في زيارة ميدانية لحديقة الحيوان بالملز، لا يلفت الانتباه عدد الحيوانات أو تنوعها بقدر ما يلفت ذلك المشهد الإنساني الهادئ الذي يتكرر في أكثر من زاوية، عائلات تسير بتأنٍ، أطفال يتوقفون طويلاً أمام كل قفص، وكبار سن يراقبون المشهد بصمت، لا يبدو المكان مزدحماً بالضجيج بقدر ما هو مزدحم بالأسئلة، والدهشة، ومحاولات الفهم الأولى لعلاقة الإنسان بالكائنات الأخرى. لم تعد حديقة الحيوان، كما كانت في الذاكرة الجمعية، مساحة للفرجة العابرة فقط، بل تحوّلت تدريجياً إلى بيئة تعليمية مفتوحة، تؤدي دوراً يتجاوز الترفيه، الأطفال يشكّلون قلب هذه التجربة، فضولهم واضح، وأسئلتهم البسيطة لا تتوقف، وتعبّر عن بداية تشكّل وعي بيئي، لا يأتي عبر الشرح المباشر، بل من خلال المشاهدة والتجربة الحية. وتبرز الحديقة كمساحة مختلفة، تمنح الزائر فرصة للتباطؤ والتأمل، الأشجار، الظلال، والمسطحات المفتوحة تخلق بيئة بصرية ونفسية مغايرة لما اعتاده سكان المدن الحديثة. عائلات جاءت خصيصاً لقضاء يوم كامل هناك، وزوار يمرون لساعة أو ساعتين، وأشخاص اعتادوا المكان منذ أعوام، هذا التنوع يمنح الحديقة طابعاً اجتماعياً خاصاً، ويجعلها واحدة من الأماكن القليلة التي لا تزال تصنع تجربة مشتركة بين أجيال مختلفة. وأصوات الزوار تكشف عن هذا البعد بوضوح، إحدى الأمهات ترى أن اصطحاب أطفالها إلى الحديقة يفتح باباً للحوار معهم حول الرفق بالحيوان واحترام الكائنات الحية، مشيرة إلى أن هذه القيم يصعب غرسها نظرياً فقط. وشاب يزور الحديقة للمرة الأولى يصف التجربة بأنها مختلفة عما توقع، موضحاً أن مشاهدة الحيوانات عن قرب تخلق شعوراً بالمسؤولية تجاه البيئة، أكثر مما تفعله الصور أو المقاطع المرئية. وعبّر أحد كبار السن عن سعادته برؤية المكان يعج بالأطفال، معتبراً أن الحديقة لا تحفظ الحيوانات فحسب، بل تحفظ أيضاً ذكريات مشتركة للأسر. واقتصادياً، تلعب الحديقة دوراً مهما كخيار ترفيهي متاح، لا يفرض أعباء مالية كبيرة على الأسرة، وفي ظل ارتفاع كلفة كثير من الأنشطة الترفيهية، تبرز هذه المساحات العامة كبدائل متوازنة. والتجربة داخل الحديقة لا تقوم على المشهد الكبير فقط، بل على التفاصيل الصغيرة التي تشكّل مجتمعة صورة متكاملة، لوحات التعريف بالحيوانات، تنظيم المسارات، أماكن الجلوس، وتوزيع الظلال، كلها عناصر تسهم في خلق بيئة مريحة وتعليمية في آن واحد، هذه التفاصيل، وإن بدت بسيطة، إلاّ أنها تحمل رسالة واضحة حول أهمية التنظيم، والوعي، واحترام المكان والكائن. ومع كل ما تقدمه الحديقة، تبقى ملاحظات الزوار حاضرة بوصفها جزءاً من التجربة، بعضهم يتمنى مزيداً من الأنشطة التفاعلية، وآخرون يقترحون تطوير البرامج التوعوية، أو توسيع بعض المساحات، هذه الملاحظات لا تأتي من باب الانتقاد بقدر ما تعكس شعوراً بالانتماء للمكان، ورغبة في رؤيته يتطور ويواكب التغيرات.