"أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    ألكساندر أرنولد : ليفربول سيبذل قصارى جهده لإنهاء الموسم بشكل جيد    محترف العين: طعم الانتصار على الهلال لا يُوصف    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    ثلث أطفال بريطانيا بين سن الخامسة والسابعة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي    زيدان يقترب من تدريب بايرن    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    «CIA» تحذّر: أوكرانيا مهددة بخسارة الحرب    بعد الفيتو الأمريكي.. استياء عربي لرفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    موعد مباراة السعودية وتايلاند اليوم    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    رسالة من كاراسكو لجماهير الشباب بعد الفوز على أبها    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    خطيب الحرم المكي يوصى المسلمين بتقوى الله وعبادته والتقرب إليه    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    أمين مجلس التعاون : عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة للوراء في جهود تحقيق السلام    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    المستقبل سعودي    فيصل بن تركي وأيام النصر    في حب مكة !    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقص الغذاء العالمي .. كيف نواجه الأزمة ؟؟
نشر في الرياض يوم 23 - 06 - 2011

توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للجهات المعنية، بمتابعة ودراسة المؤشرات الاقتصادية ذات التأثير المباشر على حياة المواطنين خصوصاً ما يتعلق بتعقب إمدادات سلع إستراتيجية في مصادرها أو ارتفاع أسعارها، هذه التوجيهات تأتي منسجمة مع ما تواجهه الكثير من الدول من موجة غلاء ونقص في إمدادات السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز.
؟ ما طبيعة التحديات التي تواجهها المملكة فيما يتعلق بتأمين السلع الغذائية الإستراتيجية؟
؟ وما المعالجات الآنية والبعيدة المدى التي يمكن أن تساعد على احتواء تفاقم آثار نقص الإنتاج العالمي من هذه السلع؟
؟ وهل يمكن بناء مخزون إستراتيجي من السلع الغذائية الأساسية (القمح والأرز) لمواجهة المخاطر؟
؟ وهل آن الأوان لتغيير أنماطنا في استهلاك السلع الغذائية وكيف؟
أي غلاء لا يكون إلا بنقص إمداد أو زيادة طلب، كما يقرر أ.د. عبدالرحمن الحماد في بداية النقاش حول هذه القضية الحيوية. ويضيف د. الحماد: وهذا الحاصل الآن، فالصين والهند زاد استهلاكهما للأرز وذلك نتيجة النمو الاقتصادي، وهؤلاء يشاركوننا في الطلب. أما العرض كما هو أو أقل نتيجة حدوث الفيضانات لذلك ارتفع السعر.
وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية شبه طبيعي نتيجة زيادة أسعار المدخلات والأيدي العاملة والمواد الخام، أما التوجيه غير المباشر من الدولة من خلال تخفيض الجمارك والدعم المباشر للرز وتخفيض البنزين وكذلك زيادة الرواتب 5% بشكل متدرج أمر رائع جداً ويسهم في تحجيم الغلاء والتخفيف على المواطن، فليس من المهم كما يقول أ.د. الحماد زيادة الراتب أو الدخل لكن الأهم ما هي القيمة السوقية للأموال المقبوضة؟
وهنا يشير د. حمد الحوشان إلى أن السنتين أو الثلاث الأخيرة قد شهدت أسعار السلع الغذائية على المستوى العالمي ارتفاعات كبيرة نتيجة لانخفاض الإنتاج في بعض الدول المنتجة وزيادة الطلب والاستهلاك العالمي لهذه السلع، فبحسب منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ارتفعت أسعار المواد الغذائية إجمالاً بنسبة 7% في عام 8002م عن مستواها عام 7002م. فمثلاً الحبوب زادت أسعارها بنسبة 54% في مارس 8002م. عن مستواها في يناير 8002.كذلك السكر زادت أسعاره بنسبة 32% عام 8002مقارنة بنهاية 7002م، اللحوم أيضاً شهدت أسعارها زيادات بمستويات قياسية خلال عام 7002م و8002م.
