إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    الرياض تعيد اختراع الإدارة المحلية: من البلديات التقليدية إلى المدينة الذكية    تحت رعاية ولي العهد.. تدشين النسخة الافتتاحية من منتدى «TOURISE»    استثمار الإنسان وتنمية قدراته.. سماي: مليون مواطن ممكنون في الذكاء الاصطناعي    «ملتقى 2025» يختتم أعماله في الرياض.. السعودية رائد عالمي في التحول الرقمي    ويتكوف وكوشنر اليوم في إسرائيل.. تحرك أمريكي لبحث أزمة مقاتلي حماس في رفح    شجار زوجين يؤخر إقلاع طائرة    إسلام آباد تبدي استعدادها لاستئناف الحوار مع كابل    بعد ختام ثامن جولات «يلو».. العلا يواصل الصدارة.. والوحدة يحقق انتصاره الأول    استعداداً لوديتي ساحل العاج والجزائر قبل خوض كأس العرب.. لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة    عبر 11 لعبة عالمية.. SEF أرينا تحتضن البطولة الكبرى للدوري السعودي للرياضات الإلكترونية    لص يقطع أصبع مسنة لسرقة خاتمها    هيئة «الشورى» تحيل 16 موضوعاً لجلسات المجلس    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج 2025.. جهود ومبادرات أمنية وإنسانية لخدمة ضيوف الرحمن    «إثراء» يستعرض المشهد الإبداعي في دبي    مغنية افتراضية توقع عقداً ب 3 ملايين دولار    العلاقة الطيبة بين الزوجين.. استقرار للأسرة والحياة    افتتح نيابة عن خادم الحرمين مؤتمر ومعرض الحج.. نائب أمير مكة: السعودية ماضية في تطوير خدمات ضيوف الرحمن    مطوفي حجاج الدول العربية شريكاً إستراتيجياً لمؤتمر ومعرض الحج 2025    النوم بعد الساعة 11 مساء يرفع خطر النوبات    المقارنة الاجتماعية.. سارقة «الفرح»    «الغذاء والدواء»: إحباط دخول 239 طناً من الأغذية الفاسدة    القبض على مروجين في جازان    مستشفى الملك فهد بالمدينة صديق للتوحد    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تحقق 37 ألف ساعة تطوعية    غزة بين هدنة هشة وأزمة خانقة.. القيود الإسرائيلية تفاقم المعاناة الإنسانية    هيبة الصقور    «جادة السواقي».. عبق الماضي وجمال الطبيعة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    العُيون يتصدر دوري أندية الأحساء    الاتفاق بطلاً للمصارعة    في الشباك    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    انخفاض الطلب على وقود الطائرات في ظل تقييم فائض النفط    تناولوا الزنجبيل بحذر!    تعزيز تكامل نموذج الرعاية الصحية الحديث    الأهلي يتوج بالسوبر المصري للمرة ال 16 في تاريخه    فيفا يُعلن إيقاف قيد نادي الشباب    15 شركة صحية صغيرة ومتوسطة تدخل السوق الموازي    انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8" في الأسطول الغربي    بغداد: بدء التصويت المبكر في الانتخابات التشريعية    على وجه الغروب وجوك الهادي تأمل يا وسيع العرف واذكر الأعوام    معجم الكائنات الخرافية    حرف يدوية    82 مدرسة تتميز في جازان    هدنة غزة بوادر انفراج تصطدم بمخاوف انتكاس    الشرع في البيت الأبيض: أولوية سوريا رفع قانون قيصر    وزير الحج: موسم الحج الماضي كان الأفضل خلال 50 عاما    أمير تبوك يشيد بحصول إمارة المنطقة على المركز الأول على مستوى إمارات المناطق في المملكة في قياس التحول الرقمي    أكثر من 11 ألف أسرة محتضنة في المملكة    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار مع الآخر حقيقته ومنهجه وثمراته "2-2"
