الاختلاف في الرأي بين القارئ والكاتب يحقق تعميقاً للرؤية هكذا أرى الصورة، وحين يختلف القارئ مع القارئ فإن العمق يزداد ويكون أكثر إيجابية. الإشكال الاجتماعي الخطير الذي كنا نعاني منه في مجتمعنا سيطرة الصوت الواحد لفترة زمنية طويلة مع احتفاظه بنمطية التفكير والتوجيه من دون أي محاولة لاستيعاب المستجدات، والآن بدأت تعلو بعض الأصوات غير الناضجة في الطرف الآخر، لنأخذ جزءاً صغيراً من مشهد الحوار الاجتماعي بين الرفض والقبول، الخلاف حول العباءة على الرأس أو على الكتف، استمر الجدال على شكل العباءة وموقعها.. والنتيجة أن العباءة تحولت إلى جزء من تجميل الفتيات وجزء من اكسسوارات التميز ولم تعد حجاباً يهدف إلى الستر. أين الخطأ؟ الهدف من الحجاب غاب عن الحوار، واختلطت الأمور بين رافض ومؤيد للكتف أو الرأس، واستمرت فتياتنا يشكلن العباءة وفق موضات لكل مناسبة، باتت هناك عباءة للسوق، وأخرى للعزاء، وثالثة للحفلات، وبعضنا مشغول بعباءة الرأس والكتف، من دون أن يتم إقناعهن أن العباءة للحجاب وستر المرأة، بصرف النظر أكانت على الرأس أو الكتف!. اليوم لننظر إلى العباءة التي خرجت عن إشكالية الرأس والكتف وأكدت لنا كل خطوط الجمال في أجساد فتياتنا..؟ مجتمعنا يعيش اليوم حراكاً اجتماعياً حاداً، تلمس فيه بروز فئتين، فئة تخرج من بعض ثوابتها وقيمها باسم التطور والتحرر من دون أدنى درجات الوعي والإدراك، وفئة تمارس الرفض الدائم وكأن الحياة انتهت عند حدود قناعاتهم فقط.. رفض لأي محاولة تجديد بلا إمعان للعقل ولا تدبر، مع أن التدبر منهج إسلامي صريح. بين تلك الفئة وهذه ضاعت هوية طبقة الفكر الوسطي، طبقة الاعتدال، وأخشى على صغار تلك الطبقة من الانجراف لأي طرف منهم، الحراك الاجتماعي الذي نعيشه سريع وحاد ولم يعد محلياً بحتاً في تأثره؛ بل لا بد من الاعتراف بأنه تحت ملاحظة الخارج، بل وربما بعيداً عن نظرية المؤامرة هناك من يسعى إلى التداخل مع ذلك التغير وتوجيهه حسب رغبته. الخطورة أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية لدينا تقف موقف المتفرج ولا تشارك عملياً في توجيه الحراك نحو المناطق الإيجابية المتناسبة مع المصلحة العامة. الرئاسة العامة لرعاية الشباب على سبيل المثال لم تتغير في إستراتيجية عملها قيد أنملة بقيت مشغولة بكرة القدم وتغيير المدربين، المدرسة بقيت كما هي عليه، المسجد مكانك سر، الأسرة التفكك يتزايد، الجامعات، والإعلام.. هل نستمر ليكن ولكن عبر أكثر من مقال؛ لأن حال الشباب خصوصاً، والحراك الاجتماعي عموماً، يتطلبان نفض الأتربة بكل وضوح، وإلا فإن حوارنا سوف يستمر مثل عباءة الكتف والرأس، من دون أن نصل إلى الهدف الحقيقي.