ويضيف د. الحوشان: والمملكة مستورد صافي للسلع الغذائية، لذلك ما حدث ويحدث بالسوق العالمي من ناحية الإنتاج والأسعار، ينعكس بالضرورة على الأسعار وعلى المعروض في أسواق المملكة، فمن ناحية، المملكة لا تستطيع التحكم بالإنتاج ولا بالأسعار في الأسواق العالمية ومن ناحية أخرى لا تستطيع أيضاً أن تنتج كثيراً من السلع الغذائية بكميات كافية للاستهلاك المحلي للطبيعة المناخية للبلاد ومن ثم التكلفة المرتفعة لأي إنتاج بحجم كبير في هذا المجال، وبالأخص من ناحية توافر المياه، وعلى ذات السياق يؤكد د. راشد بن سلطان العبيد بأنه فيما يتعلق بتأمين السلع الغذائية الإستراتيجية يخضع للسعر العالمي ولا دخل للمملكة فيه ويعتبر بالفعل إشكالية، وزيادة الأسعار في السوق العالمية يعتبر أيضاً إشكالية خارجة عن نطاق الدول المستوردة.
مستويات خطيرة
ويشير أ.د. حسن بن عبدالعزيز المانع إلى أن بعض التقارير العالمية تزعم بأن النقصان غير المسبوق في إنتاج السلع الغذائية سيزداد يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد سنة وربما يصل إلى مستويات خطيرة وسيطال كل دول العالم بما فيها الغنية، وسيستمر لعقد كامل.
كما أن بعض الخبراء الزراعيين بدأوا يتساءلون هل ستتحقق نظرية مالتوس المتشائمة! والتي تفترض أن معدل الزيادة في عدد سكان العالم يتفوق على معدل إنتاج الغذاء. وبمعنى آخر فإن الفجوة بين إنتاج الغذاء والزيادة المضطردة في عدد سكان العالم ستكون في يوم من الأيام كبيرة وحتمية ستؤدي إلى ظهور المحن القلاقل. ونرجو الله ألا تتأثر المملكة بنظرية مالتوس المتشائمة. ويضيف أ.د. المانع: وهناك تحدٍ آخر هو مشكلة إيقاف تصدير السلع الغذائية الإستراتيجية إلى المملكة من دول أخرى مصدرة للغذاء. ومن العوامل التي تساعد على تفاقم المشكلة ظاهرة تغير المناخ، وارتفاع أسعار العملات الأوروبية والصراعات الإقليمية والكوارث الطبيعية والاحتكار العالمي للثروات وارتفاع أسعار النفط، وتزايد أعداد السكان في العالم وفوق ذلك كله أساليب الضغوط الاقتصادية ذات الأهداف السياسية التي لا تخفى على العقلاء.
الإنجازات والتحديات
ويجزم د. كمال بن محمد الصبحي بأن المملكة ستواجه تحديات قوية جداً فيما يتعلق بتأمين السلع الغذائية الإستراتيجية، حيث إن الأسعار في ارتفاع بطريقة مقصودة شبيهة بارتفاع أسعار البترول.
أما د. خالد بن نهار الرويس فيقول بأنه على الرغم من الإنجازات التي حققها القطاع الزراعي، وأهمها تطوير البنية الأساسية من خلال إنشاء مشاريع السدود لتنمية الموارد المائية ومشاريع محطات التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة، بالإضافة إلى مشاريع صوامع تخزين الغلال، وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من الغذاء وخاصة القمح والتمور والحليب والبيض وبعض الخضروات إلا أن هناك تحديات تواجهها المملكة في تأمين السلع الغذائية الإستراتيجية، وتتمثل هذه التحديات في ترشيد استهلاك الموارد المائية التي تتسم بالندرة النسبية، والحفاظ عليها لمستقبل الأجيال القادمة، وكيفية تحقيق الأمن الغذائي في ضوء الميزة النسبية والتخصص الكفء للموارد، بالإضافة إلى قضية تحرير التجارة العالمية والإصلاح الاقتصادي، وارتفاع الأسعار العالمية للسلع الغذائية نظراً لاتجاه بعض الدول المنتجة للقمح إلى استخدامه لإنتاج غاز الميثانول.