نشر في الرياض يوم 26 - 09 - 2008

ولقد كان من المفيد أن نعتمد على المسلمين المقيمين في بلاد الغرب الذين لم يعد وضعهم يوصف بالجاليات بل أصبحوا مواطنين يمثلون أجيالا سبقتهم، ففي المملكة المتحدة الجيل الثالث والرابع وكذا في فرنسا وفي ألمانيا وفي كندا وأمريكا. غير أنهم وللأسف لم يدركوا بعد خطر الإعلام الغربي وما يتصف به من قوة الإدراك وعمق النظرة والقدرة الفائقة على تحقيق مصالحهم، وغالباً ما يكون حوار هؤلاء المسلمين بطريقة عشوائية يتجلى فيها حب الظهور والنزعة الفردية، مع غياب التنسيق مع شيء من السذاجة والسطحية، ولهذا نلاحظ أن الإعلام الغربي يخترق الجمعيات الإسلامية فيختار أشخاصا بأعيانهم ووجوها بذواتهم، ودعاة متطرفين لديهم الكثير والكثير من الحماقة وقصر النظر ويهدف الإعلام الغربي من هذا أن يؤثث بهم فضاء استوديوهاته وندواته حتى يقدموا الصورة عن الإسلام التي يريدها هو وليست التي تمثلنا حقيقة، وهذا الإعلام كلما أبصر ألمعياً لديه القدرة والكفاءة همشوه وعملوا على إقصائه، فلماذا تقدم الجمعيات الإسلامية السكين التي نذبح بها والسوط الذي نجلد به، وكنا نتمنى أن يكون للمنظمات والجمعيات والهيئات الإسلامية في بلاد الغرب ناطقون رسميون، ويكون لدهيم خطة للتطوير الإعلامي، لماذا لا يقدمون لشبابهم ولدعاتهم دورات تدريبية تحقق لهم إصلاح الخطاب الإسلامي والأساليب الدعوية، ويكون لديهم علماء في التنظير للخطاب الإسلامي يتقنون علوم العصر المتعلقة بالخطاب كعلم اللسانيات وعلم البلاغة وعلم تحليل الخطاب وعليهم أن يتقنوا البلاغة العربية الأصيلة ويتقنوا شروط الحوار وعلم المناظرة، وهؤلاء يكونون الدعاة الذين يعرفون دينهم ويتوجهون إلى دعوة من حولهم ويعلموا ضرورة التنافس على بلوغ الجودة، جودة في المنتوج الفكري والمنتوج الإعلامي.
وليتخذ هؤلاء الرجال قدوة لهم في النقاش والحوار أمثال الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عندما وقف أمام ملك الحبشة النجاشي رضي الله عنه وبيَّن له الإسلام في كلمات وجيزة بليغة رتب فيها الاولويات عندما أوضح حال الناس قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف كانوا بعد ذلك، وأوضح موقف قريش من الدعوة وصاحبها واتباعه، حيث قال: كنا أهل جاهلية نأكل الميتة ونظلم الجار ونستحل الحرام ويعدو بعضنا على بعض، فجاءنا نبي كريم فعلمنا الإيمان والتقوى والصبر والصلاح والاستقامة وإكرام الجار ونهانا عن عبادة الأصنام وأكل الحرام، فآمنا به وصدقناه فعدا علينا قومنا فآذونا فجئنا إليك واخترناك على من سواك لاجئين إليك، وتلا عليه ما ورد في القرآن عن زكريا ويحيى وعيسى وأمه مريم عليهم السلام وهم مقدمون عند النصارى، فأحسن عرض الرسالة وأحسن عرض المظلمة وأحسن عرض الاستجارة وانتقاء الآيات التي قرأها بين يديه، فكانت النتيجة الطبيعية لهذا الإتقان الإعلامي أن الاستجابة عند النجاشي كانت بكاء ودموعاً وتأثرا ثم قال: والله لا أسلمكم أبداً. فهذا الدرس يتعين أن نتعلمه من سلفنا الصالح في شكل الحوار الناجح والأداء الموفق.
