تمر أيامك مسرعة، وكأن الليل والنهار يتسابقان لكي يمضي بك العمر. لا تعرف لماذا تمر أوقاتك بسرعة ولا تعرف لماذا تشعر أنك تلهث دائما وأنك تتوق للراحة؟. لعلك تتذكر أيام الصيف المملة حين كنت صغيرا تختبئ عن الشمس تحت شجرة بيت الجيران تنتظر أن يأتي المساء حتى يأتي أبناء خالاتك أو اعمامك للعب معك، ولعلك تذكر كيف أن الساعات كانت تزحف ببطء وكأنها لا تريد أن تتحرك. وربما تتذكر انتظارك الطويل ليلة إعلان نتائج الثانوية وكيف وقفت أمام بوابة الجريدة والباب لا يتحرك والوقت لا يريد يمضي والجريدة تتأخر في طبعتها. تذكر في زمن بعيد أن اليوم كان طويلا وأنه كانت هناك فسحة من الزمن كي تكبر وتحلم وتنتظر. اليوم وفي هذه اللحظة اختلفت الأمور، أنت لا تعرف أيكما يسابق الآخر أنت أم الوقت؟ تتحدث عن إيقاع الحياة السريع وعن اليوم الذي ينتهي قبل أن يبدأ وعن قائمة المشاغل التي تكبر وعن احتياجاتك التي تزيد وعن أحلامك التي تقل، لا وقت لديك للحلم ولا وقت لديك للاسترخاء ولا وقت لديك حتى تتوقف قليلا وتفكر أو تراجع نفسك فأنت تريد أن تمشي إلى الأمام مع طابور طويل من الناس متجهين إلى حيث يأخذهم الطريق. قد تلوم التقدم التكنولوجي الذي حملك لعالم آخر لا يتوقف، قد تلوم الدنيا التي تغيرت والناس الذين يركضون مسرعين، قد تلوم الحياة التي لا تدع لك مجالا للتنفس فمصاعبها كثيرة ومسؤولياتك جزء من هذه المصاعب، هذا ما تقوله في لحظة صفاء تقتنصها للتحدث مع صديق أو تشارك زميل عمل تذمركما اليومي. كل ما تعرفه هو أن الدنيا تغيرت، لم تعد تلك الدنيا الهادئة المريحة التي عرفتها طفلا وعشتها مراهقا. من طبيعة الأشياء أن تتغير، أنت نفسك تغيرت، لم تعد طفل أمك المدلل، ولم تعد ذلك الولد الشقي الذي يسعى لإنهاء واجباته اليومية حتى يخرج ليلعب بالكرة مع أولاد الحارة، أصبحت مسؤولا عن موظفين في العمل، ورب عائلة ومستودع سر أصدقائك، انت مشغول ولكثرة انشغالك تريد أن تقوم بكل مسؤولياتك في نفس الوقت، تمسك بالجوال لتحدث مدرسة ابنك، وتقف أمام الصراف لتدفع تجديد إقامة السائق، وتجري اجتماعا عبر الشبكة العنكبويتة تتفاوض فيه مع شريك عمل مستقبلي في آخر الدنيا، وتكتب على الكومبيوتر مسودة لخطة عمل ستعرضها على رئيسك في آخر النهار، وقائمة مشاغلك لا تنتهي وأنت تتمنى لو أن يومك كان أطول فما أكثر قائمة الأشياء المؤجلة لكن السؤال هل ستنتظرك هذه الأشياء المؤجلة؟