وفي منظور د. ناصر بن عبدالرحمن السحيباني فإن التحديات والصعوبات التي تواجهها المملكة تتمثل في توفير الكميات والنوعيات المناسبة والمرغوبة من السلع الغذائية الإستراتيجية كالحبوب مثل القمح والأرز، والسكر وكذلك اللحوم بأنواعها ومنتجات الألبان، وتزداد المشكلة تفاقماً في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة. ففي مثل هذه الظروف متوقع زيادة صعوبة الأحوال الاقتصادية مما سيزيد الدول الفقيرة فقراً كذلك الدول التي لم تحسب لمثل هذه الظروف حساباتها.
وفي هذا الاتجاه يقول الأستاذ عبدالعزيز سعد المحروس بأن هناك عدة تحديات يواجهها العالم بأسره في هذه الحقبة من الزمن فقد قامت عدة منظمات وهيئات دولية بدراسة ما يواجهه العالم من نقص في الغذاء، وبعضهم يحذر من حصول مجاعة في العالم. ويضيف الأستاذ المحروس: وحيث إن المملكة هي جزء من العالم فهي أمام نفس التحديات، بل هي أكثر عرضة، حيث إنها لا تملك المياه ولا الأراضي الصالحة للزراعة وبذلك يكون التحدي في توفير السلع الغذائية بغض النظر عن غلائها.
كثيرة ومتنوعة
ويعد الغذاء من أهم متطلبات الشعوب وأكثرها تأثيراً في حياتها؛ لذا فنقص الغذاء أو زيادة سعره في أي دولة سيشكل تحديات كثيرة ومتنوعة قد تشمل كما يقول د. محمد بن سعد الوصالي النقاط التالية:
- تحديات اقتصادية تؤثر على خطط الدول في تنفيذ مشاريعها الطموحة لتحديث وبناء البنية التحتية في التعليم والصحة بشكل خاص وتشكيل ضغط على القوة الشرائية للأفراد بشكل مباشر؛ مما ينعكس على مستقبل أفراد المجتمع في الحصول على متطلبات الحياة الأساسية والتعليمية.
- تحديات اجتماعية ونفسية نتيجة انشغال الأسرة بتأمين متطلبات الحياة وانشغالهم أو إهمالهم للجانب المهم ألا وهو تربية أبنائهم مما يؤثر سلباً على تماسك الأسرة واحتمالية تفككها نتيجة هذه الضغوط، ومن ضمن التحديات الاجتماعية أيضاً بروز فجوة واضحة في الطبقات الاقتصادية في المجتمع وخلل (تغيير) في توازن الطبقات. كما أن السن المثالي للزواج سيتأثر وتكثر العنوسة بين الفتيات نتيجة لزيادة تكاليف المعيشة والحاجة إلى سنوات أكثر لتأمين متطلبات الزواج.
تحديات أمنية نتيجة للضغوط الاقتصادية والنفسية والاجتماعية وتفشي ظاهرة البطالة وكثرة السرقات مما سيؤثر سلباً على استقرار الأسرة والمجتمع الذي يعد مهماً وحساساً في البناء والتطور.
مسألة مهمة
ويدعونا د. أحمد الشوشان إلى التوقف عند مسألة مهمة وهي أن العناصر أو الوزارات المعنية بالغذاء.. في الأحوال الطبيعية والأوضاع الاعتيادية لا مشكلة لديها ولكن عندما تواجه البلد أو العالم بأسره كما هو اليوم أوضاعاً غير اعتيادية.