والمسلم يتعلم من القرآن أنه يتحمل المسؤولية قال تعالى: (وقفوهم إنهم مسئولون) (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيدا) "النساء: 79". (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) "آل عمران 165". فهناك عقدة نفسية لدى الغرب عن الإسلام فعلى سبيل المثال عندما حضر رجال الجهاد في أفغانستان أمام الرئيس الأمريكي عام 1406ه - 1986م في أول اتصال بين أمريكا والمجاهدين الأفغان باعتبار الخصم المشترك هو الروس قبل أن يجلسوا على الكرسي قال لهم: لا أريد أن أسمع كلمة اسلام احكوا كأفغان مدافعين عن وطنكم ضد الروس، وهذا يدل أن هذا الرئيس مشحون سلفاً ضد أن يكون للمجاهد الأفغاني بُعد رسلامي، وإنما بصفتهم أفغان يدافعون عن بلادهم ضد الروس فهو مستعد لمساندتهم، هناك عقدة اسمها الإسلام عندا لغربيين والسبب معروف: فأصل المشكلة عقدي، فالغرب لا يقبل من المسلمين شيئاً مهما توددوا أو تزلفوا أو اقتربوا أو تنازلوا، ومهما أوضح المسلمون ما ورد في القرآن الكريم عن عيسى ومريم عليهما السلام، لأن الغرب يعتقد أن عيسى عليه السلام هو خاتم الأنبياء فلهذا لا يعترفون بنبينا محمد عليه السلام ولا بما أنزل عليه من القرآن الكريم، لأن اعترافهم بنبينا ينسخ ديانة المسيح، في حين أن اليهود يرفضون المسيحي ويرون المسيح دجالا وأنهم قد تولوا صلبه وحرضوا عليه الرومان، وقد نفى القرآن صلب عيسى عليه السلام حيث قال تعالى: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) "النساء: 157"، ولكن النصارى يعترفون بالديانة اليهودية؛ لأنه في ثقافتهم اليهودية دين معترف به فالانجيل يشتمل على التوراة ولأن الإنجيل يحكي عن أنبياء بني إسرائيل ولأن عيسى آخر أنبياء بني إسرائيل فمهما رفض اليهودي المسيحي فالمسيحي يقبله، لأنه يجد في أصول دينه التوراة بل إن طائفة البروتستانت تعتقد أن التوراة هي العمق العقدي والتاريخي للإنجيل، ويطيعون كليهما ويسمونه الكتاب المقدس العهد القديم والعهد الجديد، أما المسلم مهما انفتح، مهما تحدث عن عظمة الإسلام وسماحته، مهما تحدث عن حقوق أهل الذمة مهما تحدث عن قبول الإسلام للمسيحية فهم لن يعترفوا به ولا يرون أن بعد المسيحية دينا ولأنهم يخافون ان انفتحوا على الإسلام أن يكون ذلك أساسا لنقض دينهم لأن التسليم بوجود محمد هو إنهاء لدور عيسى عليه السلام.
وثمة مشكلات أخرى اننا نتخلى عن المبادرة فيسبقنا غيرنا إلى العمل فالفاتيكان هو الذي يؤسس الإطار للحوار المسيحي الإسلامي وكان الأولى أن نقول الحوار الإسلامي المسيحي، ويضع الضوابط والشروط ويختار المكان، وعندما أراد البابا الاعتذار عندما أساء إلى نبينا عليه السلام اتخذ قراراً بإنشاء منظمة حوار تسمى منظمة حوار إسلامي مسيحي بل سميت منظمة حوار كاثوليكي إسلامي واختير مكانها في روما والمشرف والمهيمن والممول هو الفاتيكان، ومهما كان لدينا من مهارة فنحن نفتقد شيئين: المبادرة (فكانت من الفاتيكان) والتسويق (فالذي سيسوق المبادرة هي القنوات الغربية التي هي أقوى وأقدر) لذا علينا أن نسارع إلى المبادرة نحو وضع أطر لهذا الحوار وسنجد من يستجيب لدعوتنا ويقبل بضاعتنا ويتبين أن الحق لدينا، ولن يكون هؤلاء من السياسيين لأن عندهم حسابات سياسية ضيقة، ولن يقبل منا رجال الكنائس لأن عندهم أطرا عقدية لاهوتية ضيقة، وإنما يكون حوارنا مع رجال الجامعات من الأكاديميين الذين يمثلون فسحة أمل وواحة في صحراء الصراع المسيحي الإسلامي فلديهم الموضوعية والقدرة على التفاهم للوصول إلى الحقيقة، فالنفس الأكاديمي في