المصرفيين في بلادنا، الذين انطلقوا في أعمالهم المصرفية تلك، من بدايات الدكاكين (الصيرفة)، هم أقدر على استيعاب حاجات الناس من أولئك الذين دخلوا الأعمال البنكية لثرائهم وكثرة فلوسهم وعقاراتهم. ومهما تغيّرت أساليب إدارة العمل المصرفي فهم - في أذهانهم - يختزنون المعرفة وحاجة العميل. اسماء بدأت من صرف نقود الحجاج والمعتمرين، في جدة ومكة والمدينة، وكانوا يجلسون في الدكان ويتعاملون مع الزبون بأمانة ودقة ولباقة قلّ نظيرها. رافقتهم تلك العادة والدقة وسرعة تغيّر أسعار الصرف، وسارت في دمائهم فصاروا أقدر من غيرهم (الجدد) على إنشاء خدمات بنكيّة عصريّة، تتطوّر كلما تطوّر العلم المصرفي والتجديد المصرفي والقيد المصرفي. المؤسسات تلك - وهي أكثر من واحدة - معروفة لدى أهل المال، وربما للعامة، ولا أراني بحاجة إلى ذكرها بالاسم. قد لا يكون حكمي بالدقة الكافية، لكنني أخذت أجهزة الصرف الآلي كمعيار. فالأجهزة التي تُديرها وتلاحظها وتصونها مصارف جاء أصحابها من دكاكين صرافة، قلّما يصيبها العطل، وإن حدث وتعطلتء فهي لا تلبث أن يُلفت النظر إليها ويجري إصلاحها في مدة وجيزة، وعلى العكس منها تلك الأجهزة التي تدار من بنوك جاءت إداراتها، أو مؤسسوها من غير أهل الخبرة المصرفية الأولى (الصرافة). وقد يقودني الأصل الاشتقاقي لمفردة (بنك)BANK إلى حقيقة كون البنوك كانت في الأصل دكاكين صرافة. فنجد الكلمة دخلت قاموس اللغة الإنجليزية حوالي العام الميلادي 1474وأنها أخذت اسمها من منضدة الصرّافين، التي كانوا عليها يتبادلون العملات، وهي كلمة (بينتش) بالإنجليزيةBENCH . ولو أخذنا كلمة (بانك) كفعل، لوجدنا أن عصر الأمريكيين أعطاها معنى "الثقة" والمتحدثون بالمفردات الأمريكية نسمعهم يقولون (تو بانك ويذ فلان) أي تضع الثقة فيه. @@@@@@@ مسألة مكائن الصرف الآلي هبطت علينا بطريقة سريعة جدا. ولها من السلبيات الكثير، إحداها كثرة العطل، ومنها وجود أرتال - طوابير، (يطلون عليك) ويصدرون أصواتا دالة على حثّك على السرعة (بعضهم يصطنع الكحّة) وثالث يسأل المنتظرين عن كيفية تسديد رسوم حكومية أو غرامات. وإذا وصلك الدور تعطل الجهاز.. !!.