فهنا يحصل التمايز بين الدول في تمكنها من المواجهة وقدرتها على التعامل والخروج من هذه الأزمات بكفاءة أكبر أو لنقل بأقل مخاطر أو أقل كلفة وأعباء. وهذا التمايز يعتمد كما يقول د. الشوشان على توافر ما يسمى بالسياسة الغذائية؛ وهي باختصار أن تكون كل القضايا والشؤون المتعلقة بالغذاء كما هي موزعة على الوزارات والجهات المعنية، ولكن أن يوجد ما يسمى بحلقة الوصل الرئيسة وهي كيان تنسيقي دائم مهمته النظر في الوضع القائم. فالمدخل لحل قضايا الغذاء التي قد نواجهها اليوم أو في المستقبل هو تفعيل نظام "السياسة الغذائية"؛ وهذا هو نظام العالم الذي لا يرى د. أحمد الشوشان سبباً يحول دون أن نشرع في اقتباسه أو الاستفادة منه، وليس من الحكمة التعامل مع ظروف متباينة بطريقة أو أسلوب ثابت مستقر. فبعض الأمور لا يمكن الغفلة فيها والسياسة الغذائية أحد هذه الأمور؛ فالعالم قبلنا واجه وجرب وابتكر وهذا المدخل هو ما توصل إليه كأسلوب دائم أمثل.
جشع التجار
ويهاجم د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الشثري التجار إضافة الى إبرازه عوامل أخرى فيما يتعلق بتأمين السلع الغذائية الإستراتيجية من خلال محددات ذكرها فيما يلي:
أولاً: أهم التحديات تكمن في جشع التجار ومحاولاتهم المستمرة في اتهام المنتجين برفع الأسعار أي مقولة (رفع الأسعار من المصدر) وهذه كذبة كبرى ساعدت على رواجها موجة الغلاء العامة، ولو أن التجاراكتفوا بأنهم سايروا موجة الغلاء العامة في رفع قيمة السلع الأساسية لكان ذلك أبلغ، والدليل على ما أقول ما فعلته الجمعيات التعاونية الإماراتية في قضية استيراد الأرز من المصدر، حيث إن أسعاره الآن كما هي، وأن سبب رفع الأسعار هو التاجر المحلي.
ثانياً: بطء استجابة الدولة وتدخلها في قضية الأسعار بالرغم من أن الوزارات المعنية تعلم بما يحدث وهذا ما فاقم العملية وزادها سوءاً، ويعتقد د. الشثري كذلك بأنه قد آن الأوان لكي يتم تفعيل لجنة أو جمعية حماية المستهلك، وأن تتحول إلى وزارة لها قوتها ونظرتها المستقبلية الحازمة في متابعة كل ما يهم المستهلك في السوق السعودية ولا يكتفى بتبعيتها لوزارة التجارة.
ثالثاً: بدون شك فإن إنتاج بعض السلع الأساسية مثل الأرز غير ممكن في ظل الظروف المائية القاسية في بلادنا، والبديل عادة هو التدخل الحكومي في توفير تلك السلع وليس مجرد دعم تلك السلع، أي أن تأمين تلك السلع يجب عبر الحكومة من مصادر متنوعة ومختلفة ويقوم، التاجر بالشراء من الدولة مباشرة وبذلك نضمن بقاء الأسعار على الحدود التي لا تثقل كاهل المستهلك.
إعادة النظر
وحول المحور الثاني: ما المعالجات الآنية والبعيدة المدى لنقص الإنتاج العالمي من هذه السلع يقول أ.د. حسن المانع: لا توجد معالجات سحرية وفورية لحل أزمة الغذاء؛ وذلك بسبب الأوضاع الراهنة للسلع الغذائية في الأسواق العالمية، وكذلك في ظل مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر.