البحث عن الحقيقة يوصلهم إلى التجرد، هناك جامعات بريطانية اتخذت قراراً بمقاطعة إسرائيل وكل العلاقات الأكاديمية والبحث العلمي وطردت كل الإسرائيليين الذين كانوا متعاونين معهم في إطار الاتفاقيات مع الجامعات الإسرائيلية، فلم تجد إسرائيل إلا اتهامهم بمعاداة السامية ولم تجد الدولة البريطانية إلا أن ترفع يدها لأن الجامعات مستقلة بنظمها وميزانياتها وهيئاتها ولا سلطان للدولة عليها، وهذه إحدى جامعات السربون في إحدى ضواحي باريس تجمع فيها شباب ممن عندهم حس وطني يعتبرون معقل القضية الفلسطينية والعربية ولا يقبلون أن تخترقهم الصهيونية ويقاطعون إسرائيل ويحتضنون الطلبة الجامعيين المسلمين الذين يريدون أن يطرحوا أبحاثا في العلوم الإنسانية فيها شيء من الجرح لهذه الجهات الأخرى المتعصبة، وهناك جامعات أمريكية لديها التطلع إلى أن تعدل علمياً وأكاديمياً لغة التحيز الأهوج لدى الحكومات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل، فالأكاديميون بيدهم صناعة القرار وعلينا أن نستثمر في المستقبل، وسبب تخلفنا أننا ننام قرونا ثم اذا استيقظنا نضغط على الزر ونريد فوراً أن نعدل في الوضع وتصحيحه وسنة الله في الكون أن ما فسد في زمن طويل لا يصلح إلا في زمن طويل.
الخلاصة
- ان الشرط الأساسي في الحوار هو الصدق: أي الرغبة المتبادلة في الوصول للتفاهم، فما لم يكن الحوار مبنيا على رغبة في المعرفة والتوصل إلى تفاهم وإلى حقيقة والى توافق فإن هذا الحوار يصبح تعجيزاً يصبح استفزازاً يصبح استدراجاً وعبئاً لا أنه سعي إلى التفاهم، إذن الشرط الأول هو شرط الرغبة في الوصول إلى المعرفة والتفاهم للوصول إلى الحق.
- أهم شرط في المحاور الكفاءة والتخصص والخبرة والقدرة على المناورة والمداورة والليونة.
- هناك صورة مهيأة سلفاً عند الغرب أنشأها المستشرقون على مدى قرون وتراكمت عبر الكتاب والبحث بل حتى عبر اللوحة الفنية التي كان يرسمها الفنان المستشرق عن العرب وعن المسلمين وكيف أنهم يعيشون للجنس والممارسات الجنسية وما خلف أسوار القصور صورة للتشويه والإساءة دون أن يكون لها حقيقة في الواقع صورة للشرق كما يريد الغرب أن يكون، هذه الصورة للعربي والمسلم على أنه بليد وغبي وقاس ومتوحش ودموي وغير ذلك.
يتعين أن نتحاور ونحن نمثل كتلة واحدة وصفاً واحداً على قلب رجل واحد (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)، لو نتحاور ككتلة واحدة ونختار أفضل شخص في الذكاء والفطنة وبعد النظر وسداد الرأي والحنكة والحكمة ونفاذ البصيرة، ويتمتع بالقدرة على الإقناع، ويحسن المداخل والمخارج، ويشد ظهره منظمة قوية رائدة مثل: منظمة المؤتمر الإسلامي، منظمة الإسيسكو، رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة اتحاد الجامعات الإسلامية، وهنا يكون التحاور مجدياً ومؤثراً ومحققاً للأهداف السامية والمثل العليا والغايات النبيلة، وعندئذ يتعين علينا أن نبصر عيوبنا ونأخذ على أيدي سفهائنا وذلك بمنع الفوضى في الفتاوى في الفضائيات، والتي تصدر من أناس لا خلاق لهم والذين غابت مخافة الله في قلوبهم وفقدوا الحياء، وصار الواحد منهم يهرف بما لا يعرف ويتفلت من احكام الشريعة، ولم يعرف هؤلاء أن العلماء الأعلام يحرصون كل الحرص على إحقاق الحق وإزهاق الباطل ولديهم الرغبة الصادقة في التمسك بكتاب الله العزيز وما صح من السنة المطهرة، فهذا الإمام مالك رضي الله عنه - على ما هو عليه من وعي وفهم وعلم - إذا أفتى في مسألة يقول "إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين".
