الشريطي.. هو رجل التفاوض والرجل الذي لا يهتم كثيراً بهندامه؛ لأن مهنته لا تحتاج لأكثر من الفطنة والفراسة، يحرص على انتقاء الكلمات المؤثرة التي تجعله يفوز بالصفقة. ويتصاحب مع المكسب المالي الذي يتحقق له من شراء السلعة، شعور نفسي لذيذ بأنه انتصر. إذ يدخل كل حالة تفاوض مع زبون ما، بنية الحسم المبكر فهو لا يلجأ كثيراً لمعركة الاستنزاف ومواصلة ترغيب الزبون ببيع سلعته؛ لأنه يدرك أن ذلك الإصرار قد يجعل الزبون يغالي في ثمنها. وتقوم استراتيجيته الأساسية في تفاوضه مع الزبون على تبخيس قيمة السلعة. الشريطي يقرأ باقتدار ملامح وجوه زبائنه. ويتسرب إلى قراءة أوضاعهم النفسية. فيعرف المحتاج والغشيم والمضطر والجاهل بأسعار السوق. ويدرك أيضاً الزبون الفطن فيأخذ حيطته ويجتهد في أن يكسب الصفقة من ذلك الزبون. ويعتبر التفاوض الشرس مع الزبون الفطن هو الألذ، فهو الاختبار الحقيقي لقدراته وهو ما يمنحه الإيمان بأنه رهان الكسب في كل المعارك!. وبهدوء مريب يرقب زبونه عن بُعد، ثم ينشغل عنه، يؤجل اصطياده كأنه يبصر حاجة ذلك الزبون بوضوح، وحين يفشل الزبون في مدارة حاجته، يدوزن مسبحته لتفاوض قادم فيبادره بابتسامة ملونة وبنوايا ليست بيضاء تماماً ويتلبس دور المنقذ ويبدأ عرضه الأول بثمن بخس ليهدر طموح الزبون في رغبته بالسعر المناسب، ويخذل عزيمته ثم يناور بدهاء، يأخذ عن الزبون هزيمته فيشعره بأنه المغبون وبوجه يتقن إخفاء التعابير.. يزيد في الإيمان الغليظة كما لو أنه الخارج من توبة عميقة بأن الخسارة هي قدرة. وأن لا مكسب له سوى أن يفرج كربة ذلك الزبون. غالباً ما يدرك الزبون أن الشريطي يناوره بطريقة احترافية وأنه يخضعه لشروطه في ذات الوقت الذي يدرك الشريطي أن الزبون مرهق بهمومه وحاجته، وأن قدرته على التفاوض تخذله فهي أقل بكثير من احترافية الشريطي فيسلم له ويمنحه ما يريد وبعد أن تنتهي مراسم البيع يتكلف الشريطي ابتسامة ترتسم بعناء على وجهه قبل أن يرحل عنه بهدوء ليتفحص المكان مرة أخرى، وليدوزن مسبحته في انتظار وجه آخر يغري بالتفاوض الشرس. فالشريطي لا يؤمن بأسلوب البيع الحديث. ولا يهتم بأن يصنف بمسمى التاجر أو رجل الأعمال، فهو يدخل في ذلك الجدل التفاوضي بشكل يومي في أمكنة صاخبة تعج بمكبرات الصوت والصراخ. رهانه دوماً ألا يطيل مدة التفاوض مع زبون ما. وأن يظل دوماً ممتلئاً بإحساس الرجل الذكي الذي يكسب. وعندما نتأمل الصورة الذهنية الاجتماعية عن الشريطي نجدها صورة ليست إيجابية تماماً. لكن الكثير يجهل أن تلك المهنة لا يمكن أن يتحقق وجودها إلا لرجل يتقن فن التفاوض في البيع بذكاء وشراسة وبلؤم أحياناً.