وباعتبارنا جزءاً من العالم نتأثر بأحداثه ونكتوي بمشاكله فإن الأمر يحتاج إلى بحث الكيفية التي تستطيع بها المملكة تخفيف حدة هذه المشكلة؛ وذلك لتفادي العواقب السياسية والأمنية المترتبة على هذه الأزمة. ويستطرد أ.د. المانع:
إن إعادة النظر في البرامج الإستراتيجية المتعلقة بالأمن الغذائي في المملكة هو من المعالجات المهمة التي تساعد على احتواء تفاقم نقص الغذاء في المملكة بحيث يخطط في تلك الإستراتيجيات ضرورة توفير الأغذية الخام الأولية ومستلزمات تصنيعها وكذلك الحرص على حفظ الأغذية. وينبغي اتخاذ تدابير فورية للبحث عن فرص جديدة وزيادة الإنتاج الغذائي حتى لو كان ذلك على حساب الاستثمار الزراعي في البلدان الأخرى الغنية بالمياه والأراضي الخصبة والمراعي الخضراء.
وأيضاً كما يضيف أ.د. المانع ترشيد الاستهلاك الغذائي في المملكة يجب أن يأخذ حقه من الاهتمام. ولا سيما أنه توجد نسبة كبيرة من الأغذية تخسرها المملكة سنوياً نتيجة لارتفاع نسبة التلف والضائعات في مراحل الإنتاج أو التداول أو التصنيع أو الاستهلاك. ولا ننسى أن مسؤولية معالجة نقص الغذاء هي مسؤولية جميع دول العالم دون استثناء. فلا بد أن يكون هناك تعاون وتخطيط وعمل دولي مشترك لمعالجة هذه الأزمة الطارئة، ويرى د. راشد العبيد بأن المعالجات الآنية والبعيدة المدى التي يمكن أن تساعد على احتواء تفاقم آثار نقص الإنتاج العالمي من هذه السلع تكون هناك اتفاقات مع الدول المنتجة للسلع الأساسية كالقمح والأرز لأسعار موحدة لمدة عشر سنوات مثلاً.
ويقول د. كمال الصبحي بأن طريق الحل هو التوجه إلى مناطق عربية وإسلامية نقوم بزراعتها ونمتلك شركات فيها، والحل الآخر أن تشتري المملكة شركات إنتاج الأرز والقمح في أماكنها ويرى د. حمد الحوشان بضرورة بناء خطة وطنية على المدى البعيد لتأمين حاجة المملكة المتزايدة من السلع الغذائية بكافة أنواعها وحمايتها من تقلب الأسعار الدولية. فمن المهم إنشاء جهاز يقوم بالدراسات الاقتصادية ومراقبة الإنتاج والأسعار في الدول المنتجة الرئيسة للسلع التي تقوم باستهلاكها واقتراح خطط وإستراتيجيات طويلة المدى لمعالجة أي اختلالات قد تنشأ. ويضيف د. الحوشان:
إن بناء مخزون إستراتيجي من الحبوب ومن السلع الرئيسة هو الطريق الأمثل لمقابلة أثر أي انخفاض في الإنتاج العالمي من هذه السلع على المعروض ثم على الأسعار.. فمثلاً تتولى مؤسسة صوامع الغلال مثل هذه الخطة بحيث تقوم بالشراء من السوق الدولي في سنوات وفرة الإنتاج وانخفاض الأسعار على أن تنوع الدول المستورد منها هذه السلع. ومن ثم استخدامها عند الحاجة بضخها في السوق المحلي عند أي إشارة لاحتمالية ارتفاع أسعار أي من هذه السلع.
ويقول د. عبدالرحمن الحماد بأن الإجابة على محور المعالجات الآنية والبعيدة تكون من شقين الأول: نحاول أن ندعم العرض بقدر الإمكان والثاني: منع الاحتكار إذا رأينا أن هناك احتكاراً مباشراً أو غير مباشر من قبل الموردين بمعنى جعل آلية السوق هي التي تعمل وأحسن مثال لذلك الاتصالات والألبان والعصيرات ومياه الصحة.