وسئل الإمام الشافعي رحمه الله إمام أهل العراق عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تستحي أن تقول لا أدري وأنت إمام العراق؟ فقال - رحمه الله -: إن الملائكة عندما قال الله لهم (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم). وهذا من تمام الأدب مع الله تبارك وتعالى وتواضع العلماء وشعورهم بثقل الأمانة وعظم المسؤولية.
وهذا الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رضي الله عنه - يقول: (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب)، هذا الإمام العظيم أثر عنه المذهب القديم لما كان في العراق، ولما تحول إلى مصر دون مذهبه الجديد بناء على تغير الأحوال والأعراف، وصار يقال قال الإمام الشافعي في القديم وهو ما تكون من فقهه في العراق، وقال بالجديد وهو ماتحصل من الفقه لديه في مصر هذا الإمام الجليل الذي وصفه الإمام أحمد رضي الله عنه بقوله: الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، وهذا الإمام الشافعي يقول عن الإمام أحمد: خرجت من بغداد ليس فيها أفقه ولا أعلم ولا أورع من أحمد بن حنبل.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - يؤثر عنه أكثر من قول في المسألة الواحدة إما: لسنة بلغته، أو لنازلة تستدعي النظر فيها والحكم عليها.
ولينتبه أصحاب الفوضى في الفتوى وفي الدروس الوعظية ما أثر عن الإمام سفيان الثوري رحمه الله حيث قال لمن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لا بد لمن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر أن يتحقق فيه ثلاث: أن يكون عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه.
كما أن على المفتي أن يكون محيطاً بما جاء في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة وعلى علم بالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل والمبهم والمبين مع فقه عميق وفهم دقيق في القضايا الشرعية فهذا الإمام الجليل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي الله عنه، قد أثر عنه أنه مر مع أصحابه على أناس من التتار الذين غزو بلاد الشام وكانوا سكارى فأراد من كان مع الإمام التغير عليهم فنهاهم الإمام ابن تيمية؛ لأن أمامه مفسدتين: مفسدة شرب الخمر، وهي منكر، غير أنها جريمة قاصرة، والمفسدة الثانية قتل المسلمين وازهاق أرواحهم وسفك دمائهم، ولهذا قال الإمام الجليل دعوهم، إنما نهى الله عن الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء إنما تصدهم الخمر عن قتل المسلمين وإراقة دمائهم، ولزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من إراقة دم مسلم بغير حق.
ولكننا مع الأسف نعيش اليوم في عصر مع شباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، لم يأخذوا العلم عن الثقات ولا عن مصادره الأصلية، ولم يستمعوا لقول الله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، كما أن هؤلاء لم يرجعوا إلى الراسخين في العلم، وإنما قرؤوا عددا من الآيات وجملة من الأحاديث ثم نصبوا أنفسهم للفتوى، فأخذوا يكفرون الأمة ويفسقونها ويجهلون العلماء ويسفهونهم، ويخوضون في أعراضهم، ويسعى هؤلاء الشباب في تضليل الناس ووصفهم بالابتداع، ويصدرون من الفتاوى ما يؤدي إلى الفتنة والبلبلة والاضطراب، ويخوضون في القضايا الكبرى للأمة ومصالحها العليا، وهذا من الفتن العظيمة ومن الشر المستطير فيجب على العلماء وأولي الأمر والرأي أن يتصدوا لهؤلاء ويبعدوهم عن الساحة، ليسلم الناس من هذا الهراء ولا يتصدى للفتوى إلا الراسخون في العلم، ومن وهبهم الله فقهاً دقيقاً وفهماً عميقاً.
