«يجب ألا نسمح لأنفسنا بأن نكون محطة في سيرة مدرب يبحث عن تألق شخصي على حساب طموح أمة. المنتخب السعودي أكبر من أن يكون مجرد وظيفة في سيرة ذاتية». إن العودة الثانية لهيرفي رينارد إلى قيادة المنتخب السعودي ليست مجرد قرار كروي عادي، بل هي درس صارخ في كيف يمكن لأسطورة سابقة أن تتحول إلى عبء حاضر. كيف نقبل بمنطق رياضي يعيد مدرباً غادر السفينة بإرادته في لحظة حرجة، ليعود اليوم وكأن شيئاً لم يكن؟ الأصعب من ذلك أن نعود به ونحن نعلم أنه لن ينظر إلينا إلا كفرصة ثانية ليحلق رصيده الشخصي، لا كالتزام بمشروع وطني. لقد أصبح رينارد النموذج الأمثل للعلاقة المصلحية البحتة بين المدرب والمنتخب. فهو لم يعد ذلك المدرب الجريء الذي صنع مفاجأة الأرجنتين، بل تحول إلى رمز للعشوائية التكتيكية والاختيارات المثيرة للاستفهام. البيانات الرقمية تروي قصة الانحدار بأكثر وضوحاً من أي تحليل: أداء رينارد في فترتيه مع المنتخب السعودي: الجانب الفترة الأولى (2019-2023) الفترة الثانية (2024-الآن) عدد المباريات 41 مباراة 26 مباراة (حتى منتصف 2024) نسبة الفوز 48.8 % (20 فوزاً) 42.3 % (11 فوزاً) الأهداف المسجلة 54 هدفاً (1.32 لكل مباراة) 29 هدفاً (1.12 لكل مباراة) الأهداف المستقبلة 31 هدفاً (0.76 لكل مباراة) 27 هدفاً (1.04 لكل مباراة) الفرق التكتيكي خطط واضحة، تغييرات حاسمة عشوائية، تأخر في التغييرات، غياب الحلول هذا التراجع ليس في النتائج فحسب، بل في الهوية ذاتها. فبينما كان الفريق في العهد الأول يحمل روحاً قتالية وهوية واضحة، أصبح اليوم فريقاً بلا بصمة، يتخبط بين خطط لا تتناسب مع مجريات المباريات ولا مع طبيعة المنافس. الأمر لا يتعلق فقط بما يحدث داخل الملعب، بل بما يحدث خارجه أيضاً. سلوكيات رينارد تكشف عن فجوة أخلاقية بين ما يتوقعه من اللاعبين من تفانٍ، وما يقدمه هو من التزام. في ذروة منافسات كأس العرب 2025، قرر رينارد ترك الفريق والتغيب عن مباراة حاسمة أمام جزر القمر والسفر إلى الولاياتالمتحدة لحضور قرعة كأس العالم 2026. هذا ليس اختياراً مهنياً بل رسالة واضحة عن الأولويات. لقد فضل الحدث الإعلامي على الواجب الميداني. بعد الخروج المخيب من كأس العرب، توجه رينارد مباشرة إلى المغرب لحضور حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025. بينما كان اللاعبون والجماهير يلتئمون جراح الخسارة، كان مدربهم يحتفل بكأس آخرين. أمام الأردن في نصف نهائي كأس العرب، سيطر المنتخب السعودي على الكرة بنسبة 69 %، لكنه فشل تماماً في تحويل هذه السيطرة إلى أهداف. هذا ليس فشلاً في التنفيذ بل فشلاً في التخطيط. رينارد يعيدنا إلى كرة الاستحواذ العقيمة بلا محتوى هجومي حقيقي. المنطق الرياضي السليم يقول: إن عودة مدرب سابق يجب أن تبنى على أساس من النجاح المستمر والعلاقة الوطيدة. عودة رينارد خالفت كل هذا: * الرحيل الأول كان رسالة: عندما غادر رينارد في مارس 2023 لتدريب منتخب فرنسا للسيدات، كان ذلك اعترافاً ضمنياً بأن المشروع السعودي مجرد محطة في مسيرته. العودة بعد هذا القرار لا تعيد الثقة، بل تؤكد أن العلاقة قائمة على المصلحة المؤقتة فقط. * الشرعية الأخلاقية المفقودة: كيف يطلب مدرب التفاني المطلق ممن سبق أن تركهم عندما سنحت له فرصة «أفضل»؟ لقد فقد رينارد الحق الأخلاقي في قيادة هذا الفريق عندما غادره بإرادته. * نموذج سيئ للاعبين: عندما يقبل الاتحاد بعودة مدرب غادر سابقاً، يرسل رسالة خطيرة للاعبين بأن الولاء ليس قيمة مطلقة في الكرة السعودية. كفانا تجارب فردية وقرارات انفرادية. حان الوقت لنظام مؤسسي يحمي مستقبل المنتخب: نقترح تشكيل لجنة وطنية دائمة للتعاقد مع المدربين تتكون من: 1. خبراء تكتيك سعوديين (مدربون سابقون وحاليون) 2. قادة الفريق الحاليين والقدامى الذين يفهمون بيئة المنتخب 3. مسؤولون اتحاديون يحددون الرؤية الاستراتيجية 4. خبراء قانونيون لحماية الجانب المالي والعقدي هذه اللجنة ستضمن: . شفافية في عملية الاختيار . مشاركة واسعة للخبرات الوطنية . حماية للمصالح المالية من خلال عقود محكمة . توافقاً وطنياً حول اختيار المدرب المنتخب السعودي ليس محطة في مسيرة مدرب فرنسي. نحن صقور تحلق بمن يقودها. عندما دعا رئيس الفيفا رينارد لحضور قرعة كأس العالم، لم يدعُ «رينارد» المدرب الفرنسي، بل دعا مدرب المنتخب السعودي، لأن القيمة هنا في الهوية لا في الشخص. لقد آن الأوان لاستعادة الكرة السعودية من براثن الاستعارة الطويلة لخبرات لا تؤمن بمشروعنا. رينارد كان خطأً في العودة، والاستمرار معه هو تكريس لذلك الخطأ. المستقبل يحتاج إلى عقد جديد: عقد بين مدرب يؤمن بالمشروع السعودي كرسالة، واتحاد يقدم الدعم غير المشروط، وجماهير تمنح الثقة لكنها لا تتنازل عن الطموح. كفانا خسائر نتائج، وخسائر معنوية. لنبدأ صفحة جديدة بمنطق جديد: المنتخب السعودي يستحق الأفضل، لا الأوفر حظاً.