ويرى د. خالد الرويس بأن الأمر يتطلب اتخاذ بعض السياسات التي من شأنها توفير السلع الغذائية وأهم هذه السياسات: الاستمرار في إنتاج كمية من القمح في مناطق الدرع العربي أو المناطق ذات المياه الجوفية المتجددة، تكفي 05% من الاحتياجات الاستهلاكية، وكذلك الإسراع في عقد وتنفيذ اتفاقات دولية مع مصر والسودان لإقامة مشاريع زراعية متخصصة في إنتاج القمح والأرز والأعلاف.
ليس تنظيراً
أ.د أحمد الشوشان يقول بأنه يستطيع أن يذكر العوامل والطرق والأساليب التي يمكن بها مواجهة قضايا أسعار الغذاء ومخزونه.. وأن يفند كثيراً من مشكلاتنا في استهلاك الغذاء. أي متخصص يمكنه ذلك ولكن تريد الحقيقة، سيكون هذا كله أقرب إلى التنظير والتثقيف العام ولكننا نواجه قضايا حقيقية في عمق أمن الوطن، وأمن الإنسان فيه، وربما ليس هناك ما يعادل أمن الغذاء خطورة وأهمية. ولكي يكون الرأي ليس تنظيراً وإنما عملي وواقعي أحتاج إلى أدوات حقيقية، وهذه الأدوات هي للمعلومات الراهنة عن الغذاء في الداخل والخارج، عن إنتاجه، وأسعاره، وسياساته اللحظية والخيارات المتاحة في إطار الاتفاقات التجارية.
وهذا ما يمكن للكيان أو الجهة المعنية بتنسيق السياسة الغذائية أن تحصل عليه ويكون تحت عين اجتماعاتها الدائمة فهي ستكون بفارق كبير جداً أفضل من المتخصص الذي يمتلك الطرح والمعلومة وأقرب بكثير جداً إلى الإحاطة بالصورة العامة للوضع من أي وزارة لديها من المسؤوليات والمهام الخاصة الشيء الكثير مما لن يتيح لها الاطلاع على جوانب أخرى والإحاطة بالظروف المحيطة بالغذاء وقضاياه وشؤونه الأخرى.
التفريغ والأصل
ويدعو الأستاذ سعيد المحروس إلى التعاون بين الدولة والموردين؛ وذلك من خلال تذليل العقبات أمام الموردين بتسهيل التفريغ بالموانئ وإعطاء المواد الغذائية أولوية حتى نشجع أصحاب البواخر في القدوم إلى موانئ المملكة، وكذلك توفير المحفزات للنقل والتفريغ الداخلي من خلال جلب سائقين وعمالة للتفريغ وحث البنوك على تسهيل ودعم معاملات موردي المواد الغذائية؛ وذلك يصب في تفادي القوانين التي تصدر في الدول المصدرة كما حصل في الهند ومصر وغيرها من الدول التي أصدرت قوانين بأثر رجعي شملت البضائع الموجودة في موانئ التصدير، ولعدم توافر بواخر ترغب فيس المجيء للمملكة في إلغاء كميات متفق عليها وتطلب زيادة أسعار 03إلى 04%. ويرى المحروس كذلك بأنه لتوفير الغذاء على المدى الطويل فذلك بجهد عالمي وأهمها توقيف استعمال المحاصيل الغذائية لإنتاج الطاقة. أما في بلدنا الحبيب فعلينا التوجه نحو التقنية الحديثة (تربة بركانية) المتوافرة في ألمانيا التي تضاف للتربة لتحسينها للحفاظ على الرطوبة وباستعمال شبكات الري الحديثة بحيث يؤمن جزء من الغذاء.
أما د. عبدالعزيز الشثري فيقدم لنا هنا رأياً مختلفاً حينما يقول: النقص العالمي من السلع الأساسية مصطنع وناتج عن سوء الإدارة أو الرغبة في دعم إنتاج السلع عند سقف سعري مناسب يعود بالربح على المنتج الأصلي، وهذا ما يجعل قضية الأسعار الشغل الشاغل للدول المستهلكة.
والحل هو دعم الإنتاج في الدول الفقيرة بكل السبل وخاصة الدول التي لديها أرض خصبة وعمالة رخيصة لإنتاج السلع الأساسية التي تنتجها بعض الدول المتقدمة بأسعار مرتفعة هذه الأيام.
ومن جانبه يقدم لنا د. محمد الوصالي عدداً من المقترحات للمعالجة في احتواء تفاقم نقص الإنتاج العالمي من الغذاء في النقاط التالية:
- وضع خطط إستراتيجية مناسبة لإنتاج وتصنيع الغذاء وتأمين الاحتياجات الأساسية والضرورية لتنفيذها والمتابعة المستمرة لخطوات التنفيذ.
- تفعيل التعاون العربي والإسلامي وزيادة الاستثمار الزراعي المباشر في الدول التي تملك المقومات الزراعية مثل السودان ومصر وتحرير التجارة البينية.
- دراسة إمكانية استغلال التنوع الجغرافي لمناطق المملكة في إنتاج بعض السلع المناسبة لكل منطقة.
- دعم الأبحاث العلمية ذات العلاقة بإنتاج وتصنيع الغذاء وتفعيل نتائجها.
- التحديث الدوري والمستمر للأنظمة واللوائح الخاصة بإنتاج وتصنيع وتخزين وتداول وبيع السلع الغذائية وتطبيق الأنظمة في حق المخالفين.
- الاستفادة من الإحصاءات المختلفة المتوافرة لدى بعض الجهات سواء السكانية أم الزراعية أم التعليمية في استشراف المستقبل وتحديد الاحتياجات المستقبلية الغذائية والتعليمية والصحية والاجتماعية وغيرها.
نقاط معالجة أخيرة
د. ناصر السحيباني يقدم لنا كذلك عدداً من الحلول والمعالجات الممكنة لهذه القضية وتتمثل في:
- المحافظة على ما نملكه من بنية تحتية زراعية وخبرات تراكمية عالية ولكن مع ترشيد وتقنين جيد وعملي وفعال وتخطيط علمي مبني على دراسات علمية للمحافظة على الحد الأدنى من الإنتاج المحلي لبعض السلع أو المحاصيل المهمة.
- إيجاد مخزون كافٍ ومتنوع لكثير من السلع الغذائية فالمستوى الغذائي للشعب السعودي يحتم توفير كميات ونوعيات جيدة ولمدة لا تقل عن 21شهراً بينما الوضع الحالي لا يكفي شهرين!!
- تنمية الدول المنتجة لبعض السلع الغذائية ذات الأهمية القصوى كالأرز والحبوب والسكر واللحوم وغيرها، والدخول معها في شراكة ومنفعة تبادلية، وبالذات الدول ذات المناخ السياسي المستقر.
- تفعيل الدور الرقابي والتنظيمي للأسواق والمخازن الغذائية المحلية، وعدم ترك الوضع للتجار والذين مع الأسف خيبوا الظن فيهم وظهرت الصورة الجشعة وعدم المبالاة للكثير منهم!!
تغيير النمط
آن الأوان لتغيير أنماطنا في استهلاك السلع الغذائية كما يقول د. كمال الصبحي - وكافة المشاركين في هذه القضية 0وبالإجماع - وذلك بتكثيف التوعية بمثل ما حصل باستهلاك المياه.
ويشير د. خالد الرويس إلى أن النمط الاستهلاكي السعودي يتسم بزيادة الفاقد الاستهلاكي من السلع الغذائية وخاصة الأرز في المطاعم والحفلات والعزائم. وللحد من حجم الفاقد الاستهلاكي والذي يحمل في مضمونه مقدار الفاقد من الموارد الرأسمالية لا بد من ترشيد الاستهلاك من خلال توعية المستهلكين وتغير نظرة المجتمع والتفاخر بالبذخ في المناسبات، بالإضافة إلى توعية أصحاب المطاعم بتقليل كميات الأرز المقدمة بحيث تكون في حدود الاحتياجات الاستهلاكية الضرورية أو الفعلية فقط.
ويرى د. حمد الحوشان أن تغيير أنماط الاستهلاك لا يمكن تغييره لأنه يأخذ وقتاً طويلاً ويعتمد على ذائقة المستهلك وتفضيلاته والتطور الاجتماعي.. مثال تحولنا من استهلاك القمح في الماضي -حيث كان الغذاء الرئيس- إلى استهلاك الأرز خير شاهد، ولكن الترشيد على المدى البعيد يسهم في تغيير أنماطنا الاستهلاكية.
ويتفق د. عبدالعزيز الشثري مع ما قاله د. الحوشان بأن تغيير الأنماط الاستهلاكية للشعوب يستغرق وقتاً طويلاً ويحتاج إلى تضافر جهود كبيرة جداً للوصول إلى ذلك.
ويقول د. الشثري: ولا أبالغ إذا قلت إننا نحتاج 05إلى 001عام لكي نغير جزءاً بسيطاً من أنماط الاستهلاك بالنسبة للسلع الأساسية. والإرز والقمح كمنتجين رئيسين تكاد شعوب الأرض قاطبة تجمع عليهما أو على واحد منهما وبالتالي قد نستبدل أحدهما بالآخر إلا أنه من الصعوبة بمكان استبدالهما معاً.
ولكن أ.د. عبدالرحمن الحماد يرى أن المستهلك كلما تأثر بالسعر سيبحث عن بديل أو شبيه بقدر الإمكان، لأن المؤثرات الفعلية على المستهلك هي السعر والجودة والتوزيع والترويج.
أما د. محمدالوصالي فيرى بأنه كان من المفترض أن يتم التغيير منذ فترة ليست بالوجيزة خاصة بعد انتشار أمراض سوء التغذية (السمنة - الأنيميا بأنواعها - الضغط وغيرها) حتى عدت من الأوبئة.. أما الآن وبعد بروز هذا النقص الشديد في الغذاء فتعديل العادات والأنماط الغذائية أصبح أكثر إلحاحاً ويجب أن يشترك فيه الجميع. ويدعو د. الوصالي إلى التعديل التدريجي بدلاً من التغيير لأن التعديل أسهل وأنجع في حل المشاكل خاصة إذا تكاتف الجميع في تثقيف المجتمعات بأن هذا الأمر ليس من أجل غلاء الأسعار وإنما لأجل أمر أهم ألا وهو صحتهم وتمتعهم بحياة سعيدة خالية من المنغصات ويأمل د. محمد الوصالي كذلك بأن نستفيد من الظروف الحالية التي تمر على العالم بشكل عام في وضع خطط إستراتيجية مناسبة للمستقبل وتجعلنا أكثر استعداداً لمواجهة هذه التحديات.
ومن جانبه يؤكد أ.د. حسن المانع بأنه قد آن الأوان لتغيير أنماطنا في استهلاك السلع الغذائية. فالحقيقة المرة كما يقول أ.د. المانع اليوم هي أن استهلاكنا اليومي للخبز والأرز يفوق احتياجنا منهما مرتين، وذلك بسبب التبذير والتفاخر الاجتماعي والعادات الخاصة في إكرام الضيف بالطعام الزائد عن حاجته. على المواطن أن يدرك أن رغيف الخبز يوفر أكثر من 05% من احتياجاته من السعرات الحرارية اليومية كمعدل. ولكن قد يصل ذلك المعدل إلى أكثر من 57% عند الطبقات الفقيرة أو ذوي الدخل المحدود. فهل من نظرة جادة إلى ترشيد استهلاك الخبز والأرز بتغيير العادات الخاطئة في الولائم والاحتفالات والاستهلاك المنزلي؛ وهل يمكن تشديد الرقابة على المخابز والمطاعم لترشيد استهلاك الأغذية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.