وعلينا إتقان اللغات التي نتحاور بها ولا سيما اللغة العربية الفصحى الموجهة للعرب والمسلمين باعتبارها من أقوى العناصر في توحيد الصف وصدق اللهجة والتعبير الحقيقي عن فهم القرآن الكريم وما صح من السنة المطهرة، هذه اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم بلسان عربي مبين، وهي لغة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين فالله جل وعلا اختار للرسالة الخاتمة أطهر أرض وأكرم أمة وأشرف رسول (الله أعلم حيث يجعل رسالته) ولا ريب أن الإسلام قد انتشر وظهر وصارت له السيادة والقيادة على أيدي السابقين الأولين من العرب وجنسيات أخرى، فقد قال المصطفى عليه السلام (أنا سابق العرب وسلمان سابق الفرس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبش) ومن عناصر الفلاح إيجاد ضوابط لصحة الفتوى وشروط وصفات المفتي ومقومات الدعوة وصفات الداعية كيف نفهم بعضنا البعض إذا نحن لم نحترم حتى ضوابط الفتوى.
- المسلمون استقروا في بلاد الغرب وطنوا الإسلام لم يعودوا جالية ولم يعودوا يوصفون بأنهم نازحون ولكنهم أصحبوا من أبناء البلد وقد اندمجوا، لكنهم لم يدركوا خطورة أسلوب الإعلام عند الغرب وعادة ما يتعاملون مع الإعلام بطريقة عشوائية يبرز فيها حب الظهور والنزعة الفردية فيها غياب التنسيق فيها شيء من الغفلة والسذاجة ولهذا نلاحظ أن الإعلام الغربي يختار أشخاصاً بأعيانهم وربما دعاة متطرفين لكي يبرزهم في الإعلام ليقول هؤلاء هم المسلمون.
- والتطرف والإرهاب قد برز في بلاد الغرب فهذا موسليني وهتلر واستالين وجورج دبيلو بوش وديفيد بن جوريون، ومناحم بيجن، وشارون، وشمعون بيريز، ويهود باراك، وقاتل جون كندي وقاتل اسحاق رابين وقتلة ضياء الحق وانديرا غاندي وبنظير بوتو وقتلة صدام حسين ورفيق الحريري ورونيه معوض وبشير الجميل ومحمد بو ظياف، وعبدالقادر الحشاد، ومن فجر المركز التجاري في أمريكا وقتل الكثير من الأطفال والمعلمات في مدارس أوروبا وأمريكا، والمعتدون على بناتهم في النمسا وفرنسا، ولا ننسى من القوا بالاف الأطنان من قنابل فسفورية وعنقودية والصواريخ على أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال ولبنان وقتلوا وسجنوا وشردوا الملايين، وهؤلاء الذين بلغوا المدى في الإجرام والوحشية وأكلة لحوم البشر واستولت على ثروات الأمم والذين ساندوا هيلاسلاسي في اثيوبيا وزياد بري في الصومال، وشاوشيسكو في رومانيا، وموبوتو في زائير (الكونغو) وقرنق في جنوب السودان وحكام أثيوبيا الآن ضد المسلمين في الصومال، هؤلاء الذين ملأوا الدنيا ظلماً وعدوانا وبصماتهم ظاهرة في اليابان بإلقاء القنابل الذرية وكوريا وفيتنام والهند الصينية والكثير الكثير من البلدان، وصار مثلهم في دعواهم المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يهدينا سواء السبيل، قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) "الأنعام 153".
والحمد لله رب العالمين وأزكى الصلوات والسلام على المبعوث رحمة للعالمين السراج المنير هادي البشرية إلى الرشد وداعي الخلق إلى الحق ومخرج الناس من الظلمات إلى النور صاحب اللواء المعقود والمقام المحمود والحوض المورود عليهم وعلى أصحابه الركع